49
مكاتيب الأئمّة ج4

صادِقاً أنَّهُ وُلِدَ بِبَعضِ هذه النُّجومِ وَالسَّاعاتِ وَالحسابِ الّذي كانَ قَبلَهُ ، إلاّ أن تَزعُمَ أنَّ ذلِكَ الحَكيمَ لَم يُولَد بِهذهِ النُّجومِ كما وُلِدَ سائِرُ النّاسِ .
قال : وَهَل هذا الحَكيمُ إلاّ كَسائِرِ النّاسِ ؟
قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي أن يُدِلَّكَ عَقلُكَ عَلى أنَّها قَد خُلِقَتَ قَبلَ هذا الحَكيمِ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ هذا الحِسابَ ، وَقَد زَعَمتَ أنَّهُ وُلِدَ بِبَعضِ هذهِ النُّجومِ؟
قال: بلى.
قُلتُ : فَكَيفَ اهتَدى لِوَضعِ هذهِ النُّجومِ ؟ وَهَل هذا العِلمُ إلاّ مِن مُعَلّمٍ كانَ قَبلَهُما وَهُوَ الّذي أسَّسَ هذا الحسابَ الّذي زَعَمتَ أنّهُ أساسُ المَولودِ ، وَالأساسُ أقدَمُ مِنَ المَولودِ ، وَالحَكيمُ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ هذا إنَّما يَتَّبِعُ أمرَ مُعَلّمٍ هُوَ أقدَمُ مِنهُ ، وَهُوَ الّذي خَلَقَهُ مَولوداً بِبَعضِ هذا النُّجومِ ، وَهُوَ الّذي أسَّسَ هذهِ البُروجِ الّتي وُلِدَ بِها غَيرُهُ مِنَ النّاسِ ، فَواضِعُ الأساسِ يَنبَغي أن يَكونَ أقدَمَ مِنها .
هَب إنَّ هذا الحَكيمَ عَمَّرَ مُذ كانَتِ الدُّنيا عَشَرَةَ أضعافٍ ، هَل كانَ نَظَرُهُ في هذهِ النُّجومِ إلاّ كَنَظَرِكَ إلَيها مُعَلّقةً فِي السَّماءِ ؟ أو تَراهُ كانَ قادِراً عَلى الدُّنُوِّ مِنها وَهِيَ في السَّماءِ حَتَّى يَعرِفَ مَنازِلَها وَمجاريها ، نُحوسَها وَسُعودَها ، وَدَقائِقَها ، وَبِأيَّتِها تَكسِفُ الشَّمسُ وَالقَمَرُ ، وَبِأيَّتِها يُولَدُ كُلُّ مَولودٍ ، وَأيُّها السَّعدُ وَأيُّها النَّحسُ ، وَأيُّها البَطيءُ وأيُّها السّريعُ ، ثُمَّ يَعرِفُ بَعدَ ذلِكَ سُعودَ ساعاتِ النَّهارِ وَنُحوسَها ، وَأيُّها السَّعدُ وَأيُّها النَّحسُ ، وَكَم ساعَةً يَمكُثُ كُلُّ نَجمٍ مِنها تَحتَ الأرضِ ، وَفي أيِّ ساعَةٍ تَغيبُ ، وَأيُّ ساعَةٍ تَطلُعُ ، وَكَم ساعَةً يَمكُثُ طالِعاً ، وفي أيِّ ساعَةٍ تَغيبُ ، وَكَمِ استَقامَ لِرَجُلٍ حَكيمٍ ـ كَما زَعَمتَ ـ مِن أهلِ الدُّنيا أن يَعلَمَ عِلمَ السَّماءِ مِمّا لا يُدرَكُ بِالحَواسّ ، وَلا يَقَعُ عَلَيهِ الفِكرُ ، وَلا يَخطُرُ عَلى الأوهامِ ؟ وَكَيفَ اهتَدى أن يَقيسَ الشَّمسَ حَتَّى يَعرِفَ في أيِّ بُرجٍ ، وَفي أيِّ بُرجٍ القَمَرُ ، وَفي أيِّ بُرجٍ مِنَ السَّماءِ هذهِ السَّبعَةُ السُّعودُ والنُّحوسُ ، وما الطّالِعُ مِنها وَما الباطِنُ ؟ وَهيَ مُعَلّقةٌ فِي السَّماءِ وَهُوَ


مكاتيب الأئمّة ج4
48

شَيءٍ قاسَ الشَّمسَ وَنَظَرَ في مَنازِلِ الشَّمسِ والقَمَرِ وَما لِلطّالِعِ مِنَ النُّحوسِ ، وَما للباطِنِ مِنَ السُّعودِ ، ثُمَّ يَحسِبُ وَلا يُخطِئُ ، ويُحمَلُ إلَيهِ المَولودُ فَيَحسِبُ لَهُ وَيُخبِرُ بِكُلِّ عَلامَةٍ فيهِ بِغَيرِ مُعايَنَةِ وَما هُوَ مُصيبُهُ إلى يَومَ يَموتُ .
قلتُ : كَيفَ دَخَلَ الحِسابُ في مَواليدِ النَّاسِ؟
قال: لِأنَّ جَميعَ النّاسِ إنّما يُولَدونَ بِهذِهِ النُّجومِ ، وَلَولا ذلِكَ لَم يَستَقِم هذا الحِسابُ ، فَمِن ثَمَّ لا يُخطِئُ إذا عَلِمَ السّاعَةَ واليَومَ والشَّهرَ والسَّنَةَ الّتي يُولَدُ فيها المَولودُ .
قُلتُ : لَقَد تَوَصَّفتَ عِلماً عَجيباً لَيسَ في عِلمِ الدُّنيا أدَقَّ مِنهُ ولا أعظَمَ إن كانَ حَقّاً كَما ذَكَرتَ ، يُعرَفُ بِهِ المَولودُ الصَّبِيُّ وَما فيهِ مِن العَلاماتِ وَمُنتَهى أجَلِهِ وَما يُصيبُهُ في حَياتِهِ ، أوَ لَيسَ هذا حِساباً تَوَلَّدَ بِهِ جَميعُ أهلِ الدُّنيا مَن كانَ مِنَ النَّاسِ؟
قال: لا أشُكُّ فيهِ .
قُلتُ : فَتَعالَ نَنظُر بِعُقولِنا ، كَيفَ عَلِمَ النّاسُ هذا العِلمَ ؟ وَهَل يَستَقيمُ أن يَكونَ لِبَعضِ النّاسِ إذا كانَ جَميعُ النّاسِ يُولَدونَ بِهذهِ النُّجومِ ؟ وَكَيفَ عَرَفَها بِسُعودِها وَنُحوسِها ، وَساعاتِها وَأوقاتِها ، وَدَقائِقِها وَدَرَجهاتِها ، وَبَطيئِها وَسَريعِها ، وَمَواضِعِها مِنَ السَّماءِ ، وَمَواضِعِها تَحتَ الأرضِ ، وَدِلالَتِها عَلى غامِضِ هذهِ الأشياءِ الّتي وَصَفتُ في السَّماءِ وَما تَحتَ الأرضِ، فَقَد عَرَفتَ أنَّ بَعضَ هذهِ البُروجِ في السَّماءِ ، وَبَعضَها تَحتَ الأرضِ ، وَكذلِكَ النُّجومُ السَّبعَةُ ، مِنها تَحتَ الأرضِ وَمِنها في السَّماءِ ، فَما يَقبَلُ عَقلي أنَّ مَخلوقاً من أهلِ الأرضِ قَدَرَ عَلى هذا .
قال: وما أنكَرتَ مِن هذا ؟
قُلتُ : إنَّكَ زَعَمتَ أنَّ جَميعَ أهلِ الأرضِ إنَّما يَتَوالَدونَ بِهذهِ النُّجومِ ، فَأَرى الحَكيمَ الّذي وَضَعَ هذا الحِسابَ بِزَعمِكَ مِن بَعضِ أهلِ الدُّنيا، وَلا شَكَّ إن كُنتَ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113947
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي