35
مكاتيب الأئمّة ج4

يُشَدِّدُها ، وَلَعَفِنَت عِندَ ذلِكَ ، وَلَو لَم يَصِل إلَيها حَرُّ الشَّمسِ لَمَا نَضِجَت ، وَلكِن شَمسٌ مَرَّةً وَريحٌ مَرَّةً وَبَردٌ مَرَّةً ، قَدَّرَ اللّهُ ذلِكَ بِقُوَّةٍ لَطيفَةٍ وَدَبَّرَهُ بِحكمَةٍ بالِغَةٍ .
قال: حَسبي مِنَ التّصويرِ فَسّر لِيَ التَّدبيرَ الّذي زَعَمتَ أنَّكَ تُرينيهِ .
قُلتُ : أرَأيتَ الإهليلجَةَ قَبلَ أن تُعقَدَ ؟ إذ هِيَ في قَمعِها ماءٌ بِغَيرِ نَواةٍ وَلا لَحمٍ وَلا قِشرٍ ، وَلا لَونٍ ولا طَعمٍ ولا شِدَّةٍ ؟
قال : نَعَم .
قُلتُ : أرَأيتَ لَو لَم يَرفُقِ الخالِقُ ذلِكَ الماءَ الضَّعيفَ الّذي هُوَ مِثلُ الخَردَلَةِ فِي القِلَّةِ وَالذِلَّةِ ، وَلَم يُقَوِّهِ بِقُوَّتِهِ وَيُصَوِّرهُ بِحِكمَتِهِ وَيُقَدِّرهُ بِقُدرَتِهِ ، هَل كانَ ذلِكَ الماءُ يَزيدُ عَلى أن يَكونَ في قَمعِهِ غَيرَ مَجموعٍ بِجِسمٍ وَقَمعٍ وَتَفصيلٍ ؟ فَإن زادَ زادَ ماءاً مُتراكِباً غَيرَ مَصُوَّرٍ وَلا مُخَطَّطٍ وَلا مُدَبَّرٍ بِزِيادَةِ أَجزاءٍ وَلا تَأليفِ أطباقٍ .
قال: قَد أرَيتَني مِن تَصويرِ شَجَرَتِها وَتَأليفِ خِلقَتِها ، وَحَملِ ثَمَرَتِها وَزِيادَةِ أجزائِها وَتَفصيلِ تَركيبِها أوضَحَ الدِّلالاتِ ، وَأظهَرَ البَيّنَةِ عَلى مَعرِفَةِ الصّانِع ، وَلَقَد صَدَّقتُ بأنَّ الأشياءَ مَصنوعَةً ، وَلكنِّي لا أدري لَعَلَّ الإهليلجَةَ وَالأشياءَ صَنَعَت أنفُسَها؟
قُلتُ : أوَ لَستَ تَعلَمُ أنَّ خالِقَ الأشياءِ والإهليلجَةَ حَكيمٌ عالِمٌ بِما عايَنتَ مِن قُوَّةِ تَدبيرِهِ ؟
قال: بلى.
قُلتُ : فَهَل يَنبَغي لِلَّذي هُوَ كذلِكَ أن يَكونَ حَدَثاً؟
قال : لا .
قُلتُ : أفَلَستَ قَد رَأيتَ الإهليلجَةَ حينَ حَدَثَت ، وَعايَنتَها بَعدَ أن لَم تَكُن شَيئاً ثُمَّ هَلَكَت كَأن لَم تَكُن شَيئاً؟


مكاتيب الأئمّة ج4
34

قال: نَعَم .
قُلتُ : فَهَل يَحتَمِلُ عَقلُكَ أنَّ الشَّجَرَةَ الّتي تَبلغُ أصلُها وَعُروقُها وَفُروعُها ولِحاوها وَكُلُّ ثَمَرَةٍ جُنِيَت ، وَوَرَقَةٍ سَقَطَت ألفَ ألفَ رِطلٍ ، كانَت كامِنَةً في هذهِ الإهليلجَةِ؟
قال: ما يَحتَمِلُ هذا العَقلُ وَلا يَقبَلُهُ القَلبُ .
قُلتُ : أقرَرت أنَّها حَدَثَت فِي الشَّجَرَةِ؟
قال: نعم ، وَلكنّي لا أعرِفُ أنَّها مَصنوعَةٌ ، فَهَل تَقدِرُ أن تُقَرِّرَني بِذلِكَ ؟
قلتُ : نعم ، أرَأيتَ أنِّي إن أرَيتُكَ تَدبيراً ، أتُقِرُّ أنَّ لَهُ مُدَبّراً ؟ وتصويراً أنَّ لَهُ مُصَوِّراً ؟
قال: لا بُدّ مِن ذلِكَ .
قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هَذهِ الإهليلجَةَ لَحمٌ رُكِّبَ عَلى عَظمٍ ، فَوُضِعَ في جَوفٍ مُتَّصِلٍ بِغُصنٍ مُرَكَّبٍ عَلى ساقٍ يَقومُ عَلى أصلٍ ، فَيَقوى بِعُروقٍ مِن تَحتِها عَلى جُرمٍ مُتَّصِلٍ بَعضٌ بِبَعضٍ ؟
قالَ : بلى .
قُلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هذهِ الإهليلجَةَ مُصَوَّرَةٌ بِتَقديرٍ وَتَخطيطٍ ، وَتَأليفٍ وَتَركيبٍ ، وَتَفصيلٍ مُتَداخِلٍ بِتأليفِ شَيءٍ في بَعضِ شَيءٍ ، بِهِ طَبَقٌ بَعدَ طَبقٍ وَجِسمٌ عَلى جِسمٍ وَلَونٌ مَعَ لَونٍ ، أبيَضُ في صُفرَةٍ ، وَلَيِّنٌ عَلى شَديدٍ ، في طبائِعَ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَطَرائِقَ مُختَلِفَةٍ ، وَأجزاءَ مُولِفَةٍ مَعَ لِحاءٍ تَسقيها، وَعُروقٍ يَجري فيها الماءُ ، وَوَرَقٍ يَستُرُها وَتَقيها مِنَ الشَّمسِ أن تُحرِقَها ، وَمِنَ البَردِ أن يُهلِكَها ، وَالرّيحِ أن تُذبِلَها ؟
قال: أفَلَيسَ لَو كانَ الوَرَقُ مُطَبَّقاً عَلَيها كانَ خَيراً لَها ؟
قُلتُ : اللّهُ أحسَنُ تَقديراً ، لَو كانَ كَما تَقولُ لَم يَصِل إلَيها ريحٌ يُرَوِّحُها ، ولا بَردٌ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 114590
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي