491
مكاتيب الأئمّة ج4

وَالعُجبُ وَالفَخرُ .
يا هِشامُ ؛ أصلَحُ أيّامِكَ الَّذي هُوَ أمامَكَ فَانظُر أيَّ