245
الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي

بنقل الجو الجانبي المحيط بالقضية ، ونادراً ما يأتي على وصف كُلّ الأحوال والظروف والملابسات الّتي تقع إلى جانب الكلام ، وحتّى لو أنّه أراد ذلك فمن غير الواضح أنّه يستطيع الإلمام بجميع جوانب وظروف الكلام ، ثُمَّ تغطيتها كلّها أثناء نقل الكلام . وهذا كلّه يتوقّف على النقل الصحيح والأمين للرواة اللاحقين وبقاء المتن سالماً من التصحيف والتحريف الّذي قد يقع عمداً أو سهواً ، والتقطيع غير الصحيح وغير السليم .
إحدى القرائن المقامية ، هي وضع وحال مخاطب الإمام المعصوم عليه السلام . فقد كان الأئمّة عليهم السلام يأخذون بنظر الاعتبار وضع الراوي والمخاطب عملاً بحديث : كلّم الناس على قدر عقولهم . ۱ وبناءً على ما تقتضيه فصاحتهم وبلاغتهم ، فكانوا يتفوّهون بكلامهم بما يتناسب مع مقتضى حاله . وبناءً على ذلك فإنّ الكلام الّذي يتناسب مع وضعه وحاله يختص به ، ومن يعيشون في وضعه ويشابهونه فيه ، فالحديث يتّصف بالعمومية ضمن هذه الحدود فقط ، ولا يشمل حال جميع المكلّفين ومن لا يعيشون في هذا الوضع الخاص .
وبعبارة اُخرى : حتّى لو كان حكم الإمام عاماً وشاملاً ، وحتّى إن جاء على شكل قضيّة طبيعية وحقيقية ، ويشمل كُلّ مصداق وفرد من موضوعه ويمتد حتّى إلى الأفراد الّذين سيأتون إلى الوجود في المستقبل ، ولكن إذا كان حال المخاطب ووضعه الخاص يدخل ضمن الموضوع ، وجعل فيه كشرط وقيد ، فالأفراد الآخرون في غير ذلك الوضع خارجون منه بالذات ، ولعلّ هذه الملاحظة الّتي أكّد عليها المجلسي رحمه اللهأيضاً ، تكشف عن سر اختلاف الأحاديث في مدح وذم أعمال ، مثل : المزاح والجوع والأكل والخوف والرجاء. فلعلّ مخاطب الإمام كان قليل المزاح وكان عبوساً، ولذلك

1.تذكرة الفقهاء ، للعلاّمة الحلّي ، ج ۱ ، ص ۱۵۳ ؛ نهاية الأحكام ، ج ۲ ،ص ۴۱ .


الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
244

2 . القرائن المقامية

من الاُمور الّتي تحظى بأهمية عند تقصّي القرائن ، معرفة جوّ التخاطب ومجلس الحوار . فنحن نرى وندرك هذه القرائن في زمن قول أو سماع الرواية ، ولكننا لا ندرك أهميّتها بسبب حجاب القرب والحضور ، ولكننا نواجه لاحقاً وبعد انقطاع الكلام عن الفضاء الّذي جاء فيه وانقطاع علاقته بالخارج ، نواجه مشكلة في فهم الحديث أو سوء فهم له ، وهناك أمثلة كثيرة في تاريخ الحديث يمكن أن نسوقها هنا سواء عند الشيعة أو عند أهل السُنّة ، حصل فيها سوء فهم للأحاديث ، أو أنّها بقيت غامضة وغير مفهومة المعنى لسنوات طويلة بسبب عدم نقل القرائن الحالية والمقامية أو عدم الالتفات لها ، ومنها الحديث التالي : من بشّرني بخروج آذار فله الجنّة . ولد الزنا شرّ الثلاثة . اللّهمّ استجب لسعد . أفطر الحاجم والمحجوم ، ومثلها أيضاً عشرات الأحاديث الاُخرى . ۱ هناك مثال بسيط يبيّن بكلّ وضوح تأثير قرائن مقام الحوار فيما نفهمه من الكلام . فلو فرضنا أنّنا نقرأ النصّ التالي فقط : «احزموا أمتعتكم ، واستعدوا للرحيل . فأمامكم سفر طويل . فتأهّبوا له وتزوّدوا فأمامنا عقبات كأداء وأراض موعرة . فمادامت الفرصة مؤاتية اليوم ، خذوا لهذا السفر عدّته» .
لمن هذا النصّ؟ فهل هو خطاب ألقاه أمير قافلة إلى حجاج بيت اللّه الحرام قبل سنوات خلت؟ أو هو آخر وصايا قائد عسكري لجنوده؟ أم هو مواعظ ألقاها واعظ من فوق منبر خطابة؟ فنحن نلاحظ هنا أنّ معنى السفر هنا غير واضح ، وقد يكون المراد منه سفر زيارة أو سفر جهاد أو سفر آخرة . والّذي يعيّن نوع السفر هو مقام الحوار وجوّ التخاطب . وهذه المسألة أكثر ما تقع في النقل الشفوي ، إذ إنّ ناقل الخبر قليلاً ما يهتم

1.أوردنا هذه الأمثلة في كتاب «روش فهم حديث» (منهج فهم الحديث) وشرحناها ، وبيّنّا على أساس القرائن المقامية معناها الأصلي . راجع باب : سَير فهم الحديث ، فصل : أسباب ورود الحديث .

  • نام منبع :
    الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
    المساعدون :
    جدیدی نجاد، محمدرضا ، المسعودی، عبدالهادی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 99696
الصفحه من 296
طباعه  ارسل الي