وَضيائِهِ ، وَاللّيلُ في سوادِهِ وَظُلمَتِهِ ، يَلِجُ أحدُهُما في الآخَرِ حَتَّى يَنتهي كُلُّ واحِدٍ مِنهُما إلى غايَةٍ مَحدودَةٍ مَعروفَةٍ في الطّولِ وَالقِصَرِ على مَرتِبَةٍ واحِدَةٍ وَمَجرى واحِدٍ ، مَعَ سُكونِ مَن يَسكُنُ في اللَّيلِ ، وَانتِشارِ مَن يَنتَشِرُ فِي اللَّيلِ ، وَانتِشارِ مَن يَنتَشِرُ فِي النَّهارِ ، وَسُكونِ مَن يَسكُنُ فِي النَّهارِ ، ثُمَّ الحَرُّ والبَردُ وَحُلولُ أحدِهِما بِعَقِبِ الآخَرِ حَتّى يَكونَ الحَرُّ بَرداً، وَالبَردُ حَرّاً في وَقتِهِ وإبَّانِهِ ، فَكُلُّ هذا مِمّا يَستَدِلُّ بِهِ القَلبُ عَلى الرَّبِّ سُبحانَهُ وَتَعالى، فَعَرَفَ القَلبُ بِعَقلِهِ أنَّ مَن دَبَّرَ هذهِ الأشياءَ هُوَ الواحِدُ العزيزُ الحَكيمُ الّذي لَم يَزَل ولا يَزالُ ، وَأنَّهُ لَو كانَ في السّماواتِ وَالأرضينَ آلِهَةٌ مَعَهُ سُبحانَهُ لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بِما خَلَقَ ، وَلَعَلا بَعضُهُم عَلى بَعضٍ ، وَلَفَسَدَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم على صاحِبِهِ .
وَكذلِكَ سَمِعَت الأُذُنُ ما أنزَلَ المُدَبِّرُ مِنَ الكُتُبِ تَصديقاً لِما أدرَكَتهُ القُلوبُ بِعُقولِها ، وَتَوفيقِ اللّهِ إيَّاها ، وَما قالَهُ مَن عَرَفَهُ كُنهَ مَعرِفَتِهِ بِلا وَلَدٍ وَلا صاحِبَةٍ وَلا شَريكٍ ، فَأدَّتِ الأُذُنُ ما سَمِعَت مِنَ اللّسانِ بِمقالَةِ الأنبياءِ إلى القَلبِ .
فقال: قَد أتيتَني مِن أبوابٍ لَطيفَةٍ بِما لَم يَأتنِي بِهِ أحَدٌ غَيرُكَ ، إلاّ أنَّهُ لا يَمنَعُني مِن تَركِ ما في يَديَّ إلاّ الإيضاحُ والحُجَّةُ القَويَّةُ بِما وَصَفتَ لي وَفَسَّرتَ .
قُلتُ : أمّا إذا حُجِبتَ عَنِ الجَوابِ وَاختَلَفَ مِنكَ المَقالُ فَسَيأتيكَ مِنَ الدّلالَةِ مِن قِبَلِ نَفسِكَ خاصَّةً ما يَستَبينُ لَكَ أنَّ الحَواسَّ لا تَعرِفُ شَيئاً إلاّ بِالقَلبِ ، فَهَلَ رَأيتَ فِي المَنامِ أنَّكَ تَأكُلُ وَتَشرَبُ حَتَّى وَصَلَت لَذَّةُ ذلِكَ إلى قَلبِكَ ؟
قال: نَعَم .
قُلتُ : فَهَل رَأيتَ أنَّكَ تَضحَكُ وَتَبكي وَتَجولُ في البُلدانِ الّتي لَم تَرَها وَالّتي قَد رَأيتَها حَتّى تَعلَمَ مَعالِمَ ما رَأيتَ مِنها ؟
قال: نَعَم ما لا اُحصي .