175
مكاتيب الأئمّة ج4

فَصَدَّ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله بِوَجهِهِ فَأنزَلَ اللّهُ عز و جل : «يَسْئلُونَكَ عَنِ الأَْنفَال»۱ . وَالأنفالُ اسمٌ جامِعٌ لِما أصابوا يَومَئِذٍ ، مِثلُ قَولِهِ : «مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ»۲
ومثل قوله : «أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْ ءٍ»۳ ثمّ قال : «قُلِ الأَْنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ»۴ فاختَلَجَها اللّهُ مِن أيديهِم ، فَجَعَلَها للّهِِ وَلِرَسولِهِ . ثُمّ قالَ : «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ »۵ .
فَلَمّا قَدِمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المدينَةَ ، أنزَلَ اللّهُ عَلَيهِ : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْ ءٍ فَإنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَا وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ»۶ . فأمّا قوله: « للّهِِ » فَكَما يَقولُ الإنسانُ : هُوَ للّهِِ وَلَكَ وَلا يُقسَمُ للّهِِ مِنهُ شَيءٌ .
فَخُمسُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الغَنيمَةُ الّتي قَبَضَ بِخَمسَةِ أسهُمٍ . فَقَبَضَ سَهمَ اللّهِ لِنَفسِهِ ، يُحيي بِهِ ذِكرَهُ وُيورَثُ بَعدَهُ . وَسَهماً لِقَرابَتِهِ مِن بَني عَبدِ المُطّلِبِ ، فَأنفَذَ سَهماً لِأيتامِ المُسلِمينَ ، وَسَهماً لِمَساكِينهِمِ . وَسَهماً لابن السَّبيلِ مِنَ المُسلِمينَ في غَيرِ تِجارَةٍ ، فَهذا يَومُ بَدرٍ ، وَهذا سَبيلُ الغنائِمِ الّتي أُخِذَت بِالسَّيفِ .
وَأمّا ما لَم يُوجَف عَلَيهِ بِخَيلٍ وَلا رِكابٍ ، فَإن كانَ المُهاجِرونَ حينَ قَدِموا المَدينَةَ أعطَتهُم الأنصارُ نِصفَ دورِهِم وَنِصفَ أموالِهمِ ، وَالمُهاجِرونَ يَومَئذٍ نَحوُ مِئةِ رَجُلٍ ، فَلَمّا ظَهَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى بَني قُريظَةَ وَالنَّضيرِ ۷ وَقَبَضَ أموالَهُم .

1.الأنفال: ۱.

2.الحشر:۶ و۷.

3.الأنفال:۴۱

4.الأنفال: ۱ .

5.الأنفال:۴۱.

6.بنو قريظة ـ كجهينة ـ وبنو النّظير ـ كشرير ـ : بطنان من اليهود بالمدينة كان بينهم وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله عهد وميثاق فنقضوا . أمّا بنو قريظة فنقضوا عهدهم وميثاقهم في غزوة الخندق السنة الخامسة من الهجرة فكانوا من الأحزاب الّذين اهتمّوا على المسلمين فلمّا فرغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من هذه الغزوة مضى مع أصحابه إليهم وحاصرهم ليالي وأياما حتّى نزلوا على حكم رجل من الأوس وهو سعد بن معاذ لأنّ الأوس من حلفائهم . فحكم سعد فيهم بالقتل والسّبي . وأنزل اللّه تعالى فيهم: «وَ أَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيَارَهُمْ وَ أَمْوَ الَهُمْ وَ أَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَ كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرًا» . (الأحزاب:۲۶ و۲۷). وأمّا بنو النّضير فإنّ النّبيّ صلى الله عليه و آله لمّا أتاهم يستعينهم في دية الرّجلين اللّذين من بني عامر - وكان بنو عامر في جواره صلى الله عليه و آله ـ قتلهما عمرو بن أُميّة الضّمري في منصرفه من بئر معونة ، همُّوا بطرح حجر عليه من فوق الحصن فعصمه اللّه واطّلع منهم على خيانة فرجع النّبيّ صلى الله عليه و آله إلى المدينة وبعث إليهم محمّد بن مسلمة أن اخرجوا من ديارهم وارتحلوا منها فلم يقبلوا منه ، فحاصرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليالي وأيّاماً حتّى قبلوا ذلك منه ، فصالحهم على الإجلاّء وعلى أنّ لهم ما أقلّت الإبل من بعض أموالهم وللنّبيّ صلى الله عليه و آله ما بقي ، فأجلاّهم النّبيّ صلى الله عليه و آله عن ديارهم وولى إخراجهم محمّد بن مسلمة ، فعبروا من سوق المدينة وتفرّقوا في البلاد فأُنزل فيهم آيات في سورة الحشر ، فكان أموالهم وعقارهم فيئا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله خاصّة له ، خصّه اللّه تعالى بها ، ولم تكن تحصل بالقتال والغلبة ، ولكن سلطه اللّه عليهم وعلى ما في أيديهم فالأمر فيه مفوّض إليه يضعه حيث يشاء ، ولا يقسمه قسمة الّتي قوتل عليها ، واُخذت عنوة قهراً ، فقسّمها بين المهاجرين ولم يعط الأنصار إلاّ اثنين منهم ـ لفقرهما ـ : سهل بن حنيف وسماك بن أبي خراشة . قيل : وبقي منها صدقته الّتي في أيدي بني فاطمة عليهاالسلام . وهذه الوقعة كانت في السنة الرّابعة من الهجرة النّبويّة . (راجع : تفسير القمّي : ج ۲ ص ۱۸۹ ، تاريخ الطّبري : ج ۲ ص ۲۲۳ ، فتوح البلدان : ج ۱ ص ۱۸) .


مكاتيب الأئمّة ج4
174

وَأقرِباءَهُ عَنِ صَدَقاتِ النّاسِ وَأوساخِهِم، فَهذا سَبيلُ الصَّدَقاتِ .
وَأمّا المغانِمُ ، فَإنَّهُ لَمّا كانَ يَومُ بَدرٍ ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ كَذا وَكَذا . وَمَن أسَرَ أسيراً فَلَهُ مِن غَنائِمِ القَومِ كَذا وَكَذا . فَإنَّ اللّهَ قَد وَعَدني أن يَفتَحَ عَلَيّ ، وَأنعَمَني عَسكَرَهُم .
فَلَمّا هَزَمَ اللّهُ المُشرِكينَ وَجُمِعَت غَنائِمُهُم قامَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ أمَرتَنا بِقِتالِ المُشرِكينَ ، وَحَثَثتَنا عَلَيهِ وَقُلتَ : مَن أسَرَ أسيراً فَلَهُ كَذا وَكذا مِن غَنائِمِ القَومِ . وَمَن قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ كَذا وَكَذا . إنّي قَتَلتُ قَتيلَينِ ـ لي بِذلِكَ البَيِّنَةُ ـ وَأسَرتُ أسيراً ، فَأعطِنا ما أوجَبتَ على نَفسِكَ يا رَسولَ اللّهِ ، ثُمَّ جَلَسَ .
فَقامَ سَعدُ بنُ عُبادَةَ ۱ فقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما مَنَعَنا أن نُصيبَ مِثلَ ما أصابوا جُبنٌ عَن العَدُوِّ ، وَلا زَهادَةٌ فِي الآخِرَةِ وَالمَغنَمِ . وَلكِنّا تَخَوَّفنا أن بَعُدَ مَكانُنا مِنكَ فَيَميلُ إلَيكَ مِن جُندِ المُشرِكينَ ، أو يُصيبوا مِنكَ ضَيعَةً فَيَميلوا إلَيكَ فَيُصيبوكَ بِمُصيبَةٍ . وَإنّكَ إن تُعطِ هؤلاءِ القَومِ ما طَلِبوا يَرجِعُ سائِرُ المُسلِمينَ لَيسَ لَهُم مِنَ الغَنيمَةِ شَيءٌ ، ثُمَّ جَلَسَ .
فَقامَ الأنصاريُّ فَقالَ : مِثلَ مَقالَتِهِ الأُولى ، ثُمَّ جَلَس . يَقول ذلِكَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما ثَلاثَ مَرّاتٍ .

1.سعد بن عبادة كان سعد بن عبادة أنصارياً خزرجياً من الصّحابة، أحد النّقباء في ليلة العقبة، صاحب راية الأنصار يوم بدر ، وأمير المؤمنين عليه السلام صاحب لواء المهاجرين ، وكان سعد سيّداً وجيهاً جواداً له سيادة ورئاسة يعترف له قومه بها . وهو الّذي تخلّف عن بيعة أبي بكر ، وخرج من المدينة ولم يرجع إليها إلى أن قتل بحوران من أرض الشّام في خلافة أبي بكر ، وقيل في خلافة عمر . وابنه قيس بن سعد كان من أصحاب أمير المؤمنين ، وابنه أبي محمّد الحسن عليهماالسلام . وأراد معاوية أن يخدعه ليخذل الحسن عليه السلام فلم يمكن له ويئس منه . (راجع : رجال الكشّي : ج ۱ ص ۳۰ ، رجال الطّوسي : ص۷۹ الرّقم ۲۴۳) .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 94281
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي