209
مكاتيب الأئمّة ج4

قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ فَأينَ أطلُبُهُم ؟
قالَ عليه السلام : على رُؤوس الجِبالِ وَأطرافِ المُدِنِ ، وَإذا دَخَلتَ مَدينَةً فَسَل عَمَّن لا يُجاوِرُهُم وَلا يُجاوِرونَهُ ، فَذلِكَ مُؤمِنٌ كما قالَ اللّهُ : «وَ جَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى»۱ ، وَاللّهِ لَقَد كانَ حَبيبُ النَّجّارُ وَحدَهُ .
يا ابنَ جُندَب ، كُلُّ الذُّنوبِ مَغفورَةٌ سِوى عُقوقِ أهلِ دَعوَتِكَ . وَكُلُّ البِرِّ مَقبولٌ إلاّ ما كانَ رِئاءً .
يا ابنَ جُندَب ، أحبِب في اللّهِ وَاستَمسِك بِالعُروَةِ الوُثقى ، وَاعتَصِم بِالهُدى ، يُقبَل عَمَلُكَ فَإنَّ اللّهَ يَقولُ : « إلا مَنَ آمَن وَ عَمِلَ صَــلِحًا ثُمَّ اهْتَدَى » ۲ فَلا يُقبَلُ إلاّ الإيمانُ ، وَلا إيمانَ إلاّ بِعَمَلٍ ، وَلا عَمَلَ إلاّ بِيَقينٍ ، وَلا يَقينَ إلاّ بِالخُشوعِ ، وَمِلاكُها كُلِّها الهُدى ، فَمَن اهتَدى يُقبَلُ عَمَلهُ وَصَعِدَ إلى المَلَكوتِ مُتَقَبَّلاً «وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَ اطٍ مُّسْتَقِيمٍ »۳ .
يا ابنَ جُندَب ، إن أحبَبتَ أن تجاوِرَ الجَليلَ في دارِهِ وَتَسكُنَ الفِردَوسَ في جِوارِهِ فَلتَهُن عَلَيكَ الدُّنيا ، وَاجعَل المَوتَ نُصبَ عَينِكَ ، وَلا تَدَّخِر شَيئاً لِغَدٍ ، وَاعلَم أنّ لَكَ ما قَدَّمتَ وَعَليكَ ما أخَّرتَ .
يا ابنَ جُندَب ، مَن حَرَمَ نفسَهُ كَسبَهُ فإنَّما يَجمَعُ لِغَيرِهِ ، وَمَن أطاعَ هَواهُ فَقَد أطاعَ عَدُوَّهُ ، مَن يَثِقُ بِاللّهِ يَكفِهِ ما أهَمَّهُ مِن أمرِ دُنياهُ وَآخِرَتِهِ ، وَيَحفَظ لَهُ ما غابَ عَنهُ ، وَقَد عَجَزَ مَن لَم يُعِدَّ لِكُلِّ بَلاءٍ صَبراً وَلِكُلِّ نِعمَةٍ شُكراً ، وَلِكُلِّ عُسرٍ يُسراً .
صَبِّر نَفسَكَ عِندَ كُلِّ بَلِيَّةٍ في وَلَدٍ أو مالٍ أو رَزِيَّةٍ ، فَإنَّما يَقبَضُ عارِيَتَهُ وَيَأخُذُ هِبَتَهُ ، لِيَبلُوَ فيهِما صَبرَكَ وَشُكرَكَ . وَارجُ اللّهَ رَجاءً لا يُجَرّيكَ على مَعصِيَتِهِ ، وَخَفهُ خَوفاً لا يُؤيِسُكَ مِن رَحمَتِهِ ، وَلا تَغتَرَّ بِقَولِ الجاهِلِ وَلا بِمَدحِهِ ، فَتَكَبَّرُ وَتَجَبَّرُ وَتُعجَبُ بِعَمَلِكَ ، فإنَّ أفضَلَ العَمَلِ العِبادَةُ وَالتَّواضُعُ .
فلا تُضَيِّع مالَكَ وَتُصلِح مالَ غَيرِكَ ما خَلَّفتَهُ وَراءَ ظَهرِكَ . وَاقنَع بِما قَسَمَهُ اللّهُ لَكَ . وَلا تَنظُر إلاّ إلى ما عِندَكَ . وَلا تَتَمَنَّ ما لَستَ تَنالُهُ ، فإنَّ مَن قَنَعَ شَبِعَ ، وَمَن لَم يَقنَع لَم يَشبَع ، وَخُذ حَظَّكَ مِن

1.القصص:۲۰ ويس:۲۰.

