109
مكاتيب الأئمّة ج4

وَما أرادوا بِهِ . أُخبِرُكَ أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى هُوَ خَلَقَ الخَلقَ لا شريكَ لَهُ ، لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ ، وَالدُّنيا وَالآخِرَةُ ، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ وَخالِقُهُ ، خَلَقَ الخَلقَ وَأحَبَّ أنْ يَعرِفوهُ بِأنبِيائِهِ ، وَاحتَجَّ عَلَيهم بِهِم ، فالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله هُوَ الدَّليلُ عَلى اللّهِ ، عَبدٌ مَخلوقٌ مَربوبٌ اصطفاهُ نَفسُهُ رِسالَتَهُ وَأكرَمَهُ بِها فَجُعِلَ خَليفَتَهُ في خَلقِهِ وَلِسانَهُ فيهِم وَأمينَهُ عَلَيهِم وَخازِنَهُ في السَّمواتِ وَالأرضينَ ، قَولُهُ قَولُ اللّهِ لا يَقولُ على اللّهِ إلاّ الحَقَّ ، مَن أطاعَهُ أطاعَ اللّهَ ، وَمَن عصاهُ عَصى اللّهَ ، وَهُوَ مَولى مَن كانَ اللّهُ رَبَّهُ وَوَلِيّهُ ، مَن أبى أن يُقِرَّ لَهُ بِالطّاعَةِ فَقَد أبى أن يُقِرَّ لِرَبِّهِ بِالطّاعَةِ وَبِالعُبوديَةِ ، وَمَن أقَرَّ بِطاعَتِهِ أطاعَ اللّهَ وَهَداهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، مَولى الخَلقِ جَميعاً عَرَفوا ذلِكَ وَأنكروهُ ، وَهُوَ الوالِدُ المَبرورُ فيمَن أحَبَّهُ وَأطاعَهُ وَهُوَ الوالِدُ البارُّ وَمُجانِبُ الكبائِرِ .
قَد كَتَبتُ لَكَ ما سَألتَني عَنهُ ، وَقَد عَلِمتُ أنَّ قوماً سَمِعوا صَنعَتَنا هذهِ فَلَم يَقولوا بِها ، بَل حَرَّفوها وَوَضعوها على غَيرِ حُدودِها على نَحوِما قَد بَلغَكَ ، وَاحذَر مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ وَمَن يَتَعَصَّبونَ بِنا أعمالَهُم الخَبيثَةَ ، وَقَد رَمانا النّاسُ بِها ، وَاللّهُ يَحكُمُ بَينَنا وَبَينَهُم فَإنَّهُ يَقولُ : «الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ »۱ .
وَأمّا ما كَتَبتَ وَنَحوَهُ وَتَخَوَّفتَ أن يَكونَ صِفَتُهم مِن صِفَة فَقَد أكرَمَهُ اللّهُ تَعالى عز و جلعَمّا يَقولونَ عُلُواً كَبيراً . صِفَتي هذهِ صِفَةُ صاحِبِنا الّتي وَصَفنا لَهُ ، وَعندَنا أخذنا فَجَزاهُ اللّهُ عَنّا أفضَلَ الحَقِّ ، فَإنَّ جَزاءَهُ عَلى اللّهِ فَتَفَهَّم كِتابي هذا وَاتّقوه للّهِِ . ۲

1.النور:۲۳ ـ ۲۵.

2.بصائر الدرجات : ص۵۲۶ ح۱ ، بحار الأنوار: ج۲۴ ص۲۸۶ ح۱ نقلاً عنه وراجع : دعائم الإسلام : ج۱ ص۵۱ .


مكاتيب الأئمّة ج4
108

بَعدِ الصَّلاةِ ، فَيُقسِمانِ بِاللّهِ إن ارتَبتُم لا نَشتَري بِهِ ثَمَناً قَليلاً ، وَلَو كانَ ذا قُربى ، وَلا نَكتُمُ شَهادَةَ اللّهِ ، إنّا إذاً لَمِنَ الآثِمينَ ، فإن عَثَرَ عَلى أنَّهُما استَحَقّا إثماً فَآخَرانِ يَقومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذي استَحَقَّ عَلَيهِم الأُولَيانِ مِن أهلِ وِلايَتِهِ فَيُقسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أحقُّ مِن شَهادَتِهِما وَما اعَتدَينا ، إنّا إذاً لَمِنَ الظّالِمينَ ، ذلِكَ أدنى بِالشَّهادَةِ على وَجهِها ، أو تَخافوا أن تَرُدَّ إيماناً بَعدَ إيمانِهِم وَاتَّقوا اللّهَ واسمَعوا ۱ ، وَكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقضي بِشهادَةِ رَجُلٍ واحِدٍ مَعَ يَمينِ المُدَّعي ، ولا يُبطِلُ حَقَّ مُسلِمٍ وَلا يَرُدُّ شَهادَةَ مُونٍ ، فإذا أخَذَ يَمينَ المُدَّعي وَشهادَةَ الرَّجُلِ قَضى لَهُ بِحَقِّهِ ، وَلَيسَ يَعمَلُ بِهذا ، فَإذا كانَ لِرَجُلٍ مُسلمٍ قَبلَ آخَرَ حَقٌّ يَجحَدُهُ وَلَم يَكُن شاهِدٌ غَيرَ وَاحِدٍ ، فَإنَّهُ إذا رَفَعَهُ إلى وِلايَةِ الجَورِ أبطَلوا حَقّهُ وَلَم يَقضوا فيها بِقَضاءِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، كانَ الحَقُّ في الجَورِ أن لا يُبطِلَ حَقَّ رَجُلٍ فَيَستَخرِجَ اللّهُ عَلى يَدَيهِ حَقَّ رَجُلٍ مُسلمٍ ويُؤجرَهُ اللّهُ وَيَجي عَدلاً ، كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَعمَلُ بِهِ .
وَأمّا ما ذَكَرتَ في آخِرِ كتابِكَ أنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ اللّهَ رَبُّ العالَمينَ هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وَأنَّكَ شَبَّهتَ قَولَهُم بِقَولِ الّذينَ قالوا في عَلِيٍّ ما قالوا فَقَد عَرَفتَ أنّ السُّنَنَ وَالأمثالَ كايِنَةُ لَم يَكُن شَيءٌ فيما مَضى إلاّ سَيَكونُ مِثلُهُ حَتّى لَو كانَت شاةٌ بِشاةٍ وَكان هاهُنا مِثلُهُ .
وَاعلَم أنَّهُ سَيَضِلُّ قَومٌ بِضَلالَةِ مَن كانَ قَبلَهُم فَكَتبتَ تَسألُني عَن مِثلِ ذلِكَ ما هُوَ

1.إشارة إلى قوله تعالى : « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَـدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ فَأَصَـبَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَوةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَاقُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَـدَةَ اللَّهِ إِنَّـآ إِذًا لَّمِنَ الْأَثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّآ إِثْمًا فَئاخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَـنِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَـدَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَـدَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَآ إِنَّـآ إِذًا لَّمِنَ الظَّــلِمِينَ * ذَ لِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَـدَةِ عَلَى وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَـنٌ بَعْدَ أَيْمَـنِهِمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـسِقِينَ » ( المائدة : ۱۰۶ ـ ۱۰۸ ) .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 94223
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي