115
مكاتيب الأئمّة ج4

وَيُتَّبَعُ أمرِهِ بَعدَ قَبضِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
وَقَد قالَ اللّهُ وَقَولُهُ الحَقُّ : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » . ۱
وَذلِكَ لِتَعلَموا أنَّ اللّهَ يُطاعُ وَيُتَّبَعُ أمرُهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَبَعدَ قَبضِ اللّهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَكما لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ مَعَ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله أن يأخُذَ بِهَواهُ وَلا رأيِهِ وَلا مقائيسِهِ خِلافاً لِأمرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَكذلِكَ لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أن يأخُذَ بِهَواهُ وَلا رأيِهِ وَلا مقائيسِهِ .
وَقالَ : دَعوا رَفعَ أيديَكُم في الصَّلاةِ إلاّ مَرَّةً وَاحِدَةً حينَ تُفتَتَحُ الصَّلاةُ ، فإنَّ النّاسَ قَد شَهَروكُم بِذلِكَ ، وَاللّهُ المُستَعانُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ .
وَقالَ : أكثرِوا مِن أن تَدعوا اللّهَ ، فإنّ اللّهَ يُحِبُّ مِن عِبادِهِ المُونينَ أن يَدعوهُ ، وَقَد وَعَدَ اللّهُ عِبادَهُ المُونينَ بِالاستِجابَةِ ، وَاللّهُ مُصَيِّرُ دُعاءَ المُونينَ يَومَ القِيامَةِ لَهُم عَمَلاً يَزيدُهُم بِهِ في الجَنَّةِ فأكثِروا ذِكرَ اللّهِ ما استَطعتُم في كُلِّ ساعَةٍ من ساعاتِ اللّيلِ وَالنَّهارِ ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ بِكَثرَةِ الذِّكرِ لَهُ ، وَاللّهُ ذاكِرٌ لِمَن ذَكَرَهُ مِنَ المُونينَ ، وَاعلَموا أنَّ اللّهَ لَم يَذكُرهُ أحَدٌ مِن عبادِهِ المُونينَ إلاّ ذَكَرَهُ بِخَيرٍ فَأعطوا اللّهَ مِن أنفُسِكُم الاجتِهادَ في طاعَتِهِ فإنَّ اللّهَ لا يُدرَكُ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَحارِمِهِ الّتي حَرَّمَ اللّهُ في ظاهِرِ القُرآنِ وَباطِنِهِ ، فإنّ اللّهَ تَبارَكَ وَتعالى قالَ في كتابِهِ ، وَقَولُهُ الحَقُّ : «وَذَرُوا ظَاهِرَ الاْءِثْمِ وَبَاطِنَهُ»۲ وَاعلَموا أنَّ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أن تَجتَنِبوهُ فَقَد حَرَّمَهُ ، وَاتَّبِعوا آثارَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنّتَهُ فَخُذوا بِها وَلا تَتَّبِعوا أهواءَكُم وَآراءَكُم فَتَضِلُّوا فإنَّ

1.آل عمران: ۱۴۴.

2.الأنعام: ۱۲۰.


مكاتيب الأئمّة ج4
114

وَلا رأيٍ وَلا مَقاييسَ ، قَد أنزَلَ اللّهُ القُرآنَ وَجَعَلَ فيهِ تَبيانَ كُلِّ شَيءٍ ، وَجَعَلَ لِلقُرآنِ وَلِتَعَلُّمِ القُرآنِ أهلاً لا يَسَعُ أهلَ عِلمِ القُرآنِ الّذينَ آتاهُمُ اللّهُ عِلمَهُ أن يَأخُذوا فيهِ بِهَوى وَلا رَأيٍ وَلا مَقاييسَ ، أغناهُمُ اللّهُ عَن ذلِكَ بِما آتاهُم مِن عِلمِهِ ، وَخَصَّهُم بِهِ ، وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، كَرامَةً مِنَ اللّهِ أكرَمَهُم بِها ، وَهُم أهلُ الذّكرِ الّذينَ أمَرَ اللّهُ هذهِ الأُمَّةَ بِسُولِهِم ، وَهُم الّذينَ مَن سَألَهُم ـ وَقَد سَبَق في عِلمِ اللّهِ أن يُصَدِّقَهُم وَيَتَّبِعَ أثَرَهُم ـ أرشَدوهُ وَأعطَوهُ من عِلمِ القُرآنِ ما يَهتدي بِهِ إلى اللّهِ بِإذنِهِ ، وإلى جَميعِ سُبُلِ الحَقِّ ، وَهُمُ الّذينَ لا يُرغَبُ عَنهُم وَعَن مَسأَلتِهِم وَعَن عِلمِهِم الّذي أكرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ ، وَجَعَلَهُ عِندَهُم ، إلاّ مَن سَبَقَ عَلَيهِ في عِلمِ اللّهِ الشّقاءُ في أصلِ الخَلقِ ، تَحتَ الأظِلَّةِ ، فَأولئِكَ الّذينَ يَرغَبونَ عَن سُولِ أهلِ الذِّكرِ ، وَالّذينَ آتاهُمُ اللّهُ عِلمَ القُرآنِ ، وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، وَأمَرَ بِسُولِهِم ، وَأُولئِكَ الّذينَ يَأخذونَ بِأهوائِهِم وَآرائِهِم وَمَقائيسِهِم ، حَتّى دَخَلَهُم الشَّيطانُ ؛ لِأنَّهُم جَعَلوا أهلَ الإيمانِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ كافرينَ ، وَجَعَلوا أهلَ الضَّلالَةِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ مُونينَ ، وَحَتّى جَعَلوا ما أحَلَّ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَراماً ، وَجَعَلوا ما حَرَّمَ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَلالاً ، فذلِكَ أصلُ ثَمَرَةِ أهوائِهِم .
وَقَد عَهِدَ إلَيهمِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ مَوتِهِ فَقالوا : نَحنُ بَعدَ ما قَبَضَ اللّهُ عز و جل رَسولَهُ يَسَعُنا أن نَأخُذَ بِما اجتَمَعَ عَلَيهِ رَأيُ النّاسِ بَعدَ ما قَبَضَ اللّهُ عز و جل رَسولَهُ صلى الله عليه و آله ، وَبَعدَ عَهدِهِ الّذي عَهِدَهُ إلَينا وَأمَرَنا بِهِ ، مخُالِفا للّهِِ وَلِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، فَما أحَدٌ أجَرأُ عَلى اللّهِ وَلا أبيَنُ ضَلالَةً مِمَّن أخَذَ بِذلِكَ ، وَزَعَمَ أنَّ ذلِكَ يَسَعُهُ ، وَاللّهِ إنَّ للّهِِ على خَلقِهِ أن يُطيعوهُ وَيَتَّبِعوا أمرَهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَبَعدَ مَوتِهِ ، هَل يَستَطيعُ أولئِكَ أعداءُ اللّهِ أن يَزعُموا أنَّ أحَدَاً مِمَّن أسلَمَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أخَذَ بِقَولِهِ وَرَأيِهِ وَمَقائيسِهِ ؟ فإن قالَ : نَعَم ، فَقَد كَذَّبَ عَلى اللّهِ وَضَلَّ ضَلالاً بَعيداً . وَإن قالَ : لا ، لَم يَكُن لِأحَدٍ أن يأخُذَ بِرَأيِهِ وَهَواهُ وَمَقاييسِهِ ، فَقَد أقرَّ بِالحُجَّةِ على نَفسِهِ ، وَهُوَ مِمَّن يَزعُمُ أنَّ اللّهَ يُطاعُ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113904
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي