يَعني المُونينَ قَبلَكُم إذا نسوا شَيئاً مِمّا اشتَرَطَ اللّهُ في كتابِهِ ، عَرَفوا أنَّهُم قَد عَصَوا اللّهَ في تركِهِم ذلِكَ الشَّيءَ ، فاستَغفَروا وَلَم يَعودوا إلى تَركِهِ فَذلِكَ مَعنى قَولِ اللّهِ تَعالى : «وَلَمْ يُصِرُّواعَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » .
وَاعلَموا أنَّهُ إنَّما أمَرَ وَنَهى لِيُطاعَ فيما أمَرَ بِهِ ، وَلِيُنتَهى عَمّا نَهى عَنهُ ، فَمَن اتَّبَعَ أمرَهُ فَقَد أطاعَهُ ، وَقَد أدرَكَ كُلَّ شَيءٍ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ ، وَمَن لَم يَنتَهِ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ فَقَد عَصاهُ ، فَإن ماتَ على مَعصِيَتِهِ أكَبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ .
وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ بَينَ اللّهِ وَبَينَ أحَدٍ مِن خَلقِهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ مِن خَلقِهِ كُلِّهِم إلاّ طاعَتُهُم لَهُ ، فَجِدّوا في طاعَةِ اللّه إن سَرَّكُم أن تكونوا مُونينَ حَقّاً حَقّاً ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ .
وَقالَ : عَلَيكُم بِطاعَةِ رَبِّكُم ما استَطعتُم ، فإنَّ اللّهَ رَبُّكُم ، وَاعلَموا أنّ الإسلامَ هُوَ التّسليمَ وَالتّسليمَ هُوَ الإسلامُ ، فَمَن سَلَّمَ فَقَد أسلَم ، وَمَن لَم يُسلِم فَلا إسلامَ لَهُ ، وَمَن سَرَّهُ أن يُبلِغَ إلى نَفسِهِ في الإحسانِ فَليُطِعِ اللّهَ فإنَّهُ مَن أطاعَ اللّهَ فَقَد أبلَغَ إلى نفسِهِ في الإحسانِ .
وَإيّاكُم وَمَعاصِيَ اللّهِ أن تَركَبوها ، فإنَّهُ مَن انَتَهكَ مَعاصِيَ اللّهِ فَرَكِبَها ، فَقَد أبلَغَ في الإساءَةِ إلى نَفسِهِ ، وَلَيسَ بَينَ الإحسانِ وَالإساءَةِ مَنزِلَةٌ فَلاِلِ الإحسانِ عِندَ رَبِّهِم الجَنَّةُ ، وَلاِلِ الإساءَةِ عِندَ رَبِّهِم النّارُ . فاعمَلوا بِطاعَةِ اللّهِ وَاجتَنِبوا مَعاصِيَهُ .
وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ يُغني عَنكُم مِنَ اللّهِ أحَدٌ مِن خَلقِهِ شيئاً ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ ، فَمَن سَرَّهُ أن تَنفَعَهُ شَفاعَةُ الشّافِعينَ عِندَ اللّهِ ، فَليَطلُب إلى اللّهِ أن يَرضى عَنهُ .
وَاعلَموا أنَّ أحَداً مِن خَلقِ اللّهِ لَم يُصِب رِضى اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَطاعَةِ رَسولِهِ وَطاعَةِ وُلاةِ أمرِهِ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَمَعصِيَتُهُم من مَعصِيَةِ اللّهِ وَلَم يُنكِر لَهُم فَضلاً عَظُم وَلا صَغُرَ .