43
مكاتيب الأئمّة ج4

وَضيائِهِ ، وَاللّيلُ في سوادِهِ وَظُلمَتِهِ ، يَلِجُ أحدُهُما في الآخَرِ حَتَّى يَنتهي كُلُّ واحِدٍ مِنهُما إلى غايَةٍ مَحدودَةٍ مَعروفَةٍ في الطّولِ وَالقِصَرِ على مَرتِبَةٍ واحِدَةٍ وَمَجرى واحِدٍ ، مَعَ سُكونِ مَن يَسكُنُ في اللَّيلِ ، وَانتِشارِ مَن يَنتَشِرُ فِي اللَّيلِ ، وَانتِشارِ مَن يَنتَشِرُ فِي النَّهارِ ، وَسُكونِ مَن يَسكُنُ فِي النَّهارِ ، ثُمَّ الحَرُّ والبَردُ وَحُلولُ أحدِهِما بِعَقِبِ الآخَرِ حَتّى يَكونَ الحَرُّ بَرداً، وَالبَردُ حَرّاً في وَقتِهِ وإبَّانِهِ ، فَكُلُّ هذا مِمّا يَستَدِلُّ بِهِ القَلبُ عَلى الرَّبِّ سُبحانَهُ وَتَعالى، فَعَرَفَ القَلبُ بِعَقلِهِ أنَّ مَن دَبَّرَ هذهِ الأشياءَ هُوَ الواحِدُ العزيزُ الحَكيمُ الّذي لَم يَزَل ولا يَزالُ ، وَأنَّهُ لَو كانَ في السّماواتِ وَالأرضينَ آلِهَةٌ مَعَهُ سُبحانَهُ لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بِما خَلَقَ ، وَلَعَلا بَعضُهُم عَلى بَعضٍ ، وَلَفَسَدَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم على صاحِبِهِ .
وَكذلِكَ سَمِعَت الأُذُنُ ما أنزَلَ المُدَبِّرُ مِنَ الكُتُبِ تَصديقاً لِما أدرَكَتهُ القُلوبُ بِعُقولِها ، وَتَوفيقِ اللّهِ إيَّاها ، وَما قالَهُ مَن عَرَفَهُ كُنهَ مَعرِفَتِهِ بِلا وَلَدٍ وَلا صاحِبَةٍ وَلا شَريكٍ ، فَأدَّتِ الأُذُنُ ما سَمِعَت مِنَ اللّسانِ بِمقالَةِ الأنبياءِ إلى القَلبِ .
فقال: قَد أتيتَني مِن أبوابٍ لَطيفَةٍ بِما لَم يَأتنِي بِهِ أحَدٌ غَيرُكَ ، إلاّ أنَّهُ لا يَمنَعُني مِن تَركِ ما في يَديَّ إلاّ الإيضاحُ والحُجَّةُ القَويَّةُ بِما وَصَفتَ لي وَفَسَّرتَ .
قُلتُ : أمّا إذا حُجِبتَ عَنِ الجَوابِ وَاختَلَفَ مِنكَ المَقالُ فَسَيأتيكَ مِنَ الدّلالَةِ مِن قِبَلِ نَفسِكَ خاصَّةً ما يَستَبينُ لَكَ أنَّ الحَواسَّ لا تَعرِفُ شَيئاً إلاّ بِالقَلبِ ، فَهَلَ رَأيتَ فِي المَنامِ أنَّكَ تَأكُلُ وَتَشرَبُ حَتَّى وَصَلَت لَذَّةُ ذلِكَ إلى قَلبِكَ ؟
قال: نَعَم .
قُلتُ : فَهَل رَأيتَ أنَّكَ تَضحَكُ وَتَبكي وَتَجولُ في البُلدانِ الّتي لَم تَرَها وَالّتي قَد رَأيتَها حَتّى تَعلَمَ مَعالِمَ ما رَأيتَ مِنها ؟
قال: نَعَم ما لا اُحصي .


