11
مكاتيب الأئمّة ج4

وسائل متعدّدة لبلوغ الغاية المنشودة ، وهذا ما فعله الإمام الصّادق عليه السلام ، واهتمّ به غاية الاهتمام، حتّى أنّ أحد الأسرار الكامنة وراء نشر المعارف والأحكام كان اهتمامه بالكتابة وتوظيفها في سبيل هذه الغاية على أحسن وجه. والاهتمام بأمر الكتابة لا يختص به وحده، بل إنّ أوّل من كتب كتاباً في الإسلام ـ كما ذكر ابن شهر آشوب ـ هو عليُّ بن أبي طالب عليه السلام ، ومن بعده سلمان الفارسي وأبو ذر. وقال السُّيوطي في هذا المجال:
وروى السيوطي : إنّ عليّا والحسن بن عليّ ممّن أباحوا كتابة العلم بين الصحابة وفعلوها. ۱
واستمرت الكتابة قليلاً أو كثيراً ، إلى أن جاء عهد الإمام الصادق عليه السلام ، الذي كان عصر ازدهار المعارف والأحكام الدينية، واستجدّت ظروف منحت الكتابة قيمة وأهمية أكبر، ومن تلك المستجدّات كثرة طلبة العلوم في بقاع شتّى من أرجاء العالم الإسلامي ، إضافة إلى بُعدهم الجغرافي عن الإمام وتعذّر وصولهم إليه.
قال الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل في وصف أهمية الكتابة: تأمّل ـ يامُفَضّلُ ـ ما أنعَمَ اللّهُ تقدّسَت أسماؤهُ مِن هذا النُّطقِ الذي يُعبِّرُ بهِ عَمّا في ضَميرِهِ ـ إلى أن قال ـ وكذلك الكتابَةُ التي بها تُقَيَّدُ أخبارُ الماضِينَ للباقينَ ، وَأخبارُ الباقينَ لِلآتينَ ، وَبِها تُخَلَّدُ الكُتُبُ في العُلومِ وَالآدابِ وَغيرِها وَبِها يَحفَظُ الإنسانُ ذِكرَ ما يَجري بَينَهُ وَبَينَ غَيرِهِ مِنَ المُعاملاتِ وَالحِسابِ، وَلَولاهُ لانقَطَعَ أخبارُ بَعضِ الأزمِنَةِ عَن بَعضٍ ، وَأخبارُ الغائِبينَ عَن أوطانِهِم وَدَرَسَت العُلومُ وَضاعَت الآدابُ وَعَظُمَ ما يَدخُلُ عَلى الناسِ مِنَ الخَلَلِ في اُمورِهِم وَمُعامَلاتِهِمَ وَما يَحتاجونَ إلى النَّظَرِ فيهِ مِن أمرِ دينِهِم وَما رُوِيَ لَهُم مِمّا لا يَسَعُهُم جَهلُهُ۲.
وبما أنّ هذا الكتاب يدور حول ما كتبه الصادق عليه السلام من مكاتيب في مختلف الأغراض والمناسبات ، ولا يخفى أنّ فعله عليه السلام حجّة علينا ، فما أجدرنا بالسّير على

1.الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، عبد الحليم الجندي: ص ۲۰۰ .

2.توحيد المفضّل : ص ۳۹؛ بحار الأنوار : ج ۳ ص ۸۱ وج ۶۱ ص ۲۵۷.


مكاتيب الأئمّة ج4
10

وما يخدم مصالحهم، حتّى التبس سليم الحديث بسقيمه واستعصى ـ حتّى على العلماء ـ التمييز بين الحديث الصحيح والحديث الموضوع. واستشرى هناك الفساد، حتى غدت مدينة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين عام 65 ـ 80 هـ . بؤرة تعجُّ بالمغنّين .
ويمكن القول بأنّه في المدّة بين سنة 40 للهجرة وحتّى نهاية القرن الأوّل كانت هناك ثلّة قليلة من الصّحابة والتابعين قد حفظت وصانت وحملت معارف وفقه آل محمّد صلى الله عليه و آله .
وفي عهد الإمام الباقر عليه السلام شهدت الأوضاع انفراجاً ملحوظاً، وأمّا عهد إمامة الإمام الصادق عليه السلام ؛ أي من عام 114 ـ 148هـ فقد كان عصر انتشار معارف وفقه آل محمّد صلى الله عليه و آله ، وعصر التعليم والتدريس حيث ظهرت المدينة المنورة عند ذاك بوجه آخر غير الذي كانت عليه من قبل .
منذ عام 83 هـ ( وهي السنة التي ولد فيها الإمام الصادق عليه السلام ) وحتّى عام 148 هـ (وهي سنة استشهاده) تناوبَ على خلافة المسلمين اثنا عشر خليفة من المروانيين والعباسيّين، وكانت مدّة حكم كلّ واحد منهم قصيرة ـ عدا عبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك اللّذان حكم كلُّ واحد منهما عشرين سنة ـ ومن الطبيعي أنّ انتقال السلطة من حاكم إلى آخر كان يتمخّض عنه اضطراب في الأوضاع السياسية والاجتماعية ، خاصّة وأنّ العقدين الأخيرين من حياة الإمام عليه السلام شهدا انتقال السلطة من سلالة إلى اخرى، واقترن هذا الانتقال بحالة من الفوضى والمذابح .
إنّ الضعف الذي أصاب الحكم المرواني وانتهى به إلى السقوط ، وفّر انفتاحاً في الحريات السياسية، ومهّد السبيل أمام اندلاع الثورات الدينية في بقاع متعدّدة من العالم الإسلامي ضدّ الحكّام ، وفسَحَ المجال أمام اتّساع البحوث العلمية والتدريس في مختلف الفروع .
وكان لابدّ في مثل ذلك الظرف الحسّاس من اقتحام الميدان بكلّ قوّة ، واعتماد

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 112548
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي