القُوَّةُ وَالصِّحَةُ اللّتانِ بِهِما تَكونُ حَرَكاتُ الإنسانِ وَفِعلِهِ كانَ سُكونُهُ لعلَّة سُكونِ الشَّهوَةِ . فَقيلَ : ساكِنٌ ، فَوُصِفَ بِالسُّكونِ ، فإذا اشتَهى الإنسانُ وَتَحَرَّكَت شَهوَتُهُ الّتي رُكِّبَت فيهِ اشتَهى الفِعلَ وَتَحَرَّكَت بِالقُوَّةِ المُرَكَّبَةِ فيهِ وَاستَعمَلَ الآلَةَ الّتي بِها يَفعَلُ الفِعلَ فَيَكونُ الفِعلُ مِنهُ عِندَ ما تَحَرَّكَ وَاكتَسَبَهُ . فَقيلَ : فاعِلٌ وَمُتَحرِّكٌ وَمُكتَسِبٌ وَمُستَطيعٌ ، أوَ لا تَرى أنَّ جَميعَ ذلِكَ صِفاتٌ يُوصَفُ بِها الإنسانُ.
وَسَألتَ ـ رَحِمَكَ اللّهُ ـ عَنِ التَّوحيدِ وَما ذَهَبَ إلَيهِ مَن قِبَلَكَ ، فَتَعالى اللّهُ الّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، تَعالى اللّهُ عَمَّا يَصِفُهُ الواصِفونَ المُشَبِّهونَ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى بِخَلقِهِ المُفتَرونَ عَلى اللّهِ عز و جل .
فَاعلَم ـ رَحِمَكَ اللّهُ ـ أنّ المَذهَبَ الصَّحيحَ فِي التَّوحيدِ ما نَزَلَ بهِ القُرآنُ مِن صفاتِ اللّهِ عز و جل ، فَانفِ عَنِ اللّهِ البُطلانَ وَالتَّشبيهَ ، فَلا نَفيَ وَلا تَشبيهَ وَهُوَ اللّهُ الثّابِتَ المَوجودُ ، تَعالى اللّهُ عَمّا يَصِفُهُ الواصِفونَ، ولا تَعدُ القُرآنَ فَتَضِلَّ بَعدَ البَيانِ.
وَسَألتَ رَحِمَكَ اللّهُ عَنِ الإيمانِ، فَالإيمانُ هُوَ: إقرارٌ بِاللّسانِ وَعَقدٌ بِالقَلبِ وَ عَمَلٌ بِالأركانِ ، فَالإيمانُ بَعضُهُ مِن بَعضٍ وَقَد يَكونُ العَبدُ مُسلِماً قَبلَ أن يَكونَ مُوناً ، وَلا يَكونُ مُوناً حَتَّى يَكونَ مُسلِماً فالإسلامُ قَبلَ الإيمانِ وَهُوَ يُشارِكُ الإيمانَ ، فَإذا أتى العَبدُ بِكَبيرَةٍ مِن كَبائِرِ المَعاصي أو صَغيرَةٍ مِن صَغائِرِ المَعاصي الّتي نَهى اللّهُ عز و جل عَنها كانَ خارِجاً مِنَ الإيمانِ وَساقِطاً عَنهُ اسمُ الإيمانِ وَثابِتاً عَلَيهِ اسمُ الإسلامِ ، فَإن تابَ وَاستَغفَرَ عادَ إلى الإيمانِ وَلَم يُخرِجهُ إلى الكُفرِ والجُحودِ وَالاستِحلالِ وَإذا قالَ لِلحَلالِ هذا حَرامٌ وَلِلحَرامِ هذا حَلالٌ وَدانَ بِذلِكَ فَعِندَها يَكونُ خَارِجاً مِنَ الإيمانِ والإسلامِ إلى الكُفرِ وَكانَ بِمَنزِلَةِ رَجُلٍ دَخَلَ الحَرَمَ ثُمَّ دَخَلَ الكَعبَةَ فَأحدَثَ فِي الكَعبَةِ حَدَثاً ، فَأُخرِجَ عَنِ الكَعبَةِ وَعَنِ الحَرَمِ فَضُرِبَت عُنقُهُ وَصارَ إلى النَّارِ . 1