مكاتيب الأئمّة ج4
42

فَيَخرُجُ مُستَقِلاًّ في الهَواءِ يَجتَمِعُ بَعدَ تَفَرُّقِهِ وَيَلتَحِمُ بَعدَ تَزايُلِهِ ، تُفَرِّقُهُ الرّياحُ مِنَ الجِهاتِ كُلّها إلى حَيثُ تَسوقُهُ بِإذنِ اللّهِ رَبِّها ، يَسفُلُ مَرَّةً وَيَعلو أُخرى ، مُتَمَسِّكٌ بِما فيهِ مِنَ الماءِ الكَثيرِ الّذي إذا أزجاهُ صارَت مِنهُ البُحورُ ، يَمُرُّ عَلى الأراضي الكَثيرَةِ وَالبُلدانِ المُتنائِيَةِ لا تَنقُصُ مِنهُ نُقطَةٌ ، حَتّى يَنتَهي إلى ما لا يُحصى مِنَ الفَراسِخ فَيُرسِلُ ما فيهِ قَطرَةً بَعدَ قَطرَةٍ ، وَسَيلاً بَعدَ سَيلٍ ، مُتَتابِعٍ عَلى رِسلِهِ حَتّى يَنقَعُ البِرَكُ وَتَمتلي الفِجاجُ ، وَتَعتَلي الأودِيَةُ بِالسُّيولِ كَأمثالِ الجِبالِ غاصَّةً بِسُيولِها ، مُصمِخَةً الآذانَ لِدَوِّيِّها وَهَديرِها ، فتحيي بِها الأرضَ المَيتَةَ ، فَتُصبِحُ مُخضَرَّةً بَعدَ أن كانَت مُغبَرَّةً ، وَمُعشِبَةً بَعدَ أن كانَت مُجدِبَةً ، قَد كُسِيَت ألواناً مِن نباتِ عُشبٍ ناضِرَةً زاهِرَةً مُزَيَّنَةً مَعاشاً للنّاسِ وَالأنعامِ ، فَإذا أفرَغَ الغَمامُ ماءَهُ أقلَعَ وَتَفَرَّقَ وَذَهَبَ حَيثُ لا يُعايَنُ ولا يُدرى أينَ تَوارى ، فأدَّتِ العَينُ ذلِكَ إلى القَلبِ ، فَعَرَفَ القَلبُ أنَّ ذلِكَ السَّحابَ لَو كانَ بِغَيرِ مُدَبِّرٍ وَكانَ ما وَصَفتُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ ، ما احتَمَل نِصفَ ذلِكَ مِنَ الثّقلِ مِنَ الماءِ ، وإن كانَ هُوَ الّذي يُرسِلُهُ لَما احتَمَلَهُ ألفَي فَرسَخٍ أو أكثَرَ ، وَلَأرسَلَهُ فيما هُوَ أقرَبُ مِن ذلِكَ ، وَلَما أرسَلَهُ قَطرَةً بَعدَ قَطرَةٍ ، بَل كانَ يُرسِلُهُ إرسالاً فَكانَ يَهدِمُ البُنيانَ وَيُفسِدُ النَّباتَ ، وَلَما جازَ إلى بَلَدٍ وَتَرَكَ آخَرَ دونَهُ ، فَعَرَفَ القَلبُ بِالأعلامِ المُنيرَةِ الواضِحَةِ أنَّ مُدَبِّرَ الأُمورِ واحِدٌ ، وأنّهُ لَو كانَ اثنَينِ أو ثَلاثَةً لَكانَ في طولِ هذهِ الأزمِنَةِ وَالأَبدِ وَالدَّهرِ اختِلافٌ فِي التَّدبيرِ وَتَناقُضٌ في الأُمورِ ، وَلَتَأخَّرَ بَعضٌ وَتَقَدَّمَ بَعضٌ ، وَلَكانَ تَسَفَّلَ بَعضُ ما قَد عَلا ، وَلَعَلا بَعضُ ما قَد سَفِلَ ، وَلَطَلَعَ شَيءٌ وَغابَ فَتَأخَّرَ عَن وَقتِهِ أو تَقَدَّمَ ما قَبلَهُ ، فَعَرَفَ القَلبُ بِذلِكَ أنَّ مُدَبِّرَ الأشياءِ ـ ما غابَ مِنها وما ظَهَرَ ـ هُوَ اللّهُ الأوَّلُ ، خالِقُ السَّماءِ وَمُمسِكُها ، وَفارِشُ الأرضِ وَداحيها ، وصانِعُ ما بَينَ ذلِكَ مِمّا عَدَّدنا ، وَغَيرَ ذلِكَ مِمّا لَم يُحصَ .
وَكذلِكَ عايَنَتِ العَينُ اختِلافَ اللَّيلِ والنَّهارِ دائِبَينِ جَديدَينِ لا يَبلَيانِ في طولِ كَرِّهِما ، ولا يَتَغيَّرانِ لِكَثرَةِ اختلافِهِما ، وَلا يَنقُصان عَن حالِهِما ، النَّهارُ في نورِهِ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 114040
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي