133
مكاتيب الأئمّة ج4

يَعني المُونينَ قَبلَكُم إذا نسوا شَيئاً مِمّا اشتَرَطَ اللّهُ في كتابِهِ ، عَرَفوا أنَّهُم قَد عَصَوا اللّهَ في تركِهِم ذلِكَ الشَّيءَ ، فاستَغفَروا وَلَم يَعودوا إلى تَركِهِ فَذلِكَ مَعنى قَولِ اللّهِ تَعالى : «وَلَمْ يُصِرُّواعَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » .
وَاعلَموا أنَّهُ إنَّما أمَرَ وَنَهى لِيُطاعَ فيما أمَرَ بِهِ ، وَلِيُنتَهى عَمّا نَهى عَنهُ ، فَمَن اتَّبَعَ أمرَهُ فَقَد أطاعَهُ ، وَقَد أدرَكَ كُلَّ شَيءٍ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ ، وَمَن لَم يَنتَهِ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ فَقَد عَصاهُ ، فَإن ماتَ على مَعصِيَتِهِ أكَبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ .
وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ بَينَ اللّهِ وَبَينَ أحَدٍ مِن خَلقِهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ مِن خَلقِهِ كُلِّهِم إلاّ طاعَتُهُم لَهُ ، فَجِدّوا في طاعَةِ اللّه إن سَرَّكُم أن تكونوا مُونينَ حَقّاً حَقّاً ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ .
وَقالَ : عَلَيكُم بِطاعَةِ رَبِّكُم ما استَطعتُم ، فإنَّ اللّهَ رَبُّكُم ، وَاعلَموا أنّ الإسلامَ هُوَ التّسليمَ وَالتّسليمَ هُوَ الإسلامُ ، فَمَن سَلَّمَ فَقَد أسلَم ، وَمَن لَم يُسلِم فَلا إسلامَ لَهُ ، وَمَن سَرَّهُ أن يُبلِغَ إلى نَفسِهِ في الإحسانِ فَليُطِعِ اللّهَ فإنَّهُ مَن أطاعَ اللّهَ فَقَد أبلَغَ إلى نفسِهِ في الإحسانِ .
وَإيّاكُم وَمَعاصِيَ اللّهِ أن تَركَبوها ، فإنَّهُ مَن انَتَهكَ مَعاصِيَ اللّهِ فَرَكِبَها ، فَقَد أبلَغَ في الإساءَةِ إلى نَفسِهِ ، وَلَيسَ بَينَ الإحسانِ وَالإساءَةِ مَنزِلَةٌ فَلاِلِ الإحسانِ عِندَ رَبِّهِم الجَنَّةُ ، وَلاِلِ الإساءَةِ عِندَ رَبِّهِم النّارُ . فاعمَلوا بِطاعَةِ اللّهِ وَاجتَنِبوا مَعاصِيَهُ .
وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ يُغني عَنكُم مِنَ اللّهِ أحَدٌ مِن خَلقِهِ شيئاً ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ ، فَمَن سَرَّهُ أن تَنفَعَهُ شَفاعَةُ الشّافِعينَ عِندَ اللّهِ ، فَليَطلُب إلى اللّهِ أن يَرضى عَنهُ .
وَاعلَموا أنَّ أحَداً مِن خَلقِ اللّهِ لَم يُصِب رِضى اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَطاعَةِ رَسولِهِ وَطاعَةِ وُلاةِ أمرِهِ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَمَعصِيَتُهُم من مَعصِيَةِ اللّهِ وَلَم يُنكِر لَهُم فَضلاً عَظُم وَلا صَغُرَ .


مكاتيب الأئمّة ج4
132

وَاعلَموا أنَّ مَن نَزَلَ بِذلِكَ المَنزِلِ عِندَ الإمامِ فَهُوَ مُحرِجٌ لِلإمامِ ، فإذا فَعَلَ ذلِكَ عِندَ الإمامِ أحرَجَ الإمامَ إلى أن يُعلِنَ أهلَ الصَّلاحِ مِن أتباعِهِ المُسَلِّمينَ لِفَضلِهِ ، الصّابِرينَ على أداءِ حَقِّهِ العارِفينَ بِحُرمَتِهِ ، فإذا لَعَنَهُم لإحراجِ أعداءِ اللّهِ الإمامُ صارَت لَعَنتُهُ رَحمَةً مِنَ اللّهِ عَليهِم وَصارَت اللّعنَةُ مِنَ اللّهِ وَمِنَ المَلائِكَةِ وُرُسِلِهِ على أُولئِكَ .
واعلموا أيّتُها العِصابَةُ أنَّ السُّنَّةَ مِنَ اللّهِ قَد جَرَت في الصّالِحينَ قبلُ .
وَقالَ : مَن سَرَّهُ أن يَلقى اللّهَ وَهُوَ مُونٌ حَقّاً حقّاً ، فَليَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسولَهُ وَالّذينَ آمَنوا ، وَليَبرَأ إلى اللّهِ مِن عَدُوِّهِم وَليُسلِّم لِما انتَهى مِن فَضلِهِم ؛ لاِ فَضلَهُم لا يَبلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ . ألم تَسمَعوا ما ذَكَرَ اللّهُ مِن فَضلِ أتباعِ الأئَمِّةِ الهُداةِ ، وَهُمُ المُونونَ ، قال : « فَأُولَـئكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً »۱ . فَهذا وَجهٌ مِن وُجوهِ فَضلِ أتباعِ الأئِمَّةِ ، فَكَيفَ بِهِم وَفَضلِهِم ؟ وَمَن سَرَّهُ أن يُتِمَّ اللّهُ لَهُ إيمانَهُ حَتّى يَكونَ مُوناً حَقّاً حَقّاً ، فَليَفِ للّهِِ بِشُروطِهِ الّتي اشتَرَطَها على المُونينَ ، فَإنَّهُ قَد اشتَرَطَ مَعَ وِلايَتِهِ وَوِلايَةِ رَسولِهِ وَوِلايَةِ أئِمَّةِ المُونينَ عليهم السلام ، إقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَإقراضَ اللّهِ قَرضاً حَسَناً وَاجتِنابَ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، فَلَم يَبقَ شَيءٌ مِمّا فَسَّرَ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ إلاّ وَقَد دَخَلَ في جُملَةِ قَولِهِ ، فَمَن دانَ اللّهَ فيما بَينَهُ وَبَينَ اللّهِ مُخلِصاً للّهِِ ، وَلَم يُرَخِّص لِنَفسِهِ في تَركِ شَيءٍ مِن هذا ، فَهُو عِندَ اللّهِ في حِزبِهِ الغالِبينَ ، وَهُوَ مِنَ المُونينَ حَقّاً .
وَإيّاكُم وَالإصرارَ على شَيءٍ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ في ظَهرِ القُرآنِ وَبَطنِهِ ، وَقَد قالَ اللّهُ : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »۲ . « إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع» .

1.النساء: ۶۹.

2.آل عمران: ۱۳۵.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 94271
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي