يا هِشام ؛ قَليلُ العَمَلِ مِنَ العاقِلِ مَقبولٌ مُضاعَفٌ وَكثيرُ العَمَلِ مِن أهلِ الهَوى وَالجَهلِ مَردودٌ .
يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ رَضِيَ بِالدّونِ مِنَ الدُّنيا مَعَ الحِكمَةِ ، وَلَم يَرضَ بِالدُّونِ مِنَ الحِكمَةِ مَعَ الدُّنيا ، فَلِذلِكَ رَبِحَت تِجارَتُهُم .
يا هِشامُ ؛ إن كانَ يُغنيكَ ما يَكفيكَ فَأَدنى ما فِي الدُّنيا يَكفيكَ ، وَإِن كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكَ فَلَيسَ شَيءٌ مِنَ الدُّنيا يُغنيكَ .
يا هِشامُ ؛ إنَّ العُقلاءَ تَرَكوا فُضولَ الدُّنيا ، فَكَيفَ الذُّنوبُ ؟ وَتَركُ الدُّنيا مِنَ الفَضلِ ، وَتَركُ الذُّنوبِ مِنَ الفَرضِ . ۱
يا هِشامُ ؛ إنَّ العُقلاءَ زَهَدوا فِي الدُّنيا وَرَغِبوا فِي الآخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُم عَلِموا أنَّ الدُّنيا طالِبَةٌ وَمَطلوبَةٌ ، وَالآخِرَةَ طالِبَةٌ وَمَطلوبَةٌ ، فَمَن طَلَبَ الآخِرَةَ طَلِبَتهُ الدُّنيا حَتّى يَستَوفِيَ مِنها رِزقَهُ ، وَمَن طَلَبَ الدُّنيا طَلِبَتهُ الآخِرَةُ ، فَيَأتِيَهُ المَوتُ فَيُفسِدُ عَلَيهِ دُنياهُ وَآخِرَتَهُ .
يا هِشامُ مَن أَرادَ الغِنى بِلا مالٍ ، وَراحَةَ القَلبِ مِنَ الحَسَدِ ، وَالسّلامَةَ فِي الدّينِ ، فَليَتَضَرَّع إلَى اللّهِ في مَسأَلتِهِ بِأَن يُكَمِّلَ عَقلَهُ فَمَن عَقِلَ قَنَعَ بِما يَكفيهِ ، وَمَن قَنَعَ بِما يَكفيهِ استَغنى ، وَمَن لَم يَقنَع بِما يَكفيهِ لَم يُدرِكِ الغِنى أبَداً .
يا هِشامُ ؛ إنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ حَكى عَن قَومٍ صالِحينَ أنّهُم قالوا : « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ»۲ حينَ عَلِموا أنَّ القُلوبَ تَزيغُ وَتَعودُ إلى عَماها وَرَداها ۳ ، إنَّهُ لَم يَخَفِ اللّهَ مَن لَم يَعقِل عَنِ اللّهِ ، وَمَن لَم يَعقِل عَنِ اللّهِ لَم يَعقِد قَلبَهُ على مَعرِفَةٍ ثابِتَةٍ يُبصِرُها وَيَجِدُ حَقيقَتَها في قَلبِهِ وَلا يَكونُ أحَدٌ كذلِكَ إلاّ مَن كانَ قَولُهُ لِفِعلِهِ مُصَدِّقا ، وَسِرُّهُ