489
مكاتيب الأئمّة ج4

يا هِشامُ ؛ إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ يَقولُ ۱ : لا يَجلِسُ في صَدرِ المَجلِس إلاّ رَجُلٌ فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ : يُجيبُ إذا سُئِلَ وَيَنطِقُ إذا عَجَزَ القَومُ عَنِ الكَلامِ ، وَيُشيرُ بِالرَّأي الَّذي فيهِ صَلاحُ أهلِهِ ، فَمَن لَم يَكُن فيهِ شَيءٌ مِنهُنَّ فَجَلَسَ فَهُوَ أحمَقُ . وَقالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : إذا طَلَبتُم الحَوائِجَ فَاطلُبوها مِن أهلِها . قيلَ : يا بنَ رَسولِ اللّهِ وَمَن أهلُها ؟ قالَ : الّذينَ قَصَّ اللّهُ في كِتابِهِ وَذَكَرَهُم فَقالَ : « إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ »۲ قالَ : هُم اُولو العُقولِ . وَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام : مُجالَسَةُ الصّالِحينَ داعِيَةٌ إلَى الصَّلاحِ ، وَأدَبُ العُلماءِ ۳ زِيادَةٌ فِي العَقلِ ، وَطاعَةُ وُلاةِ العَدلِ تَمامُ العِزِّ ، وَاستِثمارُ المالِ تَمامُ المُرُوَّةِ ، وَإِرشادُ المُستَشيرِ قَضاءٌ لِحَقِّ النِّعمَةِ ، وَكَفُّ الأَذى مِن كَمالِ العَقلِ وَفيهِ رَاحَةُ البَدَنِ عاجِلاً وَآجِلاً .
يا هِشامُ ، إنَّ العاقِلَ لا يُحَدِّثُ مَن يَخافُ تَكذيبَهُ ، وَلا يَسأَلُ مَن يَخافُ مَنعَهُ ، وَلا يَعِدُ ما لا يَقدِرُ عَلَيهِ ، وَلا يَرجو ما يُعنَّفُ بِرَجائِهِ ۴ وَ لا يَتَقَدَّمُ عَلى ما يَخافُ العَجزَ عَنهُ ۵ .
وَكانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يُوصي أصحابَهُ يَقولُ : اُوصيكُم بِالخَشيَةِ مِنَ اللّهِ في السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ،

1.في الكافي : إنّ من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل . وينطق إذا عجز القوم عن الكلام . ويشير بالرّأي الّذي يكون فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثّلاث شيء فهو أحمق . إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه هذه الخصال الثّلاث أو واحدة منهنّ ـ إلخ .

2.الزمر : ۹ .

3.في الكافي : « وآداب العلماء » .

4.التّعنيف : اللّؤم والتّوبيخ والتّقريع .

5.في الكافي : « ولا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه » . أي لا يبادر إلى فعل قبل أوانه خوفاً من أن يفوته بالعجز عنه في وقته .


مكاتيب الأئمّة ج4
488

لِعَلانِيَّتِهِ مُوافقاً ؛ لِأَنَّ اللّهَ لَم يَدُلَّ عَلَى الباطِنِ الخَفِيِّ مِنَ العَقلِ إلاّ بِظاهِرٍ مِنهُ وَناطِقٍ عَنهُ .
يا هِشامُ ، كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : ما مِن شَيءٍ عُبِد اللّهُ بِهِ ۱
أفضَلُ مِنَ العَقلِ ، وَماتَمَّ عَقلُ امرِىًحَتّى يَكونَ فيهِ خِصالٌ شَتّى ، الكُفرُ وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونانِ ۲ ، وَالرُّشدُ وَالخَيرُ مِنهُ مَأمولانِ ۳ وَفَضلُ مالِهِ مَبذولٌ وَفَضلُ قَولِهِ مَكفوفٌ ، نَصيبُهُ مِنَ الدُّنيا القوتُ وَلا يَشبَعُ مِنَ العِلمِ دَهرَهُ ، الذُّلُّ أحَبُّ إلَيهِ مَعَ اللّهِ مِنَ العِزِّ مَعَ غَيرِهِ ، وَالتَّواضُعُ أحَبُّ إلَيهِ مِنَ الشَّرَفِ ، يَستَكثِرُ قَليلَ المَعروفِ مِن غَيرِهِ ، وَيَستَقِلُّ كَثيرَ المَعروفِ مِن نَفسِهِ ، وَيَرَى النّاسَ كُلَّهُم خَيراً مِنهُ ، وَأنَّهُ شَرُّهُم في نَفسِهِ ، وَهُوَ تَمامُ الأَمرِ . ۴
يا هِشامُ ؛ مَن صَدَق لِسانُهُ زَكا عَمَلُهُ ، وَمَن حَسُنَت نِيَّتُهُ زيدَ في رِزِقِهِ ، وَمَن حَسُنَ بِرُّهُ بِإِخوانِهِ وَأهلِهِ مُدَّ في عُمُرِهِ .
يا هِشامُ ؛ لا تَمنَحوا الجُهّالَ الحِكمَةَ فَتَظلِموها ۵ ، وَلا تَمنَعوها أهلَها فَتَظلِموهُم .
يا هِشامُ ؛ كَما تَرَكوا لَكُم الحِكمَةَ ، فَاترُكوا لَهُمُ الدُّنيا . ۶
يا هِشامُ ؛ لا دينَ لِمَن لا مُرُوَّةَ لَهُ ، وَلا مُرُوَّةَ لِمَن لا عَقلَ لَهُ ، وَإِنَّ أعظَمَ النّاسِ قَدراً الَّذي لا يَرَى الدُّنيا لِنَفسِهِ خَطراً ۷ ، أما إنَّ أبدانَكُم لَيسَ لَها ثَمَنٌ إلاّ الجَنَّةَ ، فَلا تَبيعوها بِغَيرِها . ۸

1.في الكافي : « ما عبد اللّه بشيء » .

2.الكفر في الاعتقاد والشّرّ في القول والعمل والكلّ ينشأ من الجهل . وفي بعض النّسخ :«مأمون » .

3.الرّشد في الاعتقاد والخير في القول والكلّ ناش من العقل . وفي بعض النّسخ : «مأمول » .

4.أي ملاك الأمر وتمامه في أن يكون الإنسان كاملاً تامّ العقل هو كونه متصفاً بمجموعة هذه الخصال.(وافي).

5.لا تمنحوا الجهّال : أي لا تعطوهم ولا تعلموهم . والمنحة : العطاء .

6.في الكافي ههنا : « يا هشام إنّ العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه » .

7.أي قدراً ورفعة . والخطر : الحظّ والنّصيب والقدر والمنزلة .

8.ههنا كلام نقله صاحب الوافي عن استاده رحمهماالله قال : وذلك لأنّ الأبدان في التّناقص يوماً فيوماً لتوجّه النّفس منها إلى عالم آخر ، فإن كانت النّفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدّنيا وانقطاع حياته البدنيّة إلى اللّه سبحانه وإلى نعيم الجنّة ، لكونه على منهج الهداية والاستقامة ، فكأنّه باع بدنه بثمن الجنّة معاملة مع اللّه تعالى ولهذا خلقه اللّه عز و جل ، وإن كانت شقيّة كانت غاية سعيه وانقطاع أجله وعمره إلى مقارنة الشّيطان وعذاب النّيران لكونه على طريق الضّلالة ، فكأنّه باع بدنه بثمن الشّهوات الفانية واللذّات الحيوانيّة الّتي ستصير نيرانات محرقة مؤلمة ، وهي اليوم كامنة مستورة عن حواسّ أهل الدُّنيا وستبرز يوم القيامة : « وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى » ، معاملة مع الشّيطان وخسر هنالك المبطلون .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113370
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي