135
مكاتيب الأئمّة ج4

وَإيّاكُم وَما نَهاكُم اللّهُ عَنهُ أن تَركَبوهُ ، وَعَلَيكُم بِالصَّمتِ إلاّ فيما يَنفَعُكُم اللّهُ بِهِ في أمرِ آخِرَتِكُم ، وَيُؤجِرُكُم عَلَيهِ وَأكثِروا مِنَ التَّهليلِ وَالتَّقديسِ وَالتَّسبيحِ وَالثَّناءِ عَلى اللّهِ ، وَالتَّضَرُّعِ إلَيهِ وَالرَّغبَةِ فيما عِندَهُ مِنَ الخَيرِ الّذي لا يُقدّر قَدرَهُ ، وَلا يَبلُغُ كُنهَهُ أحَدٌ فاشغِلوا ألسِنَتَكُم بِذلِكَ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ مِن أقاويلِ الباطِلِ الّتي تُعقِبُ أهلَها خُلوداً في النّارِ ، مَن ماتَ عَلَيها وَلَم يَتُب إلى اللّهِ مِنها ، وَلَم يَنزَع عَلَيها ، وَعَلَيكُم بِالدُّعاءِ ، فَإنَّ المُسلِمينَ لَم يُدرِكوا نَجاحَ الحَوائِجِ عِندَ رَبِّهِم بِأفضَلَ مِنَ الدُّعاءِ وَالرَّغبَةِ إلَيهِ ، وَالتَّضَرُّعِ إلى اللّهِ وَالمَسألَةِ لَهُ ، فارغَبوا فيما رَغَّبَكُم اللّهُ فيهِ ، وَأجيبوا اللّهَ إلى ما دَعاكُم إلَيهِ لِتُفلِحوا وَتَنجوا مِن عَذابِ اللّهِ .
وَإيّاكُم أن تَشرَهَ أنفسُكُم إلى شَيءٍ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيكُم ، فإنَّهُ مَنِ انتَهَكَ ما حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ هاهُنا في الدُّنيا حالَ اللّهُ بَينَهُ وَبَينَ الجَنَّةِ وَنَعيمِها وَلَذَّتِها وَكَرامَتِها القائِمَةِ الدّائِمَةِ لِأهلِ الجَنَّةِ أبَدَ الآبدينَ .
وَاعلَموا أنّهُ بِئسَ الحَظُّ الخَطَرُ لِمَن خاطَرَ بِتَرِكِ طاعَةِ اللّهِ وَرُكوبِ مَعصِيَتِهِ ، فاختارَ أن يَنتَهِكَ مَحارِمَ اللّهِ في لَذَّاتِ دُنيا مُنقَطِعَةٍ زائِلَةٍ عَن أهلِها على خُلودِ نَعيمٍ في الجَنَّةِ وَلَذاتِها وَكَرامَةِ أهلِها ، وَيلٌ لاُِولئِكَ ! ما أخيَبَ حَظَّهُم وَأخسَرَ كَرَّتَهُم وَأسوأ حالَهُم عِندَ رَبِّهِم يَومَ القِيامَةِ ، استَجيروا اللّهَ أن يُجريكُم في مِثالِهِم أبَداً ، وَأن يَبتَلِيَكُم بِما ابتَلاهُم بهِ وَلا قُوَّةَ لَنا وَلَكُم إلاّ بِهِ .
فَاتَّقوا اللّهَ أيَّتُها العِصابَةُ النّاجِيَةُ ، أن أتَمَّ اللّهُ لَكُم ما أعطاكُم بِهِ فَإنَّهُ لا يَتِمُّ الأمرُ حَتّى يَدخُلَ عَلَيكُم مِثلُ الّذي دَخَلَ عَلى الصَّالِحينَ قَبلَكُم ، وَحَتّى تَبتَلوا في أنفُسِكُم وَأموالِكُم وَحَتّى تَسمَعوا مِن أعداءِ اللّهِ أذىً كَثيراً فَتَصبِروا وَتَعرُكوا بِجُنوبِكُم وَحَتَّى يَستَذِلّوكُم وَيُبغِضوكُم ، وَحَتّى يَحمِلوا عَلَيكُم الضَّيمَ فَتَحتَمِلوهُ مِنهُم


مكاتيب الأئمّة ج4
134

وَاعلَموا أنَّ المُنكِرينَ هُم المُكَذِّبونَ ، وَأنَّ المُكَذِّبينَ هُمُ المُنافِقونَ ، وَأنّ اللّهَ تَعالى قالَ لِلمُنافِقينَ ـ وَقَولُهُ الحَقُّ ـ : «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا »۱ وَلا يَفرُقَنّ أحَدٌ مِنكُم ـ ألزَمَ اللّهُ قَلبَهُ طاعَتَهُ وَخَشيَتَهُ ـ مِن أحَدٍ مِنَ النّاسِ أخرَجَهُ اللّهُ مِن صِفَةِ الحَقِّ وَلَم يَجعَلهُ مِن أهلِها ، فإنَّ مَن لَم يَجعَلهُ اللّه مِن أهلِ صِفَةِ الحَقِّ فَأُولئِكَ هُم شَياطينُ الإنسِ وَالجِنِّ ، فإنَّ لِشَياطينِ الإنسِ حِيَلاً وَمَكراً وَخَدائِعَ وَوَسوَسَةً ، بَعضُهُم إلى بَعضٍ ، يُريدون ـ إن اِستَطاعوا ـ أن يَرُدّوا أهلَ الحَقِّ عمّا أكَرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ مِنَ النَّظَرِ في دينِ اللّهِ الّذي لَم يَجعَلِ اللّهُ شَياطينَ الإنسِ مِن أهلِهِ ، إرادَةَ أن يَستَوِيَ أعداءُ اللّهِ وَأهلُ الحَقِّ ، في الشَّكِ وَالإنكارِ وَالتَّكذيبِ ، فَيَكونونَ سَواءً كَما وَصَف اللّهُ في كِتابِهِ مِن قَولِهِ سُبحانَهُ : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَآءً»۲ .
ثُمَّ نهى اللّهُ أهلَ النَّصرِ بِالحَقِّ أن يَتَّخِذوا مِن أعداءِ اللّهِ وَلِيّاً وَلا نَصيراً ، فَلا يَهولَنَّكُم ولا يَرُدَّنَّكُم عَنِ النَّصرِ بِالحَقِّ الّذي خَصَّكُم اللّهُ بِهِ مِن حِيلَةِ شَياطينِ الإنسِ وَمَكرِهِم ، وَحِيَلِهِم وَوَساوِسِ بَعضِهِم إلى بَعضٍ ، فإنَّ أعداءَ اللّهِ إنِ استَطاعوا صَدُّوكُم عَنِ الحَقِّ فَيَعصِمُكُم اللّهُ مِن ذلِكَ فَاتّقوا اللّهَ وَكُفُّوا ألسِنَتَكُم إلاّ مِن خَيرِ .
وَإيّاكُم أن تُذلِقوا ۳ ألسِنَتَكُم بِقَولِ الزّورِ وَالبُهتانِ وَالإثمِ وَالعُدوانِ ، فَإنَّكُم إن كَفَفتُم ألسِنَتَكُم عَمّا يَكرَهُ اللّهُ مِمّا نَهاكُم عَنهُ كانَ خَيراً لَكُم عِندَ رَبِّكُم من أن تُذلِقوا ألسِنَتَكُم بِهِ ، فَإنَّ ذَلَقَ اللِّسانِ فيما يَكرَهُ اللّهُ وَفيما يَنهى عَنهُ لَدَناءَةٌ لِلعَبدِ عِندَ اللّهِ ، وَمَقتٌ مِنَ اللّهِ ، وَصَمَمٌ وَعَمىً وَبَكَمٌ يورِثُهُ اللّهُ إيّاهُ يَومَ القِيامَةِ ، فَيَصيروا كَما قالَ اللّهُ : « صُمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ »۴ يَعني لا يَنطِقونَ «وَ لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ »۵ .

1.البقرة: ۱۸.

2.النساء: ۱۴۵.

3.النساء: ۸۹.

4.وفي المصدر : « تزلقوا » .

5.المرسلات: ۳۶.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 94264
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي