قُلتُ : كَيفَ شَبَّهتَ السَّرابَ بِما رَأيتَ في مَنامِكَ مِن أكلِكَ الطَّعامَ الحُلوَ وَالحامِضَ ، وَما رَأيتَ مِنَ الفَرَحِ وَالحُزنِ ؟
قال: لِأنَّ السَّرابَ حَيثُ انتَهيتَ إلى مَوضِعِهِ صارَ لا شَيءَ ، وَكذلِكَ صارَ ما رَأيتُ في مَنامي حينَ انتَبَهتُ !
قُلتُ : فأخبرني ، إن أتَيتُكَ بِأمرٍ وَجَدتَ لَذَّتَهُ في منامِكَ وَخَفَقَ لِذلِكَ قَلبُكَ ، ألَستَ تَعلَمُ أنّ الأمرَ عَلى ما وَصَفتُ لَكَ ؟
قال: بلى .
قُلتُ : فأخبرني ، هَل احتَلَمتَ قَطُّ حَتّى قَضَيتَ في امرَأةٍ نَهمَتَكَ عَرَفتَها أم لَم تَعرِفها ؟
قال: بلى ما لا اُحصيهِ.
قُلتُ : ألَستَ وَجَدتَ لِذلِكَ لَذَّةً عَلى قَدرِ لَذَّتِكَ في يَقَظَتِكَ فَتَنتَبِهُ وَقَد أنزَلتَ الشَّهوَةَ حَتّى تُخرِجَ مِنكَ بِقَدَرِ ما تُخرِجُ مِنكَ في اليَقَظَةِ ، هذا كَسرٌ لِحُجَّتِكَ فِي السَّرابِ .
قال: ما يَرى المُحتَلِمُ في مَنامِهِ شَيئاً إلاّ ما كانَت حَواسُّهُ دَلَّت عَلَيهِ في اليَقَظَةِ .
قُلتُ : ما زِدتَ على أن قَوَّيتَ مَقالَتي ، وَزَعَمتَ أنَّ القَلبَ يَعقِلُ الأشياءَ وَيَعرِفُها بَعدَ ذِهابِ الحَواسِّ وَمَوتِها ، فَكَيفُ أنكَرتَ أنَّ القَلبَ يَعرِفُ الأشياءَ وَهُوَ يَقظانُ مُجتَمِعَةٌ لَهُ حَواسُّهُ ، وَما الّذي عَرَّفَهُ إيّاها بَعدَ مَوتِ الحَواسِّ وَهُوَ لا يَسمَعُ ولا يُبصِرُ ؟ وَلَكُنتَ حقيقاً أن لا تُنكِرَ لَهُ المَعرِفَةَ وَحَواسُّهُ حَيَّةٌ مُجتَمِعَةٌ إذا أقرَرتَ أنّهُ يَنظُرُ إلى الإمرَأةِ بَعدَ ذِهابِ حَواسّهِ حَتَّى نَكَحَها وأصابَ لَذَّتَهُ مِنها ، فَيَنبَغي لِمَن يَعقِلُ حَيثُ وَصَفَ القَلبَ بِما وَصفَهُ بِهِ مِن مَعرِفَتِهِ بِالأشياءِ وَالحَواسِّ ذاهِبَةً ، أن يَعرِفَ أنَّ القَلبَ مُدَبِّرُ الحَواسّ وَمالِكُها وَرائِسُها وَالقاضي عَلَيها ؛ فَإنّهُ ما جَهِلَ