239
الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي

إلى قوم امرأةٌ فوجدها عوراء ولم يبيّنوا ، أله أن يردّها ؟ قال : [لا يردّها] ، إنّما يردّ النكاح من الجنون والجذام والبرص» . ۱
وكما يلاحظ هنا فإنّ الرواية لا تعتبر عور المرأة موجباً لحق الرجل في الفسخ ، وليس هذا فحسب ، بل استبعدت أيضاً عيوباً اُخرى كالعفل والقرن ، وبهذا النفي تتعارض الرواية مع روايات عديدة ومشهورة تدلّ على العيب وجواز الفسخ المستند إليها . ولكن المجلسي رحمه الله محّص سؤال الراوي الّذي يتضمن جملة «ولم يبيّنوا» وقال : «والحصر الواقع في الأخبار إضافي » ۲ . ثُمَّ قال بعد عدّة صفحات في توجيه رواية مشابهة : «الغالب في العيوب الظاهرة ، العلم بها والحصر بالنسبة إلى العيوب الباطنة الّتي قلّ من يطّلع عليها» ۳ . أي أنّ العمى ليس بالضرورة من العيوب الخفية ، وحتّى إذا كان من العيوب الخفية فهو ليس ممّا يصعب كشفه . وعلى هذا فهو ليس من العيوب الخفيّة الّتي توجب الفسخ . أمّا أن تكون في المرأة عيوب توجب الفسخ مع ظهورها للعيان فهي خارج عن شمولية هذا الدليل . ودائرة النفي والحصر تقع فقط ضمن العيوب الخفية وليس الظاهرية .
إذاً فالرواية المذكورة لا تقصد عيوباً كالعفل والقرن . ونحن هنا لسنا في مقام التحكيم ولا بصدد الحكم على توجيه المجلسي رحمه الله أو بيان علاقة العمى بجواز فسخ النكاح ، إذ إنّ هذا البحث موضع اختلاف وجدل بين الفقهاء ، وإنّما المهم بالنسبة إلينا هو الكشف عن حدود الحصر لتوجيه وحل الرواية عن طريق الالتفات إلى سؤال الراوي .

1.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۳ ، ص ۴۳۳ ، ح ۴۴۹۶ .

2.روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۳۳۹ .

3.المصدر السابق ، ص ۳۳۶ .


الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
238

الميّت ومس الميّت والحيض و .. . ليس إلاّ مفردات من هذه الأغسال . وعلى هذا الأساس فإذا كان لدينا حديث يقول : إنّما الغسل من الماء الأكبر ، ۱ ولا نستطيع حلّه ، يجب علينا تركه ؛ وذلك لأنّ الأدلة الاُخرى على الأغسال كثيرة ومحكمة ، بحيث إنّ الحصر الحاصل من هذا الحديث لا يقوى على معارضتها ، ولكن مثلما حكم المجلسي رحمه اللهـ بناءً على سؤال الراوي ـ بإضافية ونسبية الحصر ۲ ، نحن أيضاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار سؤال الراوي في هذا الحديث ، سنقر بصحّة هذا الحكم بكلّ سهولة . وقد ورد هذا السؤال كما يلي : «وسئل عن الرجل ينام ويستيقظ فيمسّ ذكره فيرى بللاً ولم يرَ في منامه شيئا أيغتسل ؟» .
وبعبارة اُخرى : أنّ افتراض الراوي يدخل ضمن دائرة الأغسال المتعلّقة بخروج سائل من مخرج البول ، وهو هل يوجب خروج سوائل اُخرى ـ كالمذي والودي وهي تختلف عن المني ـ يوجب الغسل أم لا؟ وقد حكم الإمام ضمن هذه الدائرة بعدم وجوب الغسل . وقد جاء الحصر استناداً إلى هذا المجال ، أو كما يقال : بالقياس إلى هذه الدائرة . والحكم في هذه الحالة منطقي وفقهي ومقبول ولا معارض له .
والمثال الآخر في مجال عيوب النكاح ممّا يعطي للزوج حق الفسخ . فقد استنبط الفقهاء هذه العيوب من الأحاديث وعيّنوها واحصوا عيوب المرأة في ستّة أو سبعة عيوب ، ولا نعرف أحداً توقّف فيها عند حد الثلاثة عيوب . ولهذا السبب يُستبعد حديث محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام الّذي حصر فيه العيوب بثلاثة ، وهذا الحديث يحتاج إلى توجيه وتوضيح . وقد استند المجلسي رحمه الله إلى مبدأ الحصر الإضافي اعتماداً على سؤال الراوي ، وكشف دائرة الحصر ، ووجّه الحديث .
نأتي في بداية الأمر على نقل نص الرواية : «وسأل محمّد بن مسلم عن رجل تزوّج

1.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ، ص ۸۶ ، ح ۱۸۹ .

2.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۲۳۸ .

  • نام منبع :
    الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
    المساعدون :
    جدیدی نجاد، محمدرضا ، المسعودی، عبدالهادی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 99711
الصفحه من 296
طباعه  ارسل الي