2.في سورة طه الآية (۸۲) : « وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَــلِحًا ثُمَّ اهْتَدَى » .

3.البقرة:۲۱۳ وراجع:البقرة:۱۴۲ والأنعام:۳۹ ويونس:۲۵ والنّور:۴۶ والشّورى:۵۲.


مكاتيب الأئمّة ج4
208

قُلتُ : يا ابنَ رَسولِ اللّهِ وَما هِيَ؟
قال : أمّا مَصائِدُهُ فَصَدٌّ عَن بِرِّ الإخوانِ ، وَأمّا شِباكُهُ فَنَومٌ عَن قَضاءِ الصَّلواتِ الّتي فَرَضَها اللّهُ ، أما إنَّهُ ما يُعبَدُ اللّهُ بِمِثلِ نَقلِ الأقدامِ إلى بِرِّ الإخوانِ وَزِيارَتِهِم . وَيلٌ لِلسّاهينَ عَنِ الصَّلواتِ ، النّائِمينَ فِي الخَلَواتِ ، المُستَهزِئينَ بِاللّهِ وَآياتِهِ في الفَتَراتِ ۱«أُولَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِى الْأَخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » .
يا ابنَ جُندَب ، مَن أصبَحَ مَهموماً لسِوى فِكاكِ رَقَبَتِهِ فَقَد هَوَّنَ عَلَيهِ الجَليلَ ، وَرَغِبَ من رَبِّهِ في الرِّبحِ الحَقيرِ ، وَمَن غَشَّ أخاهُ وَحَقَّرَهُ وَناواهُ ۲ جَعَلَ اللّهُ النّارَ مَأواهُ ، وَمَن حَسَدَ مُؤمِناً انماثَ الإيمانُ في قَلبِهِ كَما يَنماثُ المِلحُ في الماءِ .
يا ابنَ جُندَب ، الماشي في حاجَةِ أخيهِ كالسّاعي بَينَ الصَّفا وَالمَروَةِ ، وَقاضي حاجَتِهِ كالمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ في سَبيلِ اللّهِ يَومَ بَدرٍ وَأُحُدٍ ، وَما عَذَّبَ اللّهُ أُمَّةً إلاّ عِندَ استِهانَتِهِم بِحُقوق فُقراءِ إخوانِهِم .
يا ابنَ جُندَب ، بَلِّغ مَعاشِرَ شيعَتِنا وَقُل لَهُم : لا تَذهَبَنَّ بِكُمُ المَذاهِبُ ، فَوَ اللّهِ لا تُنالُ وَلايَتُنا إلاّ بِالوَرَعِ وَالاجتِهادِ في الدُّنيا وَمُواساةِ الإخوانِ في اللّهِ ، وَلَيسَ مِن شيعَتِنا مَن يَظلِمُ النّاسَ .
يا ابنَ جُندَب ، إنَّما شيعَتُنا يُعرَفونَ بِخِصالٍ شَتّى : بِالسَّخاءِ وَالبَذلِ لِلإخوانِ وَبِأن يُصَلّوا الخَمسينَ لَيلاً وَنَهاراً .
شيعَتُنا لا يَهِرُّونَ هَريرَ الكَلبِ ، وَلا يَطمَعونَ طَمَعَ الغُرابِ ، وَلا يُجاورِونَ لَنا عَدُوّاً وَلا يَسألونَ لَنا مُبغِضاً وَلَو ماتوا جوعاً.
شيعَتُنا لا يأكُلونَ الجِرّي ۳ ، وَلا يَمسَحونَ عَلى الخُفَّينِ ، وَيُحافِظونَ على الزَّوالِ ولا يَشرَبونَ مُسكِراً.

1.الفترة : الضّعف والإنكساء والمراد بها زمان ضعف الدّين .

2.أي عاداه وأصله الهمزة من النّوء . بمعنى النّهوض والطّلوع .

3.الجرّي ـ كذمّي ـ : سمك طويل أملس وليس عليه فصوص . قيل : مار ماهي.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 95377
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي