31
مكاتيب الأئمّة ج4

بَصَرٌ لَلَونٌ ، فَما أدرَكَتهُ الأبصارُ وَنالَتهُ الحَواسُّ فَهُوَ غَيرُ اللّهِ سُبحانَهُ ؛ لأنَّهُ لا يُشبِهُ الخَلقَ ، وَأنَّ هذا الخَلقَ يَنتَقِلُ بِتَغييرٍ وَزَوالٍ ، وَكُلُّ شَيءٍ أشبَهَ التَّغييرَ وَالزَّوالَ فَهُوَ مِثلُهُ ، وَلَيسَ المَخلوقُ كالخالِقِ وَلا المُحدَثُ كالمُحدِثِ .
قال: إنَّ هذا لَقَولٌ ، وَلكِنِّي لَمُنكِرٌ ما لَم تُدرِكهُ حَواسّي فَتُويهِ إلى قَلبي، فَلَمّا اعتَصَمَ بِهذِهِ المَقالَةِ وَلزِمَ هذهِ الحُجَّةَ قُلتُ : أمّا إذ أبَيتَ إلاّ أن تَعتَصِمَ بِالجَهالَةِ ، وَتَجعَلَ المُحاجَزَةَ حُجَّةً فَقَد دَخَلتَ في مِثلِ ما عِبتَ وَامتَثلتَ ما كَرِهتَ ، حَيثُ قُلتَ : إنّي اختَرتُ الدَّعوى لِنَفسي ؛ لاِ كُلَّ شَيءٍ لَم تُدرِكهُ حَواسّي عِندي بِلا شَيءٍ .
قال: وَكيفَ ذلِكَ ؟ قُلتُ : لِأَنَّكَ نَقِمتَ عَلى الادِّعاءِ وَدَخلتَ فيهِ ، فَادَّعَيتَ أمراً لَم تُحِط بهِ خُبراً وَلَم تَقُلهُ عِلماً ، فَكَيفَ استَجزتَ لِنَفسِكَ الدَّعوى في إنكارِكَ اللّهَ ، وَدَفعَكَ أعلامَ النُّبُوَّةِ وَالحُجَّةِ الواضِحَةِ وَعِبتَها عَلَيَّ ؟ أخبِرني هَل أحَطتَ بالجِهاتِ كُلِّها وَبَلَغتَ مُنتهاها ؟
قال: لا.
قُلتُ : فَهَل رَقَيتَ إلى السَّماءِ الّتي تَرَى ؟ أو اِنحَدَرتَ إلى الأرضِ السُّفلى فَجُلتَ في أقطارِها ؟ أو هَل خُضتَ في غَمَراتِ البُحورِ وَاختَرَقتَ نَواحِيَ الهَواءِ فيما فَوقَ السَّماءِ وَتَحتَها إلى الأرضِ وما أسفَلَ مِنها فَوَجَدتَ ذلِكَ خَلاءً مِن مُدبِّر حَكيمٍ عَالِمٍ بَصيرٍ ؟
قال: لا.
قُلتُ : فَما يُدريكَ لَعَلَّ الّذي أنكَرَهُ قَلبُكَ هُوَ في بَعضِ ما لَم تُدرِكهُ حَواسُّكَ وَلَم يُحِط بِهِ عِلمُكَ .
قال: لا أدري لَعَلَّ في بَعضِ ما ذَكَرتَ مُدَبّراً، وَما أدري لَعَلَّهُ لَيسَ في شَيءٍ من


مكاتيب الأئمّة ج4
30

ثُمَّ قالَ : أخبِرني بِمَ تَحتَجُّ في مَعرِفَةِ رَبِّكَ الّذي تَصِفُ قُدرَتَهُ وَرُبوبِيَّتَهُ ، وَإنَّما يَعرِفُ القَلبُ الأشياءَ كُلَّها بالدّلالاتِ الخَمسِ الّتي وَصَفتُ لَكَ .
قُلتُ : بِالعَقلِ الّذي في قَلبي ، وَالدَّليلِ الّذي أحتَجُّ بِهِ في مَعرِفَتِهِ .
قال: فَأنّى يَكونُ ما تَقولُ وَأنتَ تَعرِفُ أنَّ القَلبَ لا يَعرِفُ شَيئاً بِغَيرِ الحَواسّ الخَمسِ ؟ فَهَل عايَنتَ رَبَّكَ بِبَصَرِ ، أو سَمِعتَ صَوتَهُ بِأُذُنٍ ، أو شَمَمتَةُ بِنَسيمٍ ، أو ذُقتَهُ بِفَمٍ ، أو مَسَستهُ بِيَدٍ ، فَأدّى ذلِكَ المَعرِفَةَ إلى قَلبِكَ ؟ قُلتُ : أرَأيتَ إذ أنكَرتَ اللّهَ وَجَحَدتَهُ ـ لِأنّكَ زَعَمتَ أنَّكَ لا تُحِسُّهُ بِحَواسّكَ الّتي تَعرِفُ بِها الأشياءَ ـ وَأقرَرتُ أنا بِهِ هَل بُدٌّ مِن أن يَكونَ أحَدُنا صادِقاً وَالآخَرُ كاذِباً؟
قال : لا .
قُلتُ : أرَأيتَ إن كانَ القَولُ قَولُكَ فَهَل يُخافُ عَلَيَّ شَيءٌ مِمّا أُخَوّفُكَ بِهِ مِن عِقابِ اللّهِ؟
قال: لا.
قُلتُ : أَفَرَأيتَ إن كانَ كما أقولُ وَالحَقُّ في يَدي ، ألَستُ قَد أخَذتُ فيما كُنتُ اُحاذِرُ مِن عِقابِ الخَالِقِ بِالثِّقَةِ ، وَأَنَّكَ قَد وَقَعتَ بِجُحودِكَ وَإنكارِكَ في الهَلَكَةِ؟
قال: بلى.
قُلتُ : فَأيُّنا أولى بِالحَزمِ وَأقرَبُ مِنَ النَّجاةِ؟ قالَ : أنتَ ، إلاّ أنَّكَ مِن أمرِكَ عَلى ادِّعاءٍ وَشُبَهةٍ ، وَأنا على يَقينٍ وَثِقَةٍ ، لِأنّي لا أرَى حَواسّيَ الخَمسَ أدرَكَتهُ ، وَما لَم تُدرِكهُ حواسّي فَلَيسَ عِندي بِمَوجودٍ .
قُلتُ : إنَّهُ لَمَّا عَجَزَت حَواسُّكَ عَن إدراكِ اللّهِ أنكَرَتهُ ، وَأنا لَمّا عَجَزَت حَواسّي عَن إدراكِ اللّهِ تَعالى صَدَّقتُ بهِ .
قالَ : وَكيفَ ذلِكَ؟ قُلتُ : لِأَنَّ كُلَّ شَيءٍ جَرى فيهِ أثَرُ تَركيبٍ لَجِسمٌ ، أو وَقَعَ عَلَيهِ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 114633
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي