45
مكاتيب الأئمّة ج4

قُلتُ : كَيفَ شَبَّهتَ السَّرابَ بِما رَأيتَ في مَنامِكَ مِن أكلِكَ الطَّعامَ الحُلوَ وَالحامِضَ ، وَما رَأيتَ مِنَ الفَرَحِ وَالحُزنِ ؟
قال: لِأنَّ السَّرابَ حَيثُ انتَهيتَ إلى مَوضِعِهِ صارَ لا شَيءَ ، وَكذلِكَ صارَ ما رَأيتُ في مَنامي حينَ انتَبَهتُ !
قُلتُ : فأخبرني ، إن أتَيتُكَ بِأمرٍ وَجَدتَ لَذَّتَهُ في منامِكَ وَخَفَقَ لِذلِكَ قَلبُكَ ، ألَستَ تَعلَمُ أنّ الأمرَ عَلى ما وَصَفتُ لَكَ ؟
قال: بلى .
قُلتُ : فأخبرني ، هَل احتَلَمتَ قَطُّ حَتّى قَضَيتَ في امرَأةٍ نَهمَتَكَ عَرَفتَها أم لَم تَعرِفها ؟
قال: بلى ما لا اُحصيهِ.
قُلتُ : ألَستَ وَجَدتَ لِذلِكَ لَذَّةً عَلى قَدرِ لَذَّتِكَ في يَقَظَتِكَ فَتَنتَبِهُ وَقَد أنزَلتَ الشَّهوَةَ حَتّى تُخرِجَ مِنكَ بِقَدَرِ ما تُخرِجُ مِنكَ في اليَقَظَةِ ، هذا كَسرٌ لِحُجَّتِكَ فِي السَّرابِ .
قال: ما يَرى المُحتَلِمُ في مَنامِهِ شَيئاً إلاّ ما كانَت حَواسُّهُ دَلَّت عَلَيهِ في اليَقَظَةِ .
قُلتُ : ما زِدتَ على أن قَوَّيتَ مَقالَتي ، وَزَعَمتَ أنَّ القَلبَ يَعقِلُ الأشياءَ وَيَعرِفُها بَعدَ ذِهابِ الحَواسِّ وَمَوتِها ، فَكَيفُ أنكَرتَ أنَّ القَلبَ يَعرِفُ الأشياءَ وَهُوَ يَقظانُ مُجتَمِعَةٌ لَهُ حَواسُّهُ ، وَما الّذي عَرَّفَهُ إيّاها بَعدَ مَوتِ الحَواسِّ وَهُوَ لا يَسمَعُ ولا يُبصِرُ ؟ وَلَكُنتَ حقيقاً أن لا تُنكِرَ لَهُ المَعرِفَةَ وَحَواسُّهُ حَيَّةٌ مُجتَمِعَةٌ إذا أقرَرتَ أنّهُ يَنظُرُ إلى الإمرَأةِ بَعدَ ذِهابِ حَواسّهِ حَتَّى نَكَحَها وأصابَ لَذَّتَهُ مِنها ، فَيَنبَغي لِمَن يَعقِلُ حَيثُ وَصَفَ القَلبَ بِما وَصفَهُ بِهِ مِن مَعرِفَتِهِ بِالأشياءِ وَالحَواسِّ ذاهِبَةً ، أن يَعرِفَ أنَّ القَلبَ مُدَبِّرُ الحَواسّ وَمالِكُها وَرائِسُها وَالقاضي عَلَيها ؛ فَإنّهُ ما جَهِلَ


مكاتيب الأئمّة ج4
44

قُلتُ : هَل رأيتَ أحَداً مِن أقارِبِكَ مِن أخٍ أو أبٍ أو ذي رَحِمٍ قَد ماتَ قَبلَ ذلِكَ حَتَّى تَعلَمَهُ وَتَعرِفَهُ كَمَعرِفَتِكَ إيّاهُ قَبلَ أن يَموتَ ؟
قال: أكثرُ مِنَ الكثيرِ .
قُلتُ : فَأخبِرني أيُّ حَواسِّكَ أدرَكَ هذهِ الأشياءَ في مَنامِكَ حَتَّى دَلَّت قَلبَكَ على مُعايَنَةِ المَوتى وَكلامِهِم ، وَأكلِ طَعامِهِم ، والجَوَلانِ في البُلدانِ ، والضَّحِكِ والبُكاءِ وَغَيرِ ذلِكَ؟
قال: ما أقدِرُ أن أقولَ لَكَ أيَّ حَواسّي أدرَكَ ذلِكَ أو شيئاً مِنهُ ، وَكَيفَ تُدرَكُ وَهِيَ بِمَنزِلَةِ المَيِّتِ لا تَسمَعُ ولا تُبصِرُ ؟
قُلتُ : فَأخبِرني حَيثُ استَيقَظتَ ألَستَ قَد ذَكَرتَ الّذي رَأيتَ في مَنامِكَ تَحفَظُهُ وَتَقُصُّهُ بَعدَ يَقظَتِكَ عَلى إخوانِكَ لا تَنسى مِنهُ حَرفا ؟
قال: إنَّه كما تَقولُ وَرُبَّما رَأيتُ الشَّيءَ في منامي ثُمَّ لا أُمسي حَتَّى أراهُ في يَقَظَتي كَما رَأيتُهُ في مَنامي.
قُلتُ : فَأخبِرني ، أيُّ حَواسِّكَ قَرَّرَت عِلمَ ذلِكَ في قَلبِكَ حَتَّى ذَكَرتَهُ بَعدَ ما استَيقَظتَ؟
قال: إنَّ هذا الأمرَ ما دَخَلَت فيهِ الحَواسُّ .
قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي لَكَ أن تَعلَمَ حَيثُ بَطَلَتِ الحَواسُّ في هذا أنَّ الّذي عايَنَ تلِكَ الأشياءَ وَحَفِظَها في مَنامِكَ قَلبُكَ الّذي جَعَلَ اللّهُ فيهُ العَقلَ الّذي احتَجَّ بِهِ عَلى العِبادِ ؟
قال: إنَّ الّذي رَأيتُ في مَنامي لَيسَ بِشَيءٍ ، إنَّما هُوَ بِمَنزِلَةِ السَّرابِ الّذي يُعايِنُهُ صاحِبُهُ وَيَنظُرُ إلَيهِ لا يَشُكُّ فيهِ أنَّهُ ماءٌ ، فإذا انتَهى إلى مكانِهِ لَم يَجِدهُ شَيئاً ، فَما رَأيتُ في مَنامي فَبِهذِهِ المَنزِلَةِ !

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 114023
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي