207
مكاتيب الأئمّة ج4

يا ابنَ جُندَب إنَّما المُؤمِنونَ الّذينَ يَخافونَ اللّهَ وَيُشفِقونَ أن يُسلَبوا ما اُعطوا مِنَ الهُدى ، فإذا ذَكَروا اللّهَ وَنَعماءَهُ وَجِلوا وَأشفَقوا، وَإذا تُلِيتَ عَلَيهِم آياتُهُ زادَتُهم إيماناً مِمّا أظهَرَهُ مِن نَفاذِ قُدرَتِةِ ، وَعلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ .
يا ابنَ جُندَب ، قَديماً عَمَرَ الجَهلُ وَقَوِيَ أساسُهُ ، وَذلِكَ لاتِّخاذِهِم دينَ اللّهِ لَعِباً حَتّى لَقَد كانَ المُتَقَرِّبُ مِنهُم إلى اللّهِ بعِلمِهِ يُريدُ سِواهُ ، أُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ .
يا ابنَ جُندَب ، لَو أن شيعَتَنا استَقاموا لَصافَحَتهُمُ المَلائِكَةُ ، وَلَأظَّلَهُم الغَمامُ ، وَلأشرَقوا نَهاراً ، وَلَأكَلوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أرجُلِهِم ، وَلَما سَألوا اللّهَ شَيئاً إلاّ أعطاهُم .
يا ابنَ جُنَدب ، لا تَقُل في المُذنِبينَ مِن أهلِ دَعوَتِكُم إلاّ خَيراً ، وَاستَكينوا إلى اللّهِ في تَوفيقِهِم وَسَلوا التّوبَةَ لَهُم ، فَكُلُّ مَن قَصَدَنا وَوالانا ، وَلَم يُوالِ عَدُوَّنا ، وَقالَ ما يَعلَمُ ، وَسَكَتَ عَمّا لا يَعلَمُ ، أو أشكَلَ عَلَيهِ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ .
يا ابنَ جُندَب ، يَهلِكُ المُتَّكِلُ على عَمَلِهِ ، وَلا يَنجو المُجتَرِئُ على الذُّنوبِ الواثِقُ بِرَحمَةِ اللّهِ .
قُلتُ : فَمَن يَنجو ؟
قال : الّذينَ هُم بينَ الرَّجاءِ وَالخَوفِ ، كَأنّ قُلوبَهُم في مِخلَبِ طائِرٍ شَوقاً إلى الثَّوابِ وَخَوفاً مِنَ العَذابِ .
يا ابنَ جُندَب ، مَن سَرَّهُ أن يُزَوِّجَهُ اللّهُ الحورَ العينَ ، وَيُتَوِّجَهُ بِالنّورِ فَليُدخِل على أخيهِ المُؤمِنِ السُّرورَ .
يا ابنَ جُندَب ، أقِلَّ النَّومَ بِاللَّيلِ ، وَالكَلامَ بِالنَّهارِ ، فَما في الجَسَدِ شَيءٌ أقلَّ شُكراً من العَينِ وَاللِّسانِ ، فَإنَّ أُمَّ سُلَيمانَ قالَت لِسُلَيمانَ عليه السلام : يا بُنَيَّ ، إيَّاكَ وَالنَّومَ ، فَإنَّهُ يُفقِرُكَ يَومَ يَحتاجُ النّاسُ إلى أعمالِهِم .
يا ابنَ جُندَب ، إنَّ لِلشَيطانِ مَصائِدَ يَصطادُ بِها فَتَحاموا شِباكَهُ ۱ وَمَصائِدَهُ .

1.فتحاموا: اجتنبوها وتوقوها . الشباك ـ جَمعُ شَبَكَة ـ بالتّحريك : شِركَةُ الصَّياد يعني حبائل الصّيد .


مكاتيب الأئمّة ج4
206

66

وصيّته عليه السلام لعبد اللّه بن جُنْدَب ۱

في الحثّ على العبوديّة والتّحذير من الشّيطان

۰.روي أنّه عليه السلام قال :يا عَبدَ اللّهِ ، لَقَد نَصَبَ إبليسُ حبائِلَهُ في دارِ الغُرورِ ، فَما يَقصِدُ فيها إلاّ أولياءَنا ، وَلَقَد جَلَّتِ الآخِرَةُ في أعيُنِهِم حَتّى ما يُريدونَ بِها بَدَلاً.
ثمّ قال : آهٍ آهٍ ، على قُلوبٍ حُشِيَت نوراً ، وَإنّما كانَت الدُّنيا عِندَهُم بِمَنزِلَةِ الشُّجاعِ الأرقَمِ ۲ وَالعَدُوِّ الأعجَمِ ، أنِسوا بِاللّهِ وَاستَوحَشوا مِمّا بهِ استَأنَسَ المُترَفونَ ، أُولئِكَ أوليائي حَقّاً ، وَبِهِم تُكشَفُ كُلُّ فِتنَةٍ وَتُرفَعُ كُلُّ بَلِيَّةٍ .
يا ابنَ جُندَب ، حَقٌّ على كُلِّ مُسلِمٍ يَعرِفُنا أن يَعرِضَ عَمَلَهُ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ على نَفسِهِ ، فَيَكونُ مُحاسِبَ نَفسِهِ ، فَإن رأى حَسَنَةً استَزادَ مِنها ، وَإن رَأى سَيِّئَةً استَغفَرَ مِنها لِئلاّ يَخزى يَومَ القِيامَةِ.
طوبى لِعَبدٍ لَم يَغبِطِ الخاطِئينَ على ما أُوتوا مِن نَعيمِ الدُّنيا وَزَهرَتِها .
طوبى لِعَبدٍ طَلَبَ الآخِرَةَ وَسَعى لَها .
طوبى لِمَن لَم تُلهِهِ الأمانِيُّ الكاذِبَةُ .
ثُمَّ قالَ عليه السلام : رَحِمَ اللّهُ قَوماً كانوا سِراجاً وَمَناراً، كانوا دُعاةً إلَينا بِأعمالِهِم وَمَجهودِ طاقَتِهِم ، لَيسَ كَمَن يُذيعُ أسرارَنا .

1.بضمّ الكاف وسكون النّون وفتح الدّال . هو عبد اللّه بن جندب البجليّ الكوفيّ ، ثقة جليل القدر من أصحاب الصّادق والكاظم والرّضا عليهم السلام ، وإنّه من المخبتين ، وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن عليهماالسلام. كان عابداً رفيع المنزلة لديهما على ما ورد في الأخبار. ولمّا مات رحمه الله قام مقامه عليّ بن مهزيار (راجع : خلاصة الأقوال : ص۱۹۳) .

2.حشيت : أي ملات . والشّجاع ـ بالكسر والضمّ ـ : الحيّة العظيمة الّتي تواثب الفارس ، وربّما قلعت رأس الفارس ، وتكون في الصّحارى ، ويقوم على ذنبه . والأرقَم : الحيّة الّتي فيها سواد وبياض ، وهو أخبث الحيّات، ويحتمل أن يكون الشّجاع الأقرع ، وهو حيّة قد تمعّط شعر رأسها لكثرة سمّها .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 94200
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي