يَوماً ، فأذاعوا ذلِكَ وأفشَوهُ ، فَحَبَسَ عَنهُم القَطرَ أربعينَ سَنَةً ، وَأنتُم قَد قَرُبَ أمرُكُم فَأذعتُموه في مَجالِسِكُم .
يا أبا جَعفَر ، ما لَكُم ولِلنّاسِ ؟ كُفّوا عَنِ النّاسِ وَلا تَدعوا أحَداً إلى هذا الأمرِ ۱ ، فَوَ اللّهِ لَو أنّ أهلَ السَّماواتِ (وَالأرضِ) اجتَمَعوا على أن يُضِلّوا عَبداً يُريدُ اللّهُ هُداهُ ما استَطاعوا أن يُضِلّوهُ . كُفّوا عَنِ النّاسِ وَلا يَقُل أحَدُكُم : أخي وَعَمّي وَجاري . فإنّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً طَيَّبَ روحَهُ فلا يَسمَعُ معروفاً إلاّ عَرَفَهُ وَلا مُنكراً إلاّ أنكَرَهُ ، ثُمَّ قَذَفَ اللّهُ في قَلبِهِ كَلِمَةً يَجمَعُ بِها أمرَهُ .
يا ابنَ النُّعمانِ ، إن أرَدتَ أن يَصفوَ لَكَ وُدُّ أخيكَ فلا تُمازِحَنَّهُ وَلا تُمارِيَنَّهُ وَلا تُباهِيَنَّهُ وَلا تُشارَّنَّهُ ، وَلا تُطلِع صديقَكَ مِن سِرِّكَ إلاّ على ما لَوِ اطّلَعَ عَلَيهِ عَدُوُّكَ لَم يَضُرَّكَ ، فإنَّ الصّديقَ قَد يَكونُ عَدُوَّكَ يَوماً .
يا ابنَ النُّعمانِ ، لا يَكونُ العَبدُ مُؤمِناً حَتّى يَكونَ فيهِ ثَلاثُ سُنَنٍ : سُنَّةٌ مِنَ اللّهِ وَسُنَّةٌ مِن رَسولِهِ وَسُنَّةٌ مِنَ الإمامِ.
فأمّا السُّنَّةُ مِنَ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، فَهُو أن يَكونَ كَتوماً لِلأسرارِ ، يَقولُ اللّهُ جَلَّ ذِكرُهُ : « عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا »۲ .
وَأمّا الّتي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَهُو أن يُداريَ النّاسِ وَيُعامِلَهُم بِالأخلاقِ الحَنيفِيَّةِ .
وَأمّا الّتي مِنَ الإمامِ ، فَالصَّبرُ فِي البَأساءِ وَالضَّرّاءِ حَتّى يأتِيَهُ اللّهُ بِالفَرَجِ .
يا ابنَ النّعمان ، لَيسَتِ البلاغَةُ بِحِدَّةِ اللّسانِ ، وَلا بِكَثرَةِ الهَذَيانِ ، وَلكِنَّها إصابَةُ المَعنى