101
مكاتيب الأئمّة ج4

وَطاعَتِهِ ، وَلكِنّي أُخبِرُكَ أنَّ اللّهَ حَدَّها بِحُدودِها ؛ لِئلا يتعدَّى حُدودَهُ أحَدٌ ، وَلَو كانَ الأمرُ كَما ذَكَروا لَعُذِرَ النّاسُ بِجَهلِهِم ، ما لَم يَصرِفوا حَدَّ ما حُدَّ لَهُم ، وَلَكانَ المُقَصِّرُ وَالمُتَعَدّي حُدودَ اللّهِ مَعذوراً ، ولكِن جَعَلها حُدوداً مَحدودَةً لا يَتَعدّاها إلاّ مُشرِكٌ كافِرٌ ، ثُمَّ قالَ : «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ »۱ .
خَلقِهِ فَلَم يَقبَل مِن أحَدٍ إلاّ بِهِ وَبِهِ بَعَثَ أنبِياءَهُ وَرُسُلُهُ . ثُمَّ قالَ : «وَ بِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ»۲ فَعَلَيهِ وَبِهِ بَعَثَ أنبِياءَهُ وَرُسُلُهُ وَنبِيَّهُ مُحَمّداً صلى الله عليه و آله ، فاختَلَّ الّذينَ لَم يَعرِفوا مَعرِفَةَ الرُّسُلِ وَوِلايَتَهُم وَطاعَتَهُم ، هُوَ الحَلالُ المُحَلَّلُ ما أحَلّوا وَالمُحرَّمُ ما حَرَّموا وَهُم أصلُهُ وَمِنهُم الفُروعُ الحَلالُ ، وَذلِكَ سَعيُهُم ، وَمِن فُروعِهِم أمرُهُم الحَلالُ ، وَإقامُ الصَّلاةِ ، وَإيتاءُ الزَّكاةِ ، وَصَومُ شَهرِ رَمَضانَ ، وَحِجُّ البَيتِ ، وَالعُمرَةُ ، وَتَعظيمُ حُرُماتِ اللّهِ وَشَعائِرِهِ وَمشاعِرِهِ ، وَتَعظيمُ البَيتِ الحَرامِ وَالمَسجِدِ الحَرامِ وَالشَّهرِ الحَرامِ ، وَالطُّهورِ وَالاغتِسالِ مِنَ الجَنابَةِ ، وَمَكارِمِ الأخلاقِ وَمَحاسِنِها ، وَجَميعِ البرّة.
ثُمَّ ذَكَرَ بَعدَ ذلِكَ فَقالَ في كتابِهِ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الاْءِحْسَانِ وَ إِيتَآءِ ذِى الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَ الْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ »۳ فعدّدهم المحرّم وأولياؤهم الدّخول في أمرِهِم إلى يَومِ القِيامَةِ فِيهِم الفَواحِشَ ، ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ ، وَالخَمرَ والمَيسِرَ وَالرِّبا وَالدّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ ، فَهُمُ الحَرامُ المُحَرَّمُ ، وَأصلُ كُلِّ حَرامٍ ، وَهُم الشَّرُّ وَأصلُ كُلِّ شَرٍّ ، وَمِنهُم فُروعُ الشَّرِّ كُلِّهِ ، ومِن ذلِكَ الفُروعُ الحَرامُ وَاستِحلالُهُم إيّاها ، وَمِن فُروعِهِم تَكذيبُ الأنبياءِ وَجُحودُ الأوصياءِ وَركوبُ

1.البقرة: ۲۲۹.

2.الإسراء: ۱۰۵.

3.النحل: ۹۰.


مكاتيب الأئمّة ج4
100

وَالدَّمَ وَالمِيتَةَ وَلَحَم الخِنزيرِ هُوَ رَجُلٌ.
وَذَكَروا أنَّ ما حَرَّمَ اللّهُ مِن نِكاحِ الأُمَّهاتِ وَالبَناتِ ، وَالعَمَّاتِ وَالخالاتِ ، وَبَناتِ الأخِ وَبَناتِ الأُختِ ، وَما حَرَّمَ عَلى المُؤمِنينَ مِنَ النِّساءِ . فَما حَرَّمَ اللّهُ إنَّما عَنى بِذلِكَ نِكاحَ نِساءِ النَّبيِّ وَما سِوى ذلِكَ مُباحٌ كُلُّهُ .
وَذَكَرَت أنَّهُ بَلَغَكَ أنَّهُم يَترادَفونَ المَرأةَ الواحِدَةَ ، وَيَشهِدونَ بَعضُهُم لِبَعضٍ بِالزُّورِ ، وَيَزعُمونَ أنَّ لِهذا ظَهراً وَبَطناً يَعرِفونَهُ فالظّاهِرُ يَتَناسَمونَ عَنهُ يَأخذونَ بِهِ مُدافَعَةً عَنهُم ، وَالباطِنُ هُوَ الّذي يَطلُبونَ ، وَبهِ أُمِروا بِزَعمِهِم .
وَكَتَبتَ تَذكُرُ الّذي زَعَمَ عَظيمَ مِنَ ذلِكَ عَلَيكَ حينَ بَلَغَكَ ، وكَتَبتَ تَسأُلني عَن قَولِهِم في ذلِكَ ، أحَلالٌ أم حَرَام؟ وَكَتَبتَ تَسألُني عَن تَفسيرِ ذلِكَ وَأنا أُبَيِّنُهُ حَتّى لا تَكونَ مِن ذلِكَ في عَمىً وَلا شُبهَةٍ ، وَقَد كَتَبتُ إلَيكَ في كِتابي هذا تَفسيرَ ما سَألتَ عَنهُ فَاحفَظهُ كُلَّهُ كَما قالَ اللّهُ في كتابِهِ : «وتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ اعِيَةٌ »۱ وَأصِفُهُ لَكَ بِحَلالِهِ وَأنفي عَنكَ حَرامَهُ إن شاءَ اللّهُ كما وَصَفتَ ، وَمُعَرِّفَكَهُ حَتّى تَعرِفَهُ إن شاءَ اللّهُ ، فَلا تُنكِرهُ إن شاءَ اللّهُ ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ وَالقُوَّةُ للّهِِ جَميعاً.
أُخبِرُكَ أنَّهُ مَن كانَ يَدينُ بِهذهِ الصِّفَة الّتي كَتَبتَ تَسألُني عَنها ، فَهُو عِندي مُشرِكٌ بِاللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى ، بَيِّنَ الشِّركِ لا شَكَّ فيهِ .
وأُخبِرُكَ أنَّ هذا القَولَ كانَ مِن قَومٍ سَمِعوا ما لَم يَعقلِوهُ عَن أهلِهِ ، وَلَم يُعطَوا فَهمَ ذلِكَ وَلَم يَعرِفوا حَدَّ ما سَمِعوا فَوَضَعوا حُدودَ تِلكَ الأشياءِ مُقايَسَةً بِرَأيهِم وَمُنتَهى عُقولِهِم وَلَم يَضَعوها عَلى حُدودِ ما أُمروا كَذِباً وَافتِراءً على اللّهِ وَرَسولِهِ صلى الله عليه و آله وَجُرأةً على المَعاصي ، فَكَفى بِهذا لَهُم جَهلاً . وَلَو أنَّهُم وَضَعوها على حُدودهِا الّتي حُدَّت لَهُم وَقَبلِوها ، لَم يَكُن بِهِ بَأسٌ وَلكِنَّهُم حَرَّفوها وَتَعَدَّوا وَكَذَّبوا وَتَهاوَنوا بأمِرِ اللّهِ

1.الحاقّة : ۱۲.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113557
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي