عَلِموا أمرَنا بِالحَقِّ على غَيرِ عِلمٍ لا يُلحقُ بِأهلِ المَعرِفَةِ في الباطِنِ على بَصيرَتِهِم ، وَلا يَضِلّوا بِتِلكَ المَعرِفَةِ المُقَصِّرَةِ إلى حَقِّ مَعرِفَةِ اللّهِ ، كَما قالَ في كتابِهِ : «وَ لاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّمَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» 1 فَمَن شَهِدَ شَهادَةَ الحَقِّ لا يَعقِدُ عَلَيهِ قَلبَهُ على بَصيرَةٍ فيهِ ، كذلِكَ مَن تَكَلَّمَ لا يَعقِدُ عَلَيهِ قَلبَهُ لا يُعاقَبُ عَلَيهِ عُقوبَةَ مَن عَقَدَ عَلَيهِ قَلبَهُ وَثَبَتَ على بَصيرَةٍ .
فَقَد عَرَفتَ كَيفَ كانَ حَالُ رِجالِ أهلِ المَعرِفَةِ فِي الظّاهِر ، وَالإقرارُ بِالحَقِّ على غَيرِ عِلمٍ في قَديمِ الدَّهرِ وَحَديثِهِ ، إلى أنِ انتَهى الأمرُ إلى نَبِيِّ اللّهِ ، وَبَعدَهُ إلى مَن صارَ وإلى مَنِ انتَهت إلَيهِ مَعرِفَتُهُم ، وإنَّما عَرَفوا بِمَعرِفَةِ أعمالِهِم وَدينِهِم الّذي دانَ اللّهَ بِهِ المُحسنُ بِإحسانِهِ وَالمُسي بِإساءَتِهِ ، وَقَد يُقالُ : إنَّهُ مَن دَخَلَ في هذا الأمرِ بِغَيرِ يَقينٍ وَلا بَصيرَةٍ خَرَجَ مِنهُ كما دَخَلَ فيهِ ، رَزَقَنا اللّهُ وَإيّاكَ مَعرِفَةً ثابِتَةً على بَصيرَةٍ .
وَأُخبِرُكَ أنّي لَو قُلتُ : إنَّ الصَّلاةَ وَالزَّكاةَ وَصَومَ شَهرِ رَمَضانَ ، وَالحَجَّ وَالعُمرَةَ ، والمَسجِدَ الحَرامَ وَالبَيتَ الحَرامَ وَالمَشعَرَ الحَرامَ ، وَالطَّهورَ وَالاغتِسالَ مِنَ الجَنابَةِ ، وَكُلَّ فَريضَةٍ كانَ ذلِكَ هُوَ النَّبِيُّ الّذي جاءَ بِهِ من عِندِ رَبّهِ لَصَدَّقتَ أنَّ ذلِكَ كُلَّهُ إنَّما يُعرَفُ بِالنَّبِيِّ وَلَولا مَعرِفَةُ ذلِكَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله وَالإيمانُ بِهِ وَالتَّسليمُ لَهُ ، ما عُرِفَ ذلِكَ ، فَذلِكَ مِن مَنِّ اللّهِ على مَن يَمُنُّ عَلَيهِ ، وَلَولا ذلِكَ لَم يُعرِف شيئاً من هذا ، فَهذا كُلُّهُ ذلِكَ النَّبِيُّ وَأصلُهُ ، وَهُوَ فَرعُهُ وَهُوَ دعاني إلَيهِ وَدَلَّني عَلَيهِ وَعَرَّفَنيهِ وَأمَرني بِهِ ، وَأوجَبَ عَلَيَّ لَهُ الطّاعَةَ فيما أمَرَني بهِ ، لا يَسَعُني جَهلُهُ ، وَكَيفَ يَسَعُني جَهلُهُ وَمَن هُوَ فيما بَيني وَبَينَ اللّهِ ؟ وَكَيفَ تَستَقيمُ لي لَولا أنّي أصِفُ أنّ ديني هُوَ الّذي أتاني بِهِ ذلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أن أصِفَ أنَّ الدِّينَ غَيرُهُ ؟ وَكَيفَ لا يَكونُ ذلِكَ مَعرِفَةَ الرَّجُلِ وَإنّما هُوَ الّذي جاءَ بِهِ عَنِ اللّهِ ، وَإنَّما أنكَرَ الّذي مَن أنكَرَهُ بِأن قالو : «أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا