47
مكاتيب الأئمّة ج4

قلت: أخبرني ، هَل يَعلَمُ أهلُ بِلادِكَ عِلمَ النُّجومِ؟
قال: إنَّكَ لَغافِلٌ عَن عِلمِ أهلِ بِلادي بِالنُّجومِ فَلَيسَ أحَدٌ أعلَمُ بِذلِكَ مِنهُم.
قُلتُ: أخبِرني كَيفَ وَقَعَ عِلمُهُم بِالنُّجومِ وَهِيَ مِمّا لا يُدرَكُ بِالحَواسِّ ولا بِالفِكرِ؟
قال: حِسابٌ وَضَعَتهُ الحُكماءُ وَتَوارَثَتهُ النّاسُ ، فإذا سَألتَ الرَّجُلَ مِنهُم عَن


مكاتيب الأئمّة ج4
46

الإنسانُ مِن شَيءٍ فَما يَجهَلُ أنّ اليَدَ لا تَقدِرُ عَلى العَينِ أن تَقلَعَها ، وَلا عَلى اللّسانِ أن تَقطَعَهُ ، وَأنَّهُ لَيسَ يَقدِرُ شَيءٌ مِنَ الحَواسِّ أن يفعَلَ بِشَيءٍ مِنَ الجَسَدِ شَيئاً بِغَيرِ إذنِ القَلبِ وَدِلالَتِهِ وَتَدبيرِهِ ؛ لأنّ اللّهَ تبارَكَ وَتَعالى جَعَلَ القَلبَ مُدَبِّراً لِلجَسَدِ ، بِهِ يَسمَعُ وَبِهِ يُبصِرُ وَهُوَ القاضي وَالأميرِ عَلَيهِ ، لا يَتَقَدَّمُ الجَسَدُ إن هُوَ تَأخَّرَ ، ولا يَتَأخَّرُ إن هُوَ تَقَدَّمَ ، وَبِهِ سَمِعَتِ الحَواسُّ وَأبصَرَت ، إن أمَرَها ائتَمَرَت ، وَإن نهاها انتَهَت ، وَبِهِ يَنزِلُ الفَرَحُ وَالحُزنُ ، وَبِهِ يَنزِلُ الألَمُ ، إن فَسَدَ شَيءٌ مِن الحَواسِّ بَقِيَ عَلى حالِهِ ، وَإن فَسَدَ القَلبُ ذَهَبَ جَميعاً حَتَّى لا يَسمَعُ وَلا يُبصِرُ .
قال: لَقَد كُنتُ أظُنُّكَ لا تَتَخَلَّصُ مِن هذهِ المَسألَةِ وَقَد جِئتَ بِشَيءٍ لا أقدِرُ عَلى رَدِّهِ ؟
قُلتُ : وَأنا اُعطيكَ تَصاديقَ ما أنبَأتُكَ بِهِ وَما رَأيتَ في مَنامِكَ في مَجلِسِكَ السّاعَةَ .
قال: افعَل ، فَإنّي قَد تَحَيَّرتُ في هذهِ المَسألَةِ .
قُلتُ : أخبِرني ، هَل تُحَدّثُ نَفسَكَ مِن تِجارَةٍ أو صِناعَةٍ أو بِناءٍ أو تَقديرِ شَيءٍ ، وَتَأمُرُ بهِ إذا أحكَمتَ تَقديرَهُ في ظَنّكَ؟
قال: نَعَم .
قُلتُ : فَهَل أشرَكتَ قَلبَكَ في ذلِكَ الفِكرِ شَيئاً مِن حَواسِّكَ ؟
قال: لا.
قُلتُ : أفَلا تَعلَمُ أنَّ الّذي أخبَرَكَ بهِ قَلبُكَ حَقٌّ ؟
قال: اليَقينُ هُوَ ، فَزِدني ما يُذهِبُ الشَّكَ عَنّي وَيُزيلُ الشُّبَهَ مِن قَلبي. ۱

1.قال المجلسي في بحار الأنوار: أقول: ذكر السّيد ابن طاووس قدّس اللّه روحه في كتاب النّجوم من هذه الرّسالة جملة ليست فيما عندنا من النّسخ فلنذكرها: قلت: أخبرني هل يعرف أهل بلادك علم النّجوم؟ قال: إنّك لغافل عن علم أهل بلادي بالنّجوم! قلت: وما بلغ من علمهم بها؟ فقال: إنّا نخبرك عن علمهم بخصلتين تكتفي بهما عمّا سواهما. قلت: فأخبرني ولا تخبرني إلاّ بحقّ. قال: بديني لا أخبرك إلاّ بحقّ وبما عاينت . قلت : هات . قال: أمّا إحدى الخصلتين فإنّ ملوك الهند لا يتّخذون إلاّ الخصيان. قلت: ولم ذاك؟ قال: لأنّ لكلّ رجل منهم منجماً حاسباً فإذا أصبح أتى باب الملك فقاس الشّمس وحسب فأخبره بما يحدث في يومه ذلك، وما حدث في ليلته الّتي كان فيها، فإن كانت امرأة من نسائه قارفت شيئاً يكرهه أخبره، فقال: فلان قارف كذا وكذا مع فلانة، ويحدث في هذا اليوم كذا وكذا. قلت: فأخبرني عن الخصلة الأُخرى. قال: قوم بالهند بمنزلة الخنّاقين عندكم ، يقتلون النّاس بلا سلاح ولا خنق ويأخذون أموالهم. قلت: وكيف يكون هذا؟ قال: يخرجون مع الرّفقة والتّجار بقدر ما فيها من الرّجالة فيمشون معهم أيّاماً ليس معهم سلاح، ويحدثون الرّجال ويحسبون حساب كل رجل من التّجار ، فإذا عرف أجمعهم موضع النّفس من صاحبه وكز كلّ واحد منهم صاحبه الّذي حسب به في ذلك الموضع فيقع جميع التّجار موتى! قلت: إنّ هذا أرفع من الباب الأوّل إن كان ما تقول حقاً! قال: أحلف لك بديني إنّه حقّ ولربّما رأيت ببلاد الهند قد أخذ بعضهم وأمر بقتله. قلت: فأخبرني كيف كان هذا حتّى اطّلعوا عليه؟ قال: بحساب النّجوم. قلت: فما سمعت كهذا علماً قطّ، وما أشكّ أنّ واضعه الحكيم العليم، فأخبرني من وضع هذا العلم الدّقيق الّذي لا يدرك بالحواسّ ولا بالعقول ولا بالفكر؟ قال: حساب النّجوم وضعته الحكماء وتوارثه النّاس.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113973
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي