تَحريمُ الباطِنِ وَاستِحلالُ الظّاهِرُ ، وَإنَّما حَرَّمَ الظّاهِرَ بِالباطِنِ وَالباطِنَ بِالظّاهِرِ مَعاً جَميعاً ، وَلا يَكونُ الأصلُ وَالفُروعُ وَباطِنُ الحَرامِ حرامٌ وظاهِرُهُ حَلالٌ ، وَلا يَحرُمُ الباطِنُ وَيَستَحيلُ الظّاهِرُ ، وَكذلِكَ لا يَستَقيم إلاّ يَعرِفَ صلاةَ الباطِنِ وَلا يَعرفَ صَلاةَ الظّاهِرِ ، وَلا الزَّكاةَ وَلا الصَّومَ ، وَلا الحَجَّ وَلا العُمرَةَ وَالمَسجِدَ الحَرامَ ، وَجَميعَ حُرُماتِ اللّهِ وشعائِرِهِ ، وَإن تَرَكَ مَعرِفَةَ الباطِنِ لِأنَّ باطِنَهُ ظَهرُهُ ، وَلا يَستَقيمُ إنَّ تَركَ واحِدَةً مِنها إذا كانَ الباطِنُ حَرَاماً خَبيثاً ، فالظّاهِرُ مِنهُ إنَّما يُشبِهَ الباطِنَ بالِظّاهِرِ فَمَن زَعَمَ أنّ ذلِكَ إنّما هِيَ المَعرِفَةُ ، إنَّهُ إذا عَرَفَ اكتَفى بِغَير طاعَةٍ ، فَقَد كَذّبَ وَأشرَكَ ، ذاكَ لَم يَعرِف وَلَم يُطِع ، وَإنَّما قيل : اعرِف وَاعمَل ما شِئتَ مِنَ الخَير ؛ فَإنَّهُ لا يُقبَلُ ذلِكَ مِنكَ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ فَإذا عَرَفتَ فَأعمَل لِنَفسِكَ ما شِئتَ مِنَ الطّاعَةِ ، قَلَّ أو كَثُر ، فَإنَّهُ مَقبولٌ مِنكَ.
أُخبِرُكَ أنَّ مَن عَرَفَ أطاعَ إذا عَرَفَ ، وَصَلَّى وَصامَ وَاعتَمَرَ ، وَعَظَّمَ حُرُماتِ اللّهِ كُلِّها ، وَلَم يَدَع مِنها شَيئاً ، وَعَمَلَ بِالبِرِّ كُلِّهِ وَمَكارِم الأخلاقِ كُلِّها ، وَيَجتَنِبُ سَيِّئها ، وَكُلُّ ذلِكَ هُوَ النّبيُّ صلى الله عليه و آله وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أصلُهُ ، وَهُوَ أصلُ هذا كُلِّهِ ؛ لِأنَّهُ جاءَ وَدَلّ عَلَيهِ وَأمَرَ بهِ ، وَلا يَقبَلُ مِن أحَدٍ شَيئاً مِنهُ إلاّ بِهِ ، وَمَن عَرَفَ اجتَنَبَ الكَبائِرَ وَحَرَّمَ الفَواحِشَ ، ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَحَرَّمَ المحارِمَ كُلَّها ؛ لِأنَّ بِمَعرِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَبِطاعَتِهِ دَخَلَ فيما دَخَلَ فيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وَخَرَجَ مِمّا خَرَجَ مِنهُ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله ، مَن زَعَمَ أنَّهُ يَملِكُ الحَلالَ وَيُحَرِّمُ الحَرامَ بِغَيرِ مَعرِفُةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، لَم يُحَلِّل اللّهُ حَلالاً وَلَم يُحَرِّم لَهُ حَراماً ، وَأنّهُ مَن صَلَّى وَزَكَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ ، فَعَلَ ذلِكَ كُلَّهُ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ مَن اِفتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ طاعَتَهُ لَم يَقبَل مِنهُ شَيئاً مِن ذلِكَ ، وَلَم يُصَلِّ وَلَم يَصُم وَلَم يُزَكِّ وَلَم يَحُجَّ وَلَم يَعتَمِرَ وَلَم يَغتَسِلَ مِنَ الجَنابَةِ ، وَلَم يَتَطّهَر ، وَلَم يُحَرِّمِ اللّهُ حَراماً وَلَم يُحَلِلِّ اللّهُ حَلالاً ، لَيسَ لَهُ صَلاةٌ وإن رَكَعَ وَسَجَدَ ، وَلا لَهُ زَكاةٌ وإن أخرَجَ لِكُلِّ أربَعينَ دِرهَماً وَمَن عَرَفهُ وَأخَذَ عَنهُ أطاعَ اللّهَ .