231
مكاتيب الأئمّة ج4

وَرَجَعتُ إلى داري مُغَتمّاً حَزيناً وَلَم أختَلِف إلى مالِكِ بنِ أنسٍ لِما اُشرِبَ قَلبي مِن حُبِّ جَعفَرٍ ، فَما خَرَجتُ مِن داري إلاّ إلى الصَّلاةِ المَكتوبَةِ حَتّى عِيلَ صَبري ، فَلَمّا ضاقَ صَدري تَنَعَّلتُ وَتَرَدَّيتُ وَقَصَدتُ جَعفراً ـ وَكان بَعدَ ما صَلَّيتُ العَصرَ ـ فَلَمّا حَضَرتُ بابَ دارِهِ استَأذَنتُ عَلَيهِ ، فَخَرَج خادِمٌ لَهُ فقالَ : ما حاجَتُكَ؟
فقلتُ : السَّلامُ 1 عَلى الشَّريفِ .
فَقالَ : هُوَ قائِمٌ في مُصَلاّهُ ، فَجَلَستُ بِحذِاءِ بابِهِ ، فَما لَبثِتُ إلاّ يَسيراً ، إذ خرَجَ خادِمٌ لَهُ قالَ : ادخُل عَلى بَرَكَةِ اللّهِ ، فَدَخلتُ وَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ . وَقالَ : اجلِس غَفَرَ اللّهُ لَكَ .
فَجَلَستُ فَأطرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَقالَ : أبو مَن ؟
قلتُ : أبو عَبدِ اللّهِ. قال : ثَبَّتَ اللّهُ كُنيَتَكَ وَوَفَّقَكَ لِمَرضاتِهِ ، يا أبا عَبدِ اللّهِ ما مَسألَتُكَ؟.
قُلتُ في نَفسي : لَو لَم يَكُن لي مِن زِيارَتِهِ وَالتَّسليمِ عَلَيهِ غَيرُ هذا الدُّعاءِ لَكانَ كَثيراً . ثُمَّ أطرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ، ما حاجَتُكَ ؟
قُلتُ : سَألتُ اللّهَ أن يَعطِفَ قَلبَكَ عَلَيَّ وَيَرَزُقَني مِن عِلمِكَ ، وَأرجو أنَّ اللّهَ تَعالى أجابَني في الشَّريفِ ما سَألتُهُ . فَقالَ :
يا أبا عَبدِ اللّهِ ، لَيسَ العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، إنَّما هُوَ نورٌ يَقَعُ في قَلبِ مَن يُريُد اللّهُ تباركَ وَتَعالى أن يَهدِيَهُ ، فإن أرَدتَ العِلمَ فاطلُب أوّلاً مِن نَفسِكَ حَقيقَةَ العُبودِيَّةِ ، وَاطلُب العِلمَ باستِعمالِهِ ، واستَفهِمِ اللّهَ يُفَهِّمكَ .
قُلتُ : يا شريفُ . فَقالَ : قُل : يا أبا عَبدِ اللّهِ .
قُلتُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، ما حَقيقَةُ العُبودِيَّةِ؟ قال : ثَلاثَةُ أشياءَ : أن لا يَرى العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللّهُ إلَيهِ مُلكاً ؛ لِأنَّ العَبيدَ لا يَكونُ لَهُم مُلكٌ ، يَرَونَ المالَ مالَ اللّهِ يَضَعونَهُ حَيثُ أمَرَهُم اللّهُ تَعالى

1.وفي نسخة : « أسلّم » بدل « السلام » .


مكاتيب الأئمّة ج4
230

وَأنَّ لِلأُمورِ بَغَتاتٍ ۱ فَكُن على حَذَرٍ .
وَإيّاكَ وَمُرتَقى جَبَلٍ سهلٌ إذا كانَ المُنحَدَرُ وَعراً. ۲
ولا تَعدَنَّ أخاكَ وَعداً لَيسَ في يَدِكَ وَفاؤهُ . ۳

77

وصيّته عليه السلام لعنوان البصريّ

في أنّ العلم لا يأتي إلاّ بعد العبوديّة

عنوان ۴ البصريّ ۵ ـ وكان شيخاً كبيراً قد أتى عليه أربع وتسعون سنة ـ قال : كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين ، فلمّا حضر جعفر الصّادق عليه السلام المدينة اختلفت إليه وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت من مالك ، فقال لي يوماً:
إنّي رَجُل مَطلوبٌ وَمَعَ ذلِكَ لي أورادٌ في كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللّيلِ وَالنَّهارِ فَلا تَشغَلني عَن وِردي ، فَخُذ عَن مالِكٍ واختَلِف إلَيهِ كما كُنتَ تَختَلِفُ إلَيهِ .
فاغتَمَمتُ مِن ذلِكَ وَخَرَجتُ مِن عِندِهِ ، وَقُلتُ في نَفسي : لَو تَفَرَّسَ فِيَّ خَيراً لَما زَجَرَني عَنِ الاختِلافِ إلَيهِ وَالأخذِ عَنهُ ، فَدَخلتُ مَسجِدَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله وَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ رَجَعتُ مِنَ القَبرِ إلى الرَّوضَةِ وَصَلَّيتُ فيها رَكعَتَينِ ، وَقُلتُ : أسألُكَ يا أللّهُ يا أللّهُ أن تَعطِفَ عَلَيَّ قَلبَ جَعفَرٍ ، وَتَرزُقَني مِن عِلمِهِ ما أهتدي بِهِ إلى صِراطِكَ المُستَقيمِ .

1.البغتات ـ جمع بغتة ـ أي الفجأة.

2.المنحدر: مكان الانحدار أي الهبوط والنّزول. والوعر: ضدّ السّهل أي مكان الصّلب وهو الّذي مخيف الوحش.

3.تحف العقول : ص۳۶۷ ، بحار الأنوار : ج۷۸ ص۲۵۰ ح۹۴ نقلاً عنه .

4.وفي نسخة: «عفان» بدل «عنوان».

5.لم نجد للرّجل ترجمة في المصادر الرّجاليّة بهذا العنوان .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 94193
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي