221
مكاتيب الأئمّة ج4

يَوماً ، فأذاعوا ذلِكَ وأفشَوهُ ، فَحَبَسَ عَنهُم القَطرَ أربعينَ سَنَةً ، وَأنتُم قَد قَرُبَ أمرُكُم فَأذعتُموه في مَجالِسِكُم .
يا أبا جَعفَر ، ما لَكُم ولِلنّاسِ ؟ كُفّوا عَنِ النّاسِ وَلا تَدعوا أحَداً إلى هذا الأمرِ ۱ ، فَوَ اللّهِ لَو أنّ أهلَ السَّماواتِ (وَالأرضِ) اجتَمَعوا على أن يُضِلّوا عَبداً يُريدُ اللّهُ هُداهُ ما استَطاعوا أن يُضِلّوهُ . كُفّوا عَنِ النّاسِ وَلا يَقُل أحَدُكُم : أخي وَعَمّي وَجاري . فإنّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً طَيَّبَ روحَهُ فلا يَسمَعُ معروفاً إلاّ عَرَفَهُ وَلا مُنكراً إلاّ أنكَرَهُ ، ثُمَّ قَذَفَ اللّهُ في قَلبِهِ كَلِمَةً يَجمَعُ بِها أمرَهُ .
يا ابنَ النُّعمانِ ، إن أرَدتَ أن يَصفوَ لَكَ وُدُّ أخيكَ فلا تُمازِحَنَّهُ وَلا تُمارِيَنَّهُ وَلا تُباهِيَنَّهُ وَلا تُشارَّنَّهُ ، وَلا تُطلِع صديقَكَ مِن سِرِّكَ إلاّ على ما لَوِ اطّلَعَ عَلَيهِ عَدُوُّكَ لَم يَضُرَّكَ ، فإنَّ الصّديقَ قَد يَكونُ عَدُوَّكَ يَوماً .
يا ابنَ النُّعمانِ ، لا يَكونُ العَبدُ مُؤمِناً حَتّى يَكونَ فيهِ ثَلاثُ سُنَنٍ : سُنَّةٌ مِنَ اللّهِ وَسُنَّةٌ مِن رَسولِهِ وَسُنَّةٌ مِنَ الإمامِ.
فأمّا السُّنَّةُ مِنَ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، فَهُو أن يَكونَ كَتوماً لِلأسرارِ ، يَقولُ اللّهُ جَلَّ ذِكرُهُ : « عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا »۲ .
وَأمّا الّتي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَهُو أن يُداريَ النّاسِ وَيُعامِلَهُم بِالأخلاقِ الحَنيفِيَّةِ .
وَأمّا الّتي مِنَ الإمامِ ، فَالصَّبرُ فِي البَأساءِ وَالضَّرّاءِ حَتّى يأتِيَهُ اللّهُ بِالفَرَجِ .
يا ابنَ النّعمان ، لَيسَتِ البلاغَةُ بِحِدَّةِ اللّسانِ ، وَلا بِكَثرَةِ الهَذَيانِ ، وَلكِنَّها إصابَةُ المَعنى

1.أي كُفُّوا عن دعوتهم إلى دين الحقّ في زمن شدّة التّقيّة. قال عليه السلام : هذا في زمان العُسرَةِ والشِّدّة على المؤمنين في الدولة العبّاسيّة ، وحاصل الكلام أن من يريد اللّه هداه لن يستطيع أحد أن يضلّه وهكذا من لم يرد اللّه أن يهديه لن يستطيع أحد أن يهديه . ورواه الكليني عن ثابت بن سعيد: لا تدعو أحداً إلى أمركم فو اللّه لو أنّ أهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبداً يريد اللّه ضلالته ما استطاعوا على أن يهدوه ولو أنّ أهل السّماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلّوا عبدا . . . إلخ ( راجع : الكافي : ج۲ ص۲۱۳ ) .

2.الجن:۲۶.


مكاتيب الأئمّة ج4
220

أبي وَأذاعَ سِرَّهُ فأذاقَهُ اللّهُ حَرَّ الحَديدِ . وَإنَّ أبا الخطّابِ ۱ كَذَّبَ عَلَيَّ وَأذاعَ سَرّي فَأذاقَهُ اللّهُ حَرَّ الحَديدِ . وَمَن كَتَمَ أمرَنا زَيَّنَهُ اللّهُ بِهِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَأعطاهُ حَظَّهُ وَوَقاهُ حَرَّ الحَديدِ وَضيقَ المَحابِسِ .
إنَّ بني إسرائيلَ قَحَطوا حتّى هَلَكَت المَواشي وَالنَّسلُ ، فَدَعا اللّهَ مُوسى بنُ عِمرانَ عليه السلام فَقالَ : يا موسى إنَّهُم أظهَروا الزِّنا وَالرِّبا وَعَمَروا الكَنائِسَ وَأضاعوا الزَّكاةَ . فَقالَ : إلهي ! تَحَنَّن ۲ بِرَحمَتِكَ عَلَيهِم ، فَإنَّهُم لا يَعقِلونَ . فَأوحى اللّهُ إليهِ : أنّي مُرسِلٌ قَطرَ السَّماءِ وَمُختَبِرُهُم بَعدَ أربعينَ

1.أبو الخطّاب وأمّا أبو الخطّاب فهو محمّد بن مقلاص أبي زينب الأسديّ الكوفيّ البرّاد ، يكنّى أبا ظبيان ، غالٍ ملعون من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام في أوّل أمره ، ثمّ أصابه ما أصاب المغيرة فانسلخ من الدّين وكفر ، وردت روايات كثيرة في ذمّه ولعنه وحكي عن قاضي نعمان أنّه ممّن استحلّ المحارم كلّها ورخّص لأصحابه فيها ، وكانوا كلّما ثقل عليهم أداء فرض أتوه فقالوا : يا أبا الخطّاب خفّف عنّا ، فيأمرهم بتركه حتّى تركوا جميع الفرائض ، واستحلّوا جميع المحارم ، وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزّور وقال : من عرف الإمام حلّ له كلّ شيء كان حرم عليه ، فبلغ أمره جعفر بن محمّد عليه السلام فلم يقدر عليه بأكثر من أن يلعنه ويتبرّأ منه ، وجمع أصحابه فعرّفهم ذلك ، وكتب إلى البلدان بالبراءة منه وباللّعنة عليه ، وعظم أمره على أبي عبد اللّه عليه السلام واستفظعه واستهاله ، انتهى . ولعنه الصّادق عليه السلام ودعا عليه باذاقة حرّ الحديد ، فاستجاب اللّه دعاءه فقتله عيسى بن موسى العبّاسيّ والي الكوفة . (راجع : رجال الطّوسي : ص ۲۹۶ الرّقم ۴۳۲۱ ، خلاصة الأقوال : ص ۳۹۲ ، رجال الكشّي : ج ۲ ص ۵۷۵ ح ۴۰۹) .

2.تحنّن عليه : ترحّم عليه .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113076
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي