وَخِرَقِكُم ، تطفئونَ بها غضب الرّب .
وَسَأنبِئُكَ بِهَوانِ الدُّنيا وَهَوانِ شَرَفِها على ما مَضى مِنَ السَّلَفِ وَالتّابِعينَ ، فقد . حدّثني محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام قال : لَمّا تَجَهَّزَ الحُسينُ عليه السلام إلى الكُوفَةِ أتاهُ ابن عَبّاس فَناشَدَهُ اللّهَ وَالرَّحِمَ أن يَكونَ هُوَ المَقتولُ بِالطَّفِّ . فقال : أنا أعرف بِمَصرعي مِنكَ ، وَما وَكَدي مِنَ الدُّنياإلاّ فِراقُها .
ألا أخبِرُكَ يابنَ عَبّاس بِحَديثِ أميرِ المُؤمِنينَ وَالدُّنيا ؟
فَقالَ لَهُ : بلى ، لَعَمري إنّي لاَحِبُّ أن تُحَدِّثَني بِأمرِها .
فَقالَ أبي : قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ يَقولُ : حَدَّثَني أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قال : إنّي كُنتُ بِفَدَكٍ في بَعضِ حيطانِها ، وَقَد صارَت لِفاطِمَةَ عليهاالسلام ، قالَ : فَإذا أنا بامرَأةٍ قَد قَحَمَت عَلَيّ وَفي يَدي مِسحاةٌ ، وَأنا أعمَلُ بِها ، فَلَمَّا نَظَرتُ إلَيها طارَ قَلبي مِمّا تَداخَلَني مِن جَمالِها ، فَشَبَّهتُها بُثَيّنَةَ بِنتَ عامِرِ الجُمَحَيّ ـ وَكانَت مِن أجمَلِ نساءِ قُرَيشٍ ـ فَقالَت : يابنَ أبي طالِبٍ ، هَل لَكَ أن تَتَزَوَّجَ بي فَاُغنيَكَ عَن هذهِ المِسحاةِ ، وَأدُلُّكَ عَلى خَزائِنِ الأرضِ ، فَيَكونُ لَكَ المُلكُ ما بَقيتَ وَلِعَقِبِكَ مِن بَعدِكَ ، فَقالَ لها عليّ عليه السلام : مَن أنتِ حَتّى أخطِبَكِ مِن أهلِكَ .
فَقالَت : أنا الدُّنيا . قالَ لها : فَارجعِي وَاطلُبي زَوجاً غَيري . وَأقبَلتُ على مِسحاتي وَأنشَأت أقولُ :
لَقَد خابَ مَن غَرَّتهُ دُنيا دَنِيَّةٌوَما هِيَ إن غَرَّت قُروناً بِنائِلِ
أتَتنا على زِيّ العَزيز بُثَنيَةٌوَزينَتُها في مِثلِ تِلكَ الشّمائِلِ
فَقُلتُ لَها غُرِّي سِوايَ فَإنّنيعَزوفٌ عَن الدُّنيا وَلَستُ بِجاهِلِ
وَما أنا وَالدُّنيا فإنَّ مُحَمَّداًأُحِلَّ صريعاً بَينَ تِلكَ الجَنادِلِ
وَهَبها أتَتني بِالكُنوزِ وَدُرِّهاوَأموالِ قارونٍ وَمُلكِ القَبائِلِ
ألَيسَ جَميعاً لِلفناءِ مَصيرُهاوَيُطلَبُ مِن خُزّانِها بِالطَّوائِلِ
فَغُرِّي سِوايَ إنَّني غَيرُ راغِبٍبِما فيكِ مِن مُلكٍ وَعِزٍّ وَنائلِ
فَقَد قَنَعَت نَفسي بِما قَد رُزِقتُهُفَشَأنَكَ يا دُنيا وَأهلَ الغَوائِلِ
فَإنّي أخافُ اللّهَ يَومَ لِقائِهِوَأخشى عَذاباً دائِماً غَيرَ زائِلِ
فَخَرَج مِنَ الدُّنيا وَلَيسَ في عُنقِهِ تَبَعِةٌ لِأحَدٍ ، حتّى لَقى اللّهَ مَحموداً غَيرَ مَلومٍ ، وَلا مَذمومٍ . ثُمَّ اقتَدَت بِهِ الائِمَّةُ مِن بَعدِهِ بِما قَد بَلَغَكُم لَم يَتَلطَّخوا بِشَيءٍ مِن بَوائِقِها عَلَيهِمُ السَّلام أجمَعينَ وَأحسَنَ مَثواهُم .
وَقَد وَجَّهتُ إلَيكَ بِمَكارِمِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَعَنِ الصَّادِقِ المُصَدَّق رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإن أنتَ عَملِتَ بِما نَصَحتُ لَكَ في كتابي هذا ، ثُمَّ كانَت عَلَيكَ مِنَ الذُّنوبِ وَالخَطايا كَمِثلِ أوزانِ الجِبالِ وَأمواجِ البِحارِ ، رَجَوتُ اللّهَ أن يَتَجاوَزَ عَنكَ بِقُدرَتِهِ .
يا عَبدَ اللّهِ ، إيَّاكَ أن تُخيفَ مُؤمِناً فَإنّ أبي مُحَمّدُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام حَدَّثَني عَن أبيهِ ، عَن جَدِّهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ عليه السلام ، أنَّهُ كانَ يَقولُ : مَن نَظَرَ إلى مُؤمِنٍ نَظرَةً لِيُخيفَهُ بِها أخافَهُ اللّهُ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ ، وَحَشَرَهُ اللّهُ في صورَةِ الذَّرِّ ، لَحمَهُ وَجَسَدَهُ وجَميعَ أعضائِهِ ، حَتّى يُورِدَهُ مَورِدَهُ .
وَحَدَّثَني أبي عَن أبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : مَن أغاثَ لَهفاناً مِنَ المُؤمِنينَ أغاثَهُ اللّهُ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ ، وَآمَنَهُ يَومَ الفَزَعِ الأكبَرِ ، وَآمَنَهُ مِن سوءِ المُنقَلَبِ .
وَمَن قَضى لِأخيهِ المُؤمِنِ حاجَةً ، قَضى اللّهُ لَهُ حَوائجَ كَثيرَةً إحداها الجَنّةُ .
وَمَن كَسا أخاهُ المُؤمِنِ مِن عُريٍ كَساهُ اللّهُ مِن سُندُسِ الجَنَّةِ وَاستَبرَقَها وَحَريرَها ، وَلَم يَزَل يَخوضُ في رِضوانِ اللّهِ مادامَ على المَكسُوِّ مِنها سلِكٌ .
وَمَن أطعَمَ أخاهُ مِن جوعٍ أطعَمَهُ اللّهُ مِن طَيِّباتِ الجَنَّةِ ، وَمَن سَقاهُ مِن ظَماًسَقاهُ اللّهُ مِنَ الرَّحيقِ المَختومِ رِيَّهُ .
وَمَن أخدَمَ أخاهُ أخدَمَهُ اللّهُ مِنَ الوِلدانِ المُخَلَّدينَ ،وَأسكَنَهُ مَعَ أولِيائِهِ الطّاهِرينَ .