صادِقاً أنَّهُ وُلِدَ بِبَعضِ هذه النُّجومِ وَالسَّاعاتِ وَالحسابِ الّذي كانَ قَبلَهُ ، إلاّ أن تَزعُمَ أنَّ ذلِكَ الحَكيمَ لَم يُولَد بِهذهِ النُّجومِ كما وُلِدَ سائِرُ النّاسِ .
قال : وَهَل هذا الحَكيمُ إلاّ كَسائِرِ النّاسِ ؟
قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي أن يُدِلَّكَ عَقلُكَ عَلى أنَّها قَد خُلِقَتَ قَبلَ هذا الحَكيمِ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ هذا الحِسابَ ، وَقَد زَعَمتَ أنَّهُ وُلِدَ بِبَعضِ هذهِ النُّجومِ؟
قال: بلى.
قُلتُ : فَكَيفَ اهتَدى لِوَضعِ هذهِ النُّجومِ ؟ وَهَل هذا العِلمُ إلاّ مِن مُعَلّمٍ كانَ قَبلَهُما وَهُوَ الّذي أسَّسَ هذا الحسابَ الّذي زَعَمتَ أنّهُ أساسُ المَولودِ ، وَالأساسُ أقدَمُ مِنَ المَولودِ ، وَالحَكيمُ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ هذا إنَّما يَتَّبِعُ أمرَ مُعَلّمٍ هُوَ أقدَمُ مِنهُ ، وَهُوَ الّذي خَلَقَهُ مَولوداً بِبَعضِ هذا النُّجومِ ، وَهُوَ الّذي أسَّسَ هذهِ البُروجِ الّتي وُلِدَ بِها غَيرُهُ مِنَ النّاسِ ، فَواضِعُ الأساسِ يَنبَغي أن يَكونَ أقدَمَ مِنها .
هَب إنَّ هذا الحَكيمَ عَمَّرَ مُذ كانَتِ الدُّنيا عَشَرَةَ أضعافٍ ، هَل كانَ نَظَرُهُ في هذهِ النُّجومِ إلاّ كَنَظَرِكَ إلَيها مُعَلّقةً فِي السَّماءِ ؟ أو تَراهُ كانَ قادِراً عَلى الدُّنُوِّ مِنها وَهِيَ في السَّماءِ حَتَّى يَعرِفَ مَنازِلَها وَمجاريها ، نُحوسَها وَسُعودَها ، وَدَقائِقَها ، وَبِأيَّتِها تَكسِفُ الشَّمسُ وَالقَمَرُ ، وَبِأيَّتِها يُولَدُ كُلُّ مَولودٍ ، وَأيُّها السَّعدُ وَأيُّها النَّحسُ ، وَأيُّها البَطيءُ وأيُّها السّريعُ ، ثُمَّ يَعرِفُ بَعدَ ذلِكَ سُعودَ ساعاتِ النَّهارِ وَنُحوسَها ، وَأيُّها السَّعدُ وَأيُّها النَّحسُ ، وَكَم ساعَةً يَمكُثُ كُلُّ نَجمٍ مِنها تَحتَ الأرضِ ، وَفي أيِّ ساعَةٍ تَغيبُ ، وَأيُّ ساعَةٍ تَطلُعُ ، وَكَم ساعَةً يَمكُثُ طالِعاً ، وفي أيِّ ساعَةٍ تَغيبُ ، وَكَمِ استَقامَ لِرَجُلٍ حَكيمٍ ـ كَما زَعَمتَ ـ مِن أهلِ الدُّنيا أن يَعلَمَ عِلمَ السَّماءِ مِمّا لا يُدرَكُ بِالحَواسّ ، وَلا يَقَعُ عَلَيهِ الفِكرُ ، وَلا يَخطُرُ عَلى الأوهامِ ؟ وَكَيفَ اهتَدى أن يَقيسَ الشَّمسَ حَتَّى يَعرِفَ في أيِّ بُرجٍ ، وَفي أيِّ بُرجٍ القَمَرُ ، وَفي أيِّ بُرجٍ مِنَ السَّماءِ هذهِ السَّبعَةُ السُّعودُ والنُّحوسُ ، وما الطّالِعُ مِنها وَما الباطِنُ ؟ وَهيَ مُعَلّقةٌ فِي السَّماءِ وَهُوَ