103
مكاتيب الأئمّة ج4

عَلِموا أمرَنا بِالحَقِّ على غَيرِ عِلمٍ لا يُلحقُ بِأهلِ المَعرِفَةِ في الباطِنِ على بَصيرَتِهِم ، وَلا يَضِلّوا بِتِلكَ المَعرِفَةِ المُقَصِّرَةِ إلى حَقِّ مَعرِفَةِ اللّهِ ، كَما قالَ في كتابِهِ : «وَ لاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّمَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» 1 فَمَن شَهِدَ شَهادَةَ الحَقِّ لا يَعقِدُ عَلَيهِ قَلبَهُ على بَصيرَةٍ فيهِ ، كذلِكَ مَن تَكَلَّمَ لا يَعقِدُ عَلَيهِ قَلبَهُ لا يُعاقَبُ عَلَيهِ عُقوبَةَ مَن عَقَدَ عَلَيهِ قَلبَهُ وَثَبَتَ على بَصيرَةٍ .
فَقَد عَرَفتَ كَيفَ كانَ حَالُ رِجالِ أهلِ المَعرِفَةِ فِي الظّاهِر ، وَالإقرارُ بِالحَقِّ على غَيرِ عِلمٍ في قَديمِ الدَّهرِ وَحَديثِهِ ، إلى أنِ انتَهى الأمرُ إلى نَبِيِّ اللّهِ ، وَبَعدَهُ إلى مَن صارَ وإلى مَنِ انتَهت إلَيهِ مَعرِفَتُهُم ، وإنَّما عَرَفوا بِمَعرِفَةِ أعمالِهِم وَدينِهِم الّذي دانَ اللّهَ بِهِ المُحسنُ بِإحسانِهِ وَالمُسي بِإساءَتِهِ ، وَقَد يُقالُ : إنَّهُ مَن دَخَلَ في هذا الأمرِ بِغَيرِ يَقينٍ وَلا بَصيرَةٍ خَرَجَ مِنهُ كما دَخَلَ فيهِ ، رَزَقَنا اللّهُ وَإيّاكَ مَعرِفَةً ثابِتَةً على بَصيرَةٍ .
وَأُخبِرُكَ أنّي لَو قُلتُ : إنَّ الصَّلاةَ وَالزَّكاةَ وَصَومَ شَهرِ رَمَضانَ ، وَالحَجَّ وَالعُمرَةَ ، والمَسجِدَ الحَرامَ وَالبَيتَ الحَرامَ وَالمَشعَرَ الحَرامَ ، وَالطَّهورَ وَالاغتِسالَ مِنَ الجَنابَةِ ، وَكُلَّ فَريضَةٍ كانَ ذلِكَ هُوَ النَّبِيُّ الّذي جاءَ بِهِ من عِندِ رَبّهِ لَصَدَّقتَ أنَّ ذلِكَ كُلَّهُ إنَّما يُعرَفُ بِالنَّبِيِّ وَلَولا مَعرِفَةُ ذلِكَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله وَالإيمانُ بِهِ وَالتَّسليمُ لَهُ ، ما عُرِفَ ذلِكَ ، فَذلِكَ مِن مَنِّ اللّهِ على مَن يَمُنُّ عَلَيهِ ، وَلَولا ذلِكَ لَم يُعرِف شيئاً من هذا ، فَهذا كُلُّهُ ذلِكَ النَّبِيُّ وَأصلُهُ ، وَهُوَ فَرعُهُ وَهُوَ دعاني إلَيهِ وَدَلَّني عَلَيهِ وَعَرَّفَنيهِ وَأمَرني بِهِ ، وَأوجَبَ عَلَيَّ لَهُ الطّاعَةَ فيما أمَرَني بهِ ، لا يَسَعُني جَهلُهُ ، وَكَيفَ يَسَعُني جَهلُهُ وَمَن هُوَ فيما بَيني وَبَينَ اللّهِ ؟ وَكَيفَ تَستَقيمُ لي لَولا أنّي أصِفُ أنّ ديني هُوَ الّذي أتاني بِهِ ذلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أن أصِفَ أنَّ الدِّينَ غَيرُهُ ؟ وَكَيفَ لا يَكونُ ذلِكَ مَعرِفَةَ الرَّجُلِ وَإنّما هُوَ الّذي جاءَ بِهِ عَنِ اللّهِ ، وَإنَّما أنكَرَ الّذي مَن أنكَرَهُ بِأن قالو : «أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا

1.الزخرف: ۸۶.


مكاتيب الأئمّة ج4
102

الفَواحِشِ ، الزِّنا وَالسَّرِقَةِ وَشُربِ الخَمرِ وَالنُّكرِ وَأكلِ مالِ اليَتيمِ ، وَأكلِ الرِّبا وَالخُدعَةِ والخِيانَةِ ، وَرُكوبِ الحَرامِ كُلِّها وَانتِهاكِ المَعاصي.
وَإنّما أمرُ اللّهِ بِالعَدلِ وَالإحسانِ وَإيتاءِ ذي القُربى ، يَعني مَوَدّةَ ذي القُربى وَابتِغاءِ طاعَتِهِم ، وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكرِ وَالبَغي ، وَهُم أعداءُ الأنبياءِ وَأوصِياءُ الأنبياءِ ، وَهُم البَغيُ مِن مَودَّتِهِم ، فَطاعَتُهُم يَعظِكم بِهذِهِ لَعَلَّكُم تَذَكّرونَ .
وَأُخبِرُكَ أنّي لَو قُلتُ لَكَ : إنَّ الفاحِشَةَ وَالخَمَر وَالمَيسِرَ وَالزِّنا وَالمِيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ هُوَ رَجُلٌ ، وَأنتَ أعلَمُ أنَّ اللّهَ قَد حَرَّمَ هذا الأصلَ وَحَرَّمَ فَرعَهُ ، وَنَهى عَنهُ وَجَعَلَ وِلايَتَهُ كَمَن عَبَدَ مِن دونِ اللّهِ وَثَناً وَشِركاً ، وَمَن دَعا إلى عِبادَةِ نَفسِهِ فَهُوَ كَفِرَعونَ إذ قالَ : «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى »۱ ، فَهذا كُلُّهُ على وَجهٍ ، إن شِئتَ قُلتَ هُوَ رَجُلٌ وَهوَ إلى جَهَنَّمَ وَمَن شايَعَهُ على ذلِكَ فافهَم ، مِثلَ قَولِ اللّهِ : « إِنَّمَاحَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ»۲ وَلَصَدَقتَ ، ثُمَّ لَو إنّي قُلتُ إنَّهُ فُلانٌ ذلِكَ كُلُّهُ لَصَدَقتَ أنَّ فُلاناً هُوَ المَعبودُ المُتَعدّي حُدودَ اللّهِ الّتي نَهى عَنها أن يَتَعَدّى .
ثمّ إنّي أُخبِرُكَ أنَّ الدِّينَ وَأصلَ الدّينِ هُوَ رَجُلٌ ، وَذلِكَ الرَّجُلُ هُوَ اليَقينُ وَهُوَ الإيمانُ وَهُوَ إمامُ أُمَّتِهِ وَأهلِ زَمانِهِ فَمَن عَرَفَهُ عَرَفَ اللّهَ ، وَمَن أنكَرَهُ أنكَرَ اللّهَ وَدينَهُ ، وَمَن جَهِلَهُ جَهِلَ اللّهَ وَدينَهُ وَحُدودَهُ وَشَرايِعَهُ بِغَيرِ ذلِكَ الإمامِ ، كذلِكَ جَرى بِأنَّ مَعرِفَةَ الرِّجالِ دِينُ اللّهِ ، وَالمَعرِفَةُ على وَجهِهِ مَعرِفَةٌ ثابِتَةٌ على بَصيرَةٍ يُعرَفُ بِها دينُ اللّهِ ، وَيُوصَلُ بِها إلى مَعرِفَةِ اللّهِ ، فَهذِهِ المَعرِفَةُ الباطِنَةُ الثّابِتَةُ بِعَينِها ، المُوجِبَةُ حَقَّها ، المُستَوجِبُ أهلُها عَلَيها الشُّكرَ للّهِِ ، الّتي مَنَّ عَلَيهِم بِها مِن مَنِّ اللّهِ ، يَمُنُّ بِهِ على مَن يَشاءُ مَعَ مَعرِفَةِ الظّاهِرَةِ ، وَمَعرِفَةٍ في الظّاهِرَةِ ، فَأهلُ المَعرِفَةِ في الظّاهِرِ الذّينَ

1.النازعات: ۲۴.

2.البقرة: ۱۷۳.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113362
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي