73
الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي

النَّبي صلى الله عليه و آله غلوّاً ، فضلاً عن نقل كثير من معجزات الأئمّة وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض . والآن ننقل أولاً كلامه الدالّ على ذلك ، ثمّ نعقبه بما قاله الشارح في الردّ عليه .
قال الصَدوق في كتاب الصلاة (باب أحكام السهو في الصلاة) ـ بعد نقل حديث صحيح السند دالّ على إِسهاء النَّبي صلى الله عليه و آله من اللّه عز و جل ـ : «قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله إنّ الغُلاة والمفوضة ـ لعنهم اللّه ـ ينكرون سهو النَّبي صلى الله عليه و آله ويقولون : لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ ؛ لأنّ الصلاة عليه فريضة ، كما أنّ التبليغ عليه فريضة .
وهذا لا يلزمنا ، وذلك لأنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النَّبي صلى الله عليه و آله فيها ما يقع على غيره ، وهو متعبّد بالصلاة كغيره ممّن ليس بنبي ، وليس كلّ من سواه بنبي كهو ، فالحالة الّتي اختصّ بها هي النبوة والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة ؛ لأنّها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة ، وبها تثبت له العبودية ، وبإثبات النوم له عن خدمة ربّه عز و جل من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه ، لأنّ الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو اللّه الحي القيوم ، وليس سهو النَّبي صلى الله عليه و آله كسهونا لأنّ سهوه من اللّه عز و جل ، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق فلا يتخذ ربّاً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النَّبي صلى الله عليه و آله والأئمّة ـ صلوات اللّه عليهم ـ سلطان « إِنَّمَا سُلْطَـنُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ »۱ وعلى من تبعه من الغاوين... .
وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول : أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النَّبي صلى الله عليه و آله ولو جاز أن تُرَدّ الأخبار الواردة في هذا المعنى ، لجاز أن تُرَدّ جميع الأخبار ، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة . وأنا أحتسب الأجر في تصنيف

1.النحل : ۱۰۰ .


الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
72

به ، سيّما بجهة أنّ الغُلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين» . ۱
ولا يخفى أنّ ما أشار إليه من أنّ ذلك التوسع في معنى الغلوّ كان مذهب كثير من القُدَماء سيّما القمّيين ، منهم : الشَّيخ الصَدوق واُستاذه محمّد بن الحسن بن الوليد ( وسنورد في المواضيع التالية كلام الصَدوق في ذلك ) ، ولكن نسبة ذلك التوسع إلى كثير من القُدَماء لا يخلو من التأمّل ، وسننقل عن الشارح ما يخالف كلامه . ولعلّ زعمه متابعة القمّيين ابن الوليد والصَدوق وأحمد بن محمّد بن عيسى القمّي الّذي يعتقد مثل معتقدهما أيضاً ، إذ كلّ واحد منهم كان رئيس القمّيين في وقته ولا يُستبعد متابعة القوم رئيسهم ، ولولا ذلك يكون قوله رجماً بالغيب .
ثمّ إنّ الشارح ذهب مثل سائر المتأخّرين إلى القول بأنّ معنى الغلوّ هو ما تعارف بين أصحاب الأئمّة عليهم السلام من اعتقاد الغُلاة باُلوهية الأئمّة عليهم السلام أو نبوّتهم، كما نقلنا آنفاً كلام المُفيد رحمه الله في ذلك ، إذ إنّه لا يرى نقل المعجزات عنهم عليهم السلام وعلمهم بما كان وبما يكون في مكنونات السماء والأرض غلوّاً ، فضلاً عن نفي السهو عنهم عليهم السلام ، بل اعتقد أنّ رواية هذه الاُمور تدلّ على علو حال الراوي ، وأنّه من خواصهم عليهم السلام ولا يجوِّز جرح الرواة واتّهامهم بالغلو بسبب روايتهم لمثل هذه الاُمور ، ومن فعل ذلك ـ كابن الغضائري ـ لم يكن ذا فهم لعدم معرفته الأئمّة عليهم السلام ، كما ينبغي ، وقد صرّح الشارح بذلك في مواضع عديدة من روضة المتّقين . وسنذكر نصوصه في آخر هذا الباب إن شاء اللّه ، ويأتي شيء منها في العناوين التالية .

الصَدوق وشيخه والكليني قالوا بإسهاء النّبي من اللّه تعالى

وعدنا في العنوان السابق أن ننقل كلام الصَدوق الدالّ على أنّه واُستاذه ـ محمّد بن الحسن بن الوليد ـ كانا من المتوسعين في معنى الغلوّ ، حتّى جعلا مثل نفي السهو من

1.فوائد الوحيد البهبهاني ، ص ۳۸ .

  • نام منبع :
    الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
    المساعدون :
    جدیدی نجاد، محمدرضا ، المسعودی، عبدالهادی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 102104
الصفحه من 296
طباعه  ارسل الي