بَصَرٌ لَلَونٌ ، فَما أدرَكَتهُ الأبصارُ وَنالَتهُ الحَواسُّ فَهُوَ غَيرُ اللّهِ سُبحانَهُ ؛ لأنَّهُ لا يُشبِهُ الخَلقَ ، وَأنَّ هذا الخَلقَ يَنتَقِلُ بِتَغييرٍ وَزَوالٍ ، وَكُلُّ شَيءٍ أشبَهَ التَّغييرَ وَالزَّوالَ فَهُوَ مِثلُهُ ، وَلَيسَ المَخلوقُ كالخالِقِ وَلا المُحدَثُ كالمُحدِثِ .
قال: إنَّ هذا لَقَولٌ ، وَلكِنِّي لَمُنكِرٌ ما لَم تُدرِكهُ حَواسّي فَتُويهِ إلى قَلبي، فَلَمّا اعتَصَمَ بِهذِهِ المَقالَةِ وَلزِمَ هذهِ الحُجَّةَ قُلتُ : أمّا إذ أبَيتَ إلاّ أن تَعتَصِمَ بِالجَهالَةِ ، وَتَجعَلَ المُحاجَزَةَ حُجَّةً فَقَد دَخَلتَ في مِثلِ ما عِبتَ وَامتَثلتَ ما كَرِهتَ ، حَيثُ قُلتَ : إنّي اختَرتُ الدَّعوى لِنَفسي ؛ لاِ كُلَّ شَيءٍ لَم تُدرِكهُ حَواسّي عِندي بِلا شَيءٍ .
قال: وَكيفَ ذلِكَ ؟ قُلتُ : لِأَنَّكَ نَقِمتَ عَلى الادِّعاءِ وَدَخلتَ فيهِ ، فَادَّعَيتَ أمراً لَم تُحِط بهِ خُبراً وَلَم تَقُلهُ عِلماً ، فَكَيفَ استَجزتَ لِنَفسِكَ الدَّعوى في إنكارِكَ اللّهَ ، وَدَفعَكَ أعلامَ النُّبُوَّةِ وَالحُجَّةِ الواضِحَةِ وَعِبتَها عَلَيَّ ؟ أخبِرني هَل أحَطتَ بالجِهاتِ كُلِّها وَبَلَغتَ مُنتهاها ؟
قال: لا.
قُلتُ : فَهَل رَقَيتَ إلى السَّماءِ الّتي تَرَى ؟ أو اِنحَدَرتَ إلى الأرضِ السُّفلى فَجُلتَ في أقطارِها ؟ أو هَل خُضتَ في غَمَراتِ البُحورِ وَاختَرَقتَ نَواحِيَ الهَواءِ فيما فَوقَ السَّماءِ وَتَحتَها إلى الأرضِ وما أسفَلَ مِنها فَوَجَدتَ ذلِكَ خَلاءً مِن مُدبِّر حَكيمٍ عَالِمٍ بَصيرٍ ؟
قال: لا.
قُلتُ : فَما يُدريكَ لَعَلَّ الّذي أنكَرَهُ قَلبُكَ هُوَ في بَعضِ ما لَم تُدرِكهُ حَواسُّكَ وَلَم يُحِط بِهِ عِلمُكَ .
قال: لا أدري لَعَلَّ في بَعضِ ما ذَكَرتَ مُدَبّراً، وَما أدري لَعَلَّهُ لَيسَ في شَيءٍ من