105
مكاتيب الأئمّة ج4

تَحريمُ الباطِنِ وَاستِحلالُ الظّاهِرُ ، وَإنَّما حَرَّمَ الظّاهِرَ بِالباطِنِ وَالباطِنَ بِالظّاهِرِ مَعاً جَميعاً ، وَلا يَكونُ الأصلُ وَالفُروعُ وَباطِنُ الحَرامِ حرامٌ وظاهِرُهُ حَلالٌ ، وَلا يَحرُمُ الباطِنُ وَيَستَحيلُ الظّاهِرُ ، وَكذلِكَ لا يَستَقيم إلاّ يَعرِفَ صلاةَ الباطِنِ وَلا يَعرفَ صَلاةَ الظّاهِرِ ، وَلا الزَّكاةَ وَلا الصَّومَ ، وَلا الحَجَّ وَلا العُمرَةَ وَالمَسجِدَ الحَرامَ ، وَجَميعَ حُرُماتِ اللّهِ وشعائِرِهِ ، وَإن تَرَكَ مَعرِفَةَ الباطِنِ لِأنَّ باطِنَهُ ظَهرُهُ ، وَلا يَستَقيمُ إنَّ تَركَ واحِدَةً مِنها إذا كانَ الباطِنُ حَرَاماً خَبيثاً ، فالظّاهِرُ مِنهُ إنَّما يُشبِهَ الباطِنَ بالِظّاهِرِ فَمَن زَعَمَ أنّ ذلِكَ إنّما هِيَ المَعرِفَةُ ، إنَّهُ إذا عَرَفَ اكتَفى بِغَير طاعَةٍ ، فَقَد كَذّبَ وَأشرَكَ ، ذاكَ لَم يَعرِف وَلَم يُطِع ، وَإنَّما قيل : اعرِف وَاعمَل ما شِئتَ مِنَ الخَير ؛ فَإنَّهُ لا يُقبَلُ ذلِكَ مِنكَ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ فَإذا عَرَفتَ فَأعمَل لِنَفسِكَ ما شِئتَ مِنَ الطّاعَةِ ، قَلَّ أو كَثُر ، فَإنَّهُ مَقبولٌ مِنكَ.
أُخبِرُكَ أنَّ مَن عَرَفَ أطاعَ إذا عَرَفَ ، وَصَلَّى وَصامَ وَاعتَمَرَ ، وَعَظَّمَ حُرُماتِ اللّهِ كُلِّها ، وَلَم يَدَع مِنها شَيئاً ، وَعَمَلَ بِالبِرِّ كُلِّهِ وَمَكارِم الأخلاقِ كُلِّها ، وَيَجتَنِبُ سَيِّئها ، وَكُلُّ ذلِكَ هُوَ النّبيُّ صلى الله عليه و آله وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أصلُهُ ، وَهُوَ أصلُ هذا كُلِّهِ ؛ لِأنَّهُ جاءَ وَدَلّ عَلَيهِ وَأمَرَ بهِ ، وَلا يَقبَلُ مِن أحَدٍ شَيئاً مِنهُ إلاّ بِهِ ، وَمَن عَرَفَ اجتَنَبَ الكَبائِرَ وَحَرَّمَ الفَواحِشَ ، ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَحَرَّمَ المحارِمَ كُلَّها ؛ لِأنَّ بِمَعرِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَبِطاعَتِهِ دَخَلَ فيما دَخَلَ فيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وَخَرَجَ مِمّا خَرَجَ مِنهُ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله ، مَن زَعَمَ أنَّهُ يَملِكُ الحَلالَ وَيُحَرِّمُ الحَرامَ بِغَيرِ مَعرِفُةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، لَم يُحَلِّل اللّهُ حَلالاً وَلَم يُحَرِّم لَهُ حَراماً ، وَأنّهُ مَن صَلَّى وَزَكَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ ، فَعَلَ ذلِكَ كُلَّهُ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ مَن اِفتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ طاعَتَهُ لَم يَقبَل مِنهُ شَيئاً مِن ذلِكَ ، وَلَم يُصَلِّ وَلَم يَصُم وَلَم يُزَكِّ وَلَم يَحُجَّ وَلَم يَعتَمِرَ وَلَم يَغتَسِلَ مِنَ الجَنابَةِ ، وَلَم يَتَطّهَر ، وَلَم يُحَرِّمِ اللّهُ حَراماً وَلَم يُحَلِلِّ اللّهُ حَلالاً ، لَيسَ لَهُ صَلاةٌ وإن رَكَعَ وَسَجَدَ ، وَلا لَهُ زَكاةٌ وإن أخرَجَ لِكُلِّ أربَعينَ دِرهَماً وَمَن عَرَفهُ وَأخَذَ عَنهُ أطاعَ اللّهَ .


مكاتيب الأئمّة ج4
104

رَّسُولاً » 1 ثُمَّ قالوا : «أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا» 2 فَكَفَروا بِذلِكَ الرَّجُلِ وَكَذَّبوا بِهِ وَقالوا : «لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ» 34 فقالَ : «قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتابَ الَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدىً لِّلنَّاسِ» 5 ثُمَّ قالَ في آيةٍ اُخرى : «وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِىَ الْأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَّجَعَلْناهُ رَجُلاً» 6 تبارك اللّه تعالى ، إنّما أحَبَّ أن يُعرَفَ بِالرّجالِ ، وَأن يُطاعَ بِطاعَتِهِم ، فَجَعَلَهُم سَبيلَهُ وَوَجهَهُ الّذي يُؤتى مِنهُ ، لا يَقبَلُ اللّهُ مِنَ العِبادَ غَيرَ ذلِكَ ، لا يُسألُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسألونَ ، فَقالَ فيمَن أوجَبَ مِن مَحَبَّتِهِ لذلِكَ : «من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » 7 .
فَمَن قالَ لَكَ : إنَّ هذهِ الفَريضَةَ كُلَّها إنَّما هِيَ رَجُلٌ ، وَهُوَ يَعرِفُ حَدَّ ما يَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَد صدَقَ وَمَن قالَ : على الصِّفَةِ الّتي ذَكَرتَ بِغَيرِ الطّاعَةِ لا يَعني التَّمَسُّكَ في الأصلِ بِتَركِ الفُروعِ ، لا يَعني بِشهادَةِ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَبِتَركِ شَهادَةِ أنَّ مُحَمَّداً رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَلَم يَبعَث اللّهُ نبيّاً قَطُّ إلاّ بِالبِرِّ وَالعَدلِ وَالمَكارِمِ وَمَحاسِنِ الأعمالِ وَالنَّهي عَنِ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، فَالباطِنِ ، مِنهُ وِلايَةُ أهلِ الباطِنِ ، وَالظّاهِرُ مِنهُ فُروعُهُم ، وَلَم يَبعَثِ اللّهُ نَبِيّاً قَطُّ يَدعو إلى مَعرِفَةٍ لَيسَ مَعَها طاعَةٌ في أمرٍ وَنَهيٍ ، فَإنَّما يَقبَلُ اللّهَ مِنَ العِبادِ العَمَلَ بِالفَرايِضِ الّتي افتَرَضَها اللّهُ عَلى حُدودِها مَعَ مَعرِفَةِ مَن جاءَهُم مِن عِندِهِ وَدعاهُم إلَيهِ ، فَأوَّلُ مِن ذلِكَ مَعرِفَةُ مَن دَعا إلَيهِ ، ثُمَّ طاعَتُهُ فيما يُقِرُّ بِهِ بِمَن لا طاعَةَ لَهُ وَإنَّهُ مَن عَرَفَ أطاعَ ، حَرَّمَ الحَرامَ ظاهِرَهُ وَباطِنَهُ ، وَلا يَكونُ

1.الإسراء: ۹۴.

2.التغابن: ۶.

3.الأنعام:۸.

4.وفي آية اُخرى: «لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ » (الفرقان:۷).

5.الأنعام: ۹۱.

6.الأنعام: ۸ و۹.

7.النساء: ۸۰.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113204
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي