113
مكاتيب الأئمّة ج4

يَبتَليكُم بِما ابتَلاهُم بِهِ ، وَلا قُوَّةَ لَنا وَلكُم إلاّ بِهِ .
فاتّقوا اللّهَ أيَّتُها العِصابَةُ النّاجِيَةُ إن أتَمَّ اللّهُ لَكُم ما أعطاكُم بِهِ ؛ فإنَّهُ لا يَتِمُّ الأمرُ حَتّى يَدخُلَ عَلَيكُم مِثلُ الّذي دَخَلَ عَلى الصَّالِحينَ قَبلَكُم وَحَتّى تَبتَلوا في أنفُسِكُم وَأموالِكُم وَحَتّى تَسمَعوا مِن أعداءِ اللّهِ أذىً كثيراً ، فَتَصبروا وَتَعرُكوا بِجُنوبِكُم ، وَحَتّى يَستَذِلّوكُم وَيُبغِضوكُم ، وَحَتّى يَحمِلوا عَلَيكُم الضَّيمَ فَتَحمَّلوا مِنهُم تَلتَمِسونَ بِذلِكَ وَجهَ اللّهِ وَالدّارَ الآخِرَةَ ، وَحَتّى تَكظُموا الغَيظَ الشَّديدَ فِي الأذى فِي اللّهِ عز و جليَجتَرِمونَهُ إلَيكُم ، وَحَتّى يُكَذِّبوكُمُ بِالحَقِّ وَيُعادوكُم فيهِ وَيُبغِضوكُم عَلَيهِ ، فَتَصبروا على ذلِكَ مِنهُم ، وَمِصداقُ ذلِكَ كُلِّهِ في كتابِ اللّهِ الذي أنزَلَهُ جَبرئيلُ عليه السلام على نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ، سَمِعتُم قولَ اللّهِ عز و جل لِنَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ» . ۱
ثُمَّ قالَ : «وَ إِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا»۲ فَقَد كُذِّبَ نَبِيُّ اللّهِ وَالرُّسُلُ مِن قَبلِهِ وَأُوذوا مَعَ التَّكذيبِ بِالحَقِّ ، فإن سَرَّكُم أمرُ اللّهِ فِيهِم الّذي خَلَقَهُم لَهُ في الأصلِ [أصل الخلق] مِنَ الكُفرِ الّذي سَبَقَ في عِلمِ اللّهِ أن يَخلُقَهُم لَهُ في الأصلِ ، وَمِنَ الّذينَ سَماهُم اللّهُ في كِتابِهِ في قَوله : « وَ جَعَلْنَـهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ »۳ ، فَتَدَّبروا هذا وَاعقِلوهُ وَلا تَجهَلوهُ ؛ فإنَّهُ مَن يَجهَل هذا وأشباهَهُ مِمّا افتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ في كتابِهِ مِمّا أمَرَ اللّهُ بهِ وَنَهى عَنهُ تَرَكَ دينَ اللّهِ وَرَكِبَ مَعاصيهِ ، فاستَوجَبَ سَخَطَ اللّهِ فأكبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ في النّارِ.
وَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ المَرحومَةُ المُفلِحَةُ ، إنّ اللّهَ أَتمَّ لَكُم ما آتاكُم مِنَ الخَيرِ ، وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ مِن عِلمِ اللّهِ وَلا مِن أمرِهِ أن يأخُذَ أحَدٌ مِن خَلقِ اللّهِ في دينِهِ بِهَوى

1.الأحقاف: ۳۵.

2.هذا قريب من آيتين أوّله في سورة الحجّ:۴۲ وفاطر:۳ و۲۵ وآخره في سورة الأنعام: ۳۴.

3.القصص : ۴۱ .


مكاتيب الأئمّة ج4
112

وَإيّاكُم أن تُزلِقوا ألسِنَتَكُم بِقَولِ الزّورِ وَالبُهتانِ وَالإثمِ وَالعُدوانِ ؛ فَإنَّكُم إن كَفَفتُم ألسَنِتَكم عَمّا يَكرَهُهُ اللّهُ مِمّا نَهاكُم عَنهُ كانَ خَيراً لَكُم عِندَ رَبِّكُم مِن أن تُزلِقوا ألسِنَتَكُم بِهِ ، فإنَّ زَلَقَ اللِّسانِ فيما يَكرَهُ اللّهُ وَما يَنهى عَنهُ مَرداةٌ لِلعَبدِ عِندَ اللّهِ ، وَمَقتٌ مِنَ اللّهِ وَصَمٌّ وَعَمىً وَبَكَمٌ يُورِثُهُ اللّهُ إيّاهُ يَومَ القِيامَةِ ، فَتَصيروا كَما قالَ اللّهُ : «صُمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ »۱ يَعني لا يَنطِقونَ «وَ لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ »۲ .
وَإيّاكُم وما نَهاكُمُ اللّهُ عَنهُ أن تَركَبوهُ وَعَلَيكُم بِالصَّمتِ ، إلاّ فيما يَنفَعُكُم اللّهُ بِهِ مِن أمرِ آخِرَتِكُم وَيُؤجِرُكُم عَلَيهِ ، وَأكثِروا مِنَ التَّهليلِ وَالتَّقديسِ وَالتَّسبيحِ وَالثَّناءِ عَلى اللّهِ ، وَالتَّضَرُّع إلَيهِ وَالرَّغبَةِ فيما عِندَهُ مِنَ الخَيرِ الّذي لا يُقَدِّرُ قَدرَهُ وَلا يَبلُغُ كُنهَهُ أحَدٌ ، فاشغَلوا أَلسِنَتَكُم بِذلِكَ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ مِن أقاويلِ الباطِل الّتي تُعقِبُ أهلَها خُلوداً في النّارِ ، مَن ماتَ عَلَيها وَلَم يَتُب إلى اللّهِ وَلَم يَنزَع عَنها . وَعَلَيكُم بِالدُّعاءِ ، فإنَّ المُسلِمينَ لَم يُدرِكوا نَجاحَ الحَوائِجِ عِندَ رَبِّهِم بِأفضَلَ مِنَ الدُّعاءِ وَالرَّغبَةِ إلَيهِ ، وَالتَّضَرُّعِ إلى اللّهِ ، وَالمَسألَةِ لَهُ فارغَبوا فيما رَغَّبَكُمُ اللّهُ فيهِ ، وَأجيبوا اللّهَ إلى ما دَعاكُم إلَيهِ ، لِتُفلِحوا وَتَنجوا مِن عَذابِ اللّهِ .
وَإيّاكُم أن تَشرَهَ أنفسُكُم إلى شَيءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيكُم ، فإنَّهُ مَنِ انتَهَكَ ما حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ هاهُنا فِي الدُّنيا ، حالَ اللّهُ بَينَهُ وَبَينَ الجَنَّةِ وَنَعيمِها وَلَذَّتِها وَكَرامَتِها القائِمَةِ الدّائِمَةِ لاِلِ الجَنَّةِ أبدَ الآبدينَ.
وَاعلَموا أنَّهُ بِئسَ الحَظُّ الخَطَرُ لِمَن خاطَرَ اللّهَ بِتَرِكِ طاعَةِ اللّهِ ، وَرُكوبِ مَعصِيَتِهِ ، فاختارَ أن يَنتَهِكَ مَحارِمَ اللّهِ في لَذَّاتِ دُنيا مُنقَطِعَةٍ زائِلِةٍ عَن أهلِها ، على خُلودِ نَعيمٍ في الجَنَّةِ وَلذّاتِها وَكَرامَةِ أهلِها ، وَيلٌ لاُِولئِكَ ما أخيَبَ حَظّهُم ! وَأخسَرَ كَرَّتَهُم ! وَأسوَأ حالَهُم عِندَ رَبِّهِم يَومَ القِيامَةِ ! استَجيروا اللّهَ أن يُجيرَكُم في مِثالِهِم أبَداً ، وَأن

1.البقرة: ۱۸.

2.المرسلات : ۳۶ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113957
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي