37
مكاتيب الأئمّة ج4

وَدَبَّرَت خَلقَها قَبلَ أن تَكونَ ، إنَّ هذا مِن أوضَحِ الباطِلِ وَأبيَنِ الكَذِبِ ! لأنّها قَبلَ أن تَكونَ لَيسَ بِشَيءٍ ، فَكَيفَ يَخلُقُ لا شَيءٌ شَيئاً؟ وَكَيفَ تَعيبُ قَولي : إنَّ شَيئاً يَصنَعُ لا شَيئاً ، وَلا تَعيبُ قَولَكَ : إنَّ لا شيءَ يَصنَعُ لا شَيئاً؟ فَانظُر أيَّ القَولَينِ أولى بِالحَقِّ؟
قَال : قَولُكَ .
قُلتُ : فَما يَمنَعُكَ مِنهُ ؟
قال : قَد قَبِلتُهُ وَاستَبانَ لي حَقُّهُ وَصِدقُهُ ، بأنَّ الأشياءَ المُختَلِفَةَ والإهليلجَةَ لَم يَصنَعنَ أنفُسَهُنَّ ، وَلَم يُدَبِّرنَ خَلقَهُنَّ ، وَلكِنَّهُ تَعَرَّضَ لي أنَّ الشَّجَرَةَ هِيَ الّتي صَنَعَت الإهليلجَةَ لِأَنَّها خَرَجَت مِنها .
قُلتُ : فَمَن صَنَعَ الشَّجَرَةَ ؟
قَال : الإهليلجَةُ الأُخرى !
قُلتُ : اجعَل لِكَلامِكَ غايَةً أنتهي إليها ، فَإمّا أن تقولَ : هُوَ اللّهُ سُبحانَهُ فَيُقبَلُ مِنكَ ، وإمَّا أن تقولَ : الإهليلَجَةُ فَنَسألُكَ .
قال : سَل .
قُلتُ : أخبِرني عَنِ الإهليلجَةِ ، هَل تَنبُتُ مِنها الشَّجَرَةُ إلاّ بَعدَما ماتَت وَبَلِيَت وَبادَت ؟
قال : لا .
قُلتُ : إنَّ الشَّجَرَةَ بَقِيَت بَعدَ هَلاكِ الإهليلجَةِ مِئَةَ سَنَةٍ ، فَمَن كان يَحميها وَيزيدُ فيها ، وَيُدَبّرُ خَلقَها وَيُربِّيها ، وَيُنبِتُ وَرَقَها ؟ مالَكَ بُدٌّ مِن أن تَقولَ : هُوَ الّذي خَلَقَها .
ولَئِن قُلتَ : الإهليلجَةُ وَهِيَ حَيَّةٌ قَبلَ أن تهلِكَ وَتَبلى وَتَصيرَ تُراباً ، وَقَد رَبَّتِ الشَّجَرَةَ وَهِيَ مَيِّتَةٌ ، إنَّ هذا القَولَ مُختَلِفٌ .
قال: لا أقولُ : ذلِكَ .


مكاتيب الأئمّة ج4
36

قال: بلى، وَإنَّما أعطَيتُكَ أنَّ الإهليلجَةَ حَدَثَت ، وَلَم أُعطِكَ أنَّ الصّانِعَ لا يَكونُ حادِثاً لا يَخلُقُ نَفسَهُ .
قُلتُ : ألَم تُعطِني أنَّ الحَكيمَ الخالِقَ لا يَكونُ حَدَثاً ، وَزَعَمتَ أنّ الإهليلجَةَ حَدَثَت ؟ فَقَد أعطَيتَني أنَّ الإهليلجَةَ مَصنوعَةٌ ، فَهُوَ عز و جل صانِعُ الإهليلجَةَ ، وَإن رَجَعتَ إلى أن تَقولَ : إنَّ الإهليلجَةَ صَنَعَت نَفسَها وَدَبَّرت خَلقَها فَما زِدتَ أن أقرَرتَ بِما أنكَرتَ ، وَوَصفتَ صانِعاً مُدَبّراً أصبتَ صِفتَهُ ، وَلكِنَّكَ لَم تَعرِفهُ فَسَمَّيتَهُ بِغَيرِ اسمِهِ ؟
قال: كَيفَ ذلِكَ ؟
قُلتُ : لِأنَّكَ أقرَرتَ بِوجودِ حَكيمٍ لَطيفٍ مُدَبـِّرٍ ، فَلَمّا سَألتُكَ مَن هُوَ ؟ قُلتَ : الإهليلجَةُ .
قَد أقرَرتَ باللّهِ سُبحانَهُ ، وَلكِنَّكَ سَمَّيتَهُ بِغَيرِ اسمِهِ ، وَلَو عَقِلتَ وَفَكَّرتَ لَعَلِمتَ أنَّ الإهليلجَةَ أنقَصُ قُوَّةً مِن أن تَخلُقَ نَفسَها، وَأضَعفُ حيلَةً مِن أن تُدَبِّرَ خَلقَها .
قال: هَل عِندَكَ غَيرُ هذا؟
قُلتُ : نَعَم ، أخبِرني عَن هذهِ الإهليلجَةَ الّتي زَعَمتَ أنَّها صَنَعَت نَفَسَها وَدَبَّرت أمرَها ، كَيفَ صَنَعَت نَفسُها صغيرَةَ الخِلقَةِ ، صَغيرَةَ القُدرَةِ ، ناقِصَةَ القُوَّةِ ، لا تَمتَنِعُ أن تُكسَرَ وَتُعصَرَ وَتُولَ ؟ وَكَيفَ صَنَعَت نَفسَها مَفضولَةً مَأكولَةً ، مُرَّةً قَبيحَةَ المَنظَرِ ، لا بَهاءَ لَها وَلا ماءَ ؟
قال: لِأَنَّها لَم تَقوَ إلاّ عَلى ما صَنَعت نَفسَها ، أوَ لَم تَصنَع إلاّ ما هَويتَ ؟
قُلتُ : أمّا إذ أبيتَ إلاّ التّمادِيَ في الباطِلَ ، فَأعلِمني مَتَى خَلَقَت نَفسَها ، وَدَبَّرَت خَلقَها ، قَبلَ أن تَكونَ أو بَعدَ أن كانَت ؟ فَإن زَعَمتَ أنَّ الإهليلجَةَ خَلَقَت نَفسَها بَعدَ ما كانَت فإنَّ هذا لَمِن أبينِ المَحالِ ! كَيفَ تَكونُ مَوجودَةً مَصنوعَةً ثُمَّ تَصنَعُ نَفسَها مَرَّةً أُخرى ؟ فَيصيرُ كَلامُكَ إلى أنَّها مَصنوعَةٌ مَرَّتَينِ ، ولئِن قُلتَ : إنَّها خَلَقَت نَفسَها

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 114591
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي