123
مكاتيب الأئمّة ج4

«وَ جَعَلْنَاهُمْ أئمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» ۱ ، وَهُمُ الّذينَ أمَرَ اللّهُ بِوِلاَيتِهِم وَطاعَتِهِم . وَالّذينَ نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِم وَطاعَتِهِم وَهُم أئِمَّةُ الضَّلالَةِ الّذينَ قَضى اللّهُ أن يَكونَ لَهُم دُوَلٌ في الدُّنيا على أولياءِ اللّهِ الأئِمَّةِ من آلِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله ، يَعمَلونَ في دَولَتِهِم بِمَعصِيَةِ اللّهِ وَمَعصِيَةِ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، لِيُحِقَّ عَلَيهِم كَلِمَةَ العَذابِ ، وَلِيُتِمَّ أن تَكونوا مَعَ نَبيِّ اللّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَالرُّسُلِ مِن قَبلِهِ .
فَتَدَبَّروا ما قَصَّ اللّهُ عَلَيكُم في كتابِهِ ، مِمّا ابتلى بهِ أنبياءَهُ وَأتباعَهُم المُونينَ ، ثُمَّ سَلوا اللّهَ أن يُعطِيَكُم الصَّبرَ على البَلاءِ في السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ ، وَالشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ ، مِثلَ الّذي أعطاهُم .
وَإيّاكُم وَمُماظَّةَ أهلِ الباطِلِ ، وَعلَيكُم بِهُدى الصّالِحينَ وَوَقارِهِم ، وَسَكينَتِهِم وَحِلمِهِم ، وَتَخَشُّعِهِم وَوَرَعِهِم عَن مَحارِمِ اللّه ، وَصِدقِهِم وَوَفائِهِم ، وَاجتِهادِهِم للّهِِ في العَمَلِ بِطاعَتِهِ ، فَإنَّكُم إن لَم تَفعَلوا ذلِكَ لَم تَنزِلوا عِندَ رَبِّكُم مَنزِلَةَ الصّالِحينَ قَبلَكُم .
وَاعلَموا أنَّ اللّهَ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً شَرَحَ صَدرَهُ للإسلامِ ، فَإذا أعطاهُ ذلِكَ ، أنطَقَ لِسانَهُ بِالحَقِّ ، وَعَقَدَ قَلبَهُ عَلَيهِ فَعَمَلَ بِهِ ، فإذا جَمَعَ اللّهُ لَهُ ذلِكَ تَمَّ لَهُ إسلامُهُ ، وَكانَ عِندَ اللّهِ ـ إن ماتَ على ذلِكَ الحالِ ـ مِنَ المُسلِمينَ حَقّاً . وَإذا لَم يُرِدِ اللّهُ بِعَبدٍ خَيراً وَكَلَهُ إلى نَفسِهِ وَكانَ صَدرُهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ، فَإن جَرى على لِسانِهِ حَقٌّ لَم يَعقِد قَلَبه عَلَيه ، وَإذا لَم يَعقِد قَلبَهُ عَلَيهِ لَم يُعطِهِ اللّهُ العَمَلَ بِهِ ، فإذا اجتَمَعَ ذلِكَ عَلَيهِ حَتّى يَموتَ وَهُو على تِلكَ الحالِ ، كانَ عِندَ اللّهِ مِنَ المُنافقين ، وَصارَ ما جَرى على لِسانِهِ مِنَ الحَقِّ الّذي لَم يُعطِهِ اللّهُ أن يُعقَدَ قَلبُهُ عَلَيهِ ، وَلَم يُعطِهِ العَمَل بِهِ حُجَّةً عَلَيهِ

1.الأنبياء: ۷۳.


مكاتيب الأئمّة ج4
122

واعقلِوهُ وَلا تَنبذِوهُ وراءَ ظُهورِكُم ، ما وَافق هُداكُم أخَذتُم بِهِ ، وَما وَافق هَواكُم طَرَحتُموهُ وَلَم تَأخُذوا بِهِ .
وَإيّاكُم وَالتَّجَبُّرَ عَلى اللّهِ وَاعلَموا أنَّ عَبداً لَم يُبتَلَ بِالتَّجَبُّرِ على اللّهِ إلاّ تَجَبَّرَ على دينِ اللّهِ ، فاستَقيموا للّهِِ ولا تَرتَدّوا على أعقابِكُم فَتَنقَلِبوا خاسرينَ ، أجارَنا اللّهُ وَإيَّاكُم مِنَ التَّجَبُّرِ على اللّهِ ، وَلا قُوَّةَ لَنا وَلَكُم إلاّ باللّهِ .
وَقالَ عليه السلام : إنَّ العَبدَ إذا كانَ خَلَقَهُ اللّهُ في الأصلِ ـ أصلَ الخَلِق ـ مُوناً ، لَم يَمُت حَتّى يُكَرِّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَ وَيُباعِدَهُ عَنهُ ، وَمَن كَرَّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَ وَباعَدَهُ عَنهُ ، عافاهُ اللّهُ مِنَ الكِبرِ أن يَدخُلَهُ وَالجَبريَّةَ ، فَلانَت عَريكَتُهُ وَحَسُنَ خُلُقُهُ ، وَطَلُقَ وَجهُهُ ، وَصارَ عَلَيهِ وَقارُ الإسلامِ وَسَكينَتُهُ وَتَخَشُّعُه ، وَوَرَعَ عَن مَحارِمِ اللّهِ ، وَاجتَنَبَ مَساخِطَهُ وَرَزَقَهُ اللّهُ مَوَدَّةَ النّاسِ وَمُجامَلَتَهُم ، وَتَرَكَ مُقاطَعَةَ النّاسِ وَالخُصوماتِ ، وَلَم يَكُن مِنها وَلا مِن أهلِها في شَيءٍ ، وَإنَّ العَبدَ إذا كانَ اللّهُ خَلَقَهُ في الأصلِ ـ أصلَ الخَلقِ ـ كافِراً لَم يَمُت حَتّى يُحَبِّبَ إلَيهِ الشَّرَ وَيُقَرِّبَهُ مِنهُ ، فإذا حَبَّبَ إلَيهِ الشَّرَ وَقَرَّبَهُ مِنهُ ابتُلِيَ بِالكِبرِ وَالجَبرِيَّةِ ، فَقَسا قَلبُهُ ، وَساءَ خُلُقُهُ ، وَغَلُظَ وَجهُهُ ، وَظَهَرَ فُحشُهُ ، وَقَلَّ حَياو ، وَكَشَفَ اللّهُ سِترَهُ ، وَرَكِبَ المَحارِمَ فَلَم يَنزَع عَنها ، وَرَكِبَ مَعاصِيَ اللّهِ ، وأبغَضَ طاعَتَهُ وَأهلَها ، فَبَعُدَ ما بَينَ حالِ المُونِ وَحالِ الكافِرِ . سَلوا اللّهَ العافِيَةَ وَاطلُبوها إلَيهِ ، وَلا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ .
صَبِّروا النَّفسَ عَلى البَلاءِ في الدُّنيا ، فإنَّ تَتابُعَ البَلاءِ فيها ، والشِّدَّةَ في طاعَةِ اللّهِ وَوِلايَتِهِ ووِلايَةِ مَن أمَرَ بِولاِيَتِهِ خَيرٌ عاقِبَةً عِندَ اللّهِ في الآخِرَةِ مِن مُلكِ الدُّنيا ـ وَإن طالَ تَتابُعُ نَعيمِها وَزَهرَتِها وَغَضارَةِ عَيشِها ـ في مَعصِيَةِ اللّهِ وَوِلايَةِ مَن نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِ وطاعته ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ بِولايَةِ الأئِمَّةِ الّذين سَمّاهُم اللّهُ في كِتابِهِ في قولِهِ :

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113785
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي