وَدَبَّرَت خَلقَها قَبلَ أن تَكونَ ، إنَّ هذا مِن أوضَحِ الباطِلِ وَأبيَنِ الكَذِبِ ! لأنّها قَبلَ أن تَكونَ لَيسَ بِشَيءٍ ، فَكَيفَ يَخلُقُ لا شَيءٌ شَيئاً؟ وَكَيفَ تَعيبُ قَولي : إنَّ شَيئاً يَصنَعُ لا شَيئاً ، وَلا تَعيبُ قَولَكَ : إنَّ لا شيءَ يَصنَعُ لا شَيئاً؟ فَانظُر أيَّ القَولَينِ أولى بِالحَقِّ؟
قَال : قَولُكَ .
قُلتُ : فَما يَمنَعُكَ مِنهُ ؟
قال : قَد قَبِلتُهُ وَاستَبانَ لي حَقُّهُ وَصِدقُهُ ، بأنَّ الأشياءَ المُختَلِفَةَ والإهليلجَةَ لَم يَصنَعنَ أنفُسَهُنَّ ، وَلَم يُدَبِّرنَ خَلقَهُنَّ ، وَلكِنَّهُ تَعَرَّضَ لي أنَّ الشَّجَرَةَ هِيَ الّتي صَنَعَت الإهليلجَةَ لِأَنَّها خَرَجَت مِنها .
قُلتُ : فَمَن صَنَعَ الشَّجَرَةَ ؟
قَال : الإهليلجَةُ الأُخرى !
قُلتُ : اجعَل لِكَلامِكَ غايَةً أنتهي إليها ، فَإمّا أن تقولَ : هُوَ اللّهُ سُبحانَهُ فَيُقبَلُ مِنكَ ، وإمَّا أن تقولَ : الإهليلَجَةُ فَنَسألُكَ .
قال : سَل .
قُلتُ : أخبِرني عَنِ الإهليلجَةِ ، هَل تَنبُتُ مِنها الشَّجَرَةُ إلاّ بَعدَما ماتَت وَبَلِيَت وَبادَت ؟
قال : لا .
قُلتُ : إنَّ الشَّجَرَةَ بَقِيَت بَعدَ هَلاكِ الإهليلجَةِ مِئَةَ سَنَةٍ ، فَمَن كان يَحميها وَيزيدُ فيها ، وَيُدَبّرُ خَلقَها وَيُربِّيها ، وَيُنبِتُ وَرَقَها ؟ مالَكَ بُدٌّ مِن أن تَقولَ : هُوَ الّذي خَلَقَها .
ولَئِن قُلتَ : الإهليلجَةُ وَهِيَ حَيَّةٌ قَبلَ أن تهلِكَ وَتَبلى وَتَصيرَ تُراباً ، وَقَد رَبَّتِ الشَّجَرَةَ وَهِيَ مَيِّتَةٌ ، إنَّ هذا القَولَ مُختَلِفٌ .
قال: لا أقولُ : ذلِكَ .