241
الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي

واحدة منها» . ۱
كما اتّبع المجلسي رحمه الله الاُسلوب نفسه في حل الفقرة التالية من الحديث ، أي قول الرسول صلى الله عليه و آله : من وَرِعَ عن محارم اللّه ، فهو من أورع الناس ، ۲ فقال : «ويشتمل ترك الفرائض والحصر إضافي كالسابق وكونهم أورع من بعض لا ينافي أن يكون أحدا أورع منهم وإن احتمل المبالغة أيضا» . ۳
والواقع هو أنّ المجلسي رحمه الله يقيّد هذه القضية هنا ويرى أنّ المراد من «الناس» هنا ليس كُلّ الناس وإنّما يشمل عدداً خاصاً منهم ، ويوصف تارك المحارم والآتي بالفرائض ، بأنّه أعبد وأورع بالقياس إلى هذا العدد الخاص من الّذين يفترض بأنّهم مرتكبي المحارم وتاركي الواجب . وليس بالقياس إلى جميع الناس ، وحتّى تاركي المحارم والآتين بالفرائض من الّذين يؤدّون المستحبّات ويجتنبون المكروهات أيضاً .
ربّما يمكن اعتبار معنى مثل هذا التعبير تأكيداً على أداء الواجبات وترك المحرمات ، إذ إنّ الواجب القليل الّذي لا يدنّسه حرام خير من الواجبات الكثيرة وحتّى المدعومة منها بالمستحبّات فيما إذا كان يخالطها الإثم وارتكاب الحرام .
الثمرة الاُخرى الّتي تتمخّض عن الالتفات إلى سؤال الراوي هي استبعاد الاحتمالات البعيدة ، وتقليل المحتملات العديدة الّتي قد ينطوي عليها المتن . فإنّ كان الراوي فقيهاً وواسع الفهم لا يمكن اعتبار جوابه بسيطاً وابتدائياً ولا يمكن طرح احتمالات لا تنسجم مع شأنه ومكانته . فعلي بن جعفر أحد الرواة الأجلاء ، ومع إدراك المجلسي لجلالته وعظمته الروحية والمعنوية والعلمية ، لم يقبل التأويلات المتعلّقة

1.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۵۸ .

2.روضة المتّقين ، ج ۱۲ ، ص ۷۴ .


الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
240

تنبيـه

من القضايا الحديثية المهمّة ، حل مشكلة صيغة المفاضلة «أفعل» الّتي وردت في الروايات . وهذه القضية ليس لها علاقة مباشرة بسؤال الراوي ، ولكن لها صلة وثيقة بمسألة الحصر الإضافي . وبما أنّ هذه القضية تدخل في دائرة فقه الحديث نطرحها على بساط البحث ، ونذكر رأي المجلسي الأوّل في هذا المجال . المشكلة هي أنّ هناك روايات عديدة وصفت أشخاصاً كثيرين بصفات : «أعبد الناس» ، و«أفضل الناس» و«خير الناس» . إلاّ أنّنا من جهة اُخرى نعلم بأنّ صيغة المفاضلة «أفعل» إذا أضيفت إلى كلمة الناس ، لا يكون لها إلاّ مصداق واحد ، وهنا يحصل تناقض داخلي .
الحل الأساسي لهذه المشكلة هو أن نعتبر التفضيل شيئاً إضافياً . نعرض فيما يلي مثالين ممّا شرحه المجلسي الأوّل رحمه الله ونضيف إليهما توضيحاً موجزاً ليتّضح أمامنا سبيل الحل هذا بشكل أفضل . هذان المثالان عبارة عن فقرتين من متن وصية رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام .
الفقرة الاُولى قول الرسول صلى الله عليه و آله : من أتى اللّه بما افترض عليه ، فهو من أعبد الناس . وقد أوردها الشَّيخ الصَّدوق في باب النوادر ، وهو الباب الأخير من كتاب من لا يحضره الفقيه . ۱ والسؤال الّذي يتبادر إلى الأذهان هنا هو : هل حقاً أنّ من يكتفي بأداء الواجبات أعبد الناس ؟! فإن كان الأمر كذلك ، إذا كان هناك من يؤدّي الواجبات كلّها ولا يترك شيئاً منها ، وإضافة إليها يؤدّي المستحبّات أيضاً ، فهل هو أدنى منه أم مساوٍ له في المرتبة؟ ومن هنا فقد ذهب المجلسي الأوّل رحمه الله إلى القول بأنّ هذه الأفضلية نسبية وبالمقارنة مع من يأتي بمستحبّات كثيرة ، ولكنه يترك في بعض الأحيان واجباً . وقد ورد نص عبارته كالآتي : «أي بالإضافة إلى من يفعل المستحبات الكثيرة ولا يأتي بواجب ولو كان بترك

1.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۵۸ .

  • نام منبع :
    الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
    المساعدون :
    جدیدی نجاد، محمدرضا ، المسعودی، عبدالهادی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 99680
الصفحه من 296
طباعه  ارسل الي