221
الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي

والعرفي بالمعنى الاصطلاحي ، انتزاع معنى صحيح ومقبول من متن الحديث ينسجم مع الأحاديث الاُخرى المشابهة أو حسب التعبير الّذي صغناه نحن «فصيلة الحديث» ، يصبح هذا المنهج والاُسلوب موضع قبول عند المجلسي رحمه الله ، وقد اتّبعه هو وسار عليه . فقال عند شرحه لعبارة : أكثر الخير في النساء ، الّتي وردت في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام ، ما يلي : «وكفى بذلك حفظ النوع بالولادة وضبط اُمور الدار بهنّ ، وكذا اُمور المعاش وغير ذلك ممّا هو مشاهد ، فضلاً ممّا لا نعلم مفصّلاً ، فإنّ العبد ينبغي أن يعلم مجملاً أنّ الحكيم لا يبالغ هذه المبالغات عبثا ، ويمكن أن يكون المراد بالخير ، المال كما تقدّم الأخبار في أنّ النكاح سبب للتوسعة» . ۱
بيّن المجلسي الأوّل رحمه الله معنى هذا الحديث في بداية شرحه له وفقاً للمعنى الشائع والعرفي لكلمة الخير ، ثُمَّ ذهب إلى شرحه على احتمال المعنى الاصطلاحي والمستخدم في الأحاديث والنصوص الدينية . تجدر الإشارة إلى أنّ كلمة «الخير» كانت تأتي أحياناً في اللغة العربية قديماً بمعنى المال . ويمكن أن نعتبر الآية الشريفة : «وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ »۲ دليلاً على ثنائية معنى هذه الكلمة . وفي هذه الحالة يجب استبعادها ممّا نسوقه من أمثلة في هذا المجال . وهذا التردد بين المعنى اللغوي والاصطلاحي موجود منذ بداية الشرح ، وقد عرضه المجلسي الأوّل رحمه الله عند شرحه لبعض الألفاظ الّتي وردت في حديث جاء على شكل مكاتبة بين الإمام الرضا عليه السلام ومحمّد بن سنان . وقد كُتب هذا الحديث كجواب عن سؤال كان قد طرحه ابن سنان ، وقد نقل الراوي عن الإمام بأنّ الحكمة من غسل اليدين في الوضوء أن تكون نظيفة عند تحريكها أثناء القنوت والدعاء في الصلاة ، رغبة ورهبة وتبتّلاً . ولا يذكر المجلسي رحمه الله المراد من الرغبة والرهبة والتبتّل بشكل قطعي ، ويقول :

1.روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۹۳ .

2.العاديات : ۸ . وراجع أيضاً تفاسير القرآن الكريم .


الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
220

اللّه عز و جل في الدنيا وبصّره داءها ودواءها ، وأثبت الحكمة في قلبه وأنطق به لسانه . . . » 1 .
تجدر الإشارة إلى أنّ صدر هذا الحديث ورد في الكافي بشكل آخر ، وهو أيضاً مشهور وجارٍ على الألسن . 2
والمثال الآخر هو الاصطلاح الّذي صاغه أو استخدمه المعصومون عليهم السلام هو اصطلاح : المرأة الّتي قد ملكت نفسها ، الّذي فهمه بعض الفقهاء بمعنى بلوغ المرأة ورشدها ؛ أي أنّ الفتاة الّتي دخلت سن البلوغ تكون عصمة أمرها بيدها ، ولا تحتاج في أمر الزواج إلى إذن أبيها أو من أقاربها . غير أنّ المجلسي الأوّل رحمه الله فهم هذا المصطلح بمعنى «الثيّبة» استناداً إلى بعض الروايات ، والمراد به المرأة الّتي سبق لها أن تزوجت وبعد الطلاق صارت في صدد زواج آخر . ومثل هذه المرأة لا تحتاج لإذن أبيها أو أقاربها للزواج .
إنّ هذا المنهج الّذي سار عليه المجلسي الأوّل رحمه الله ، أي تتبع موارد استعمال الاصطلاح في مجال استخدامه ، وتتبع موارد استخدام اللفظة الحديثية في الروايات والأحاديث نفسها ، يعتبر منهجاً أساسياً وفاعلاً ومُنتجاً في فهم الحديث والاصطلاحات المستخدمة فيه . وبعض علماء اللغة يتّبعون حالياً هذا المنهج نفسه لفهم المعاني الاصطلاحية .
وما ينبغي إضافته هنا هو أنّ شرح الألفاظ والاصطلاحات بمعناها اللغوي والعرفي يتقدّم من حيث الرتبة على شرح معناها الاصطلاحي ، أي أنّ ما يتبادر إلى الذهن من اللغة ومنذ الوهلة الاُولى له الاعتبار الأوفى ، ولكن عندما يُنحّى هذا المعنى ولا يُستخلص من الجملة ، أي مفهوم على أساسه ، أو لا يَنسجم ذلك المعنى مع مجموع الروايات الّتي تُعنى بتلك المسألة ، ويمكن عند الاستعاضة عن المعنى اللغوي

1.روضة المتّقين ، ج ۱۳ ، ص ۱۸ .

2.الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۶ ، ح ۶ ، وفيه : ما أخلص العبد الإيمان باللّه عز و جل أربعين يوماً ... .

  • نام منبع :
    الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
    المساعدون :
    جدیدی نجاد، محمدرضا ، المسعودی، عبدالهادی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 99739
الصفحه من 296
طباعه  ارسل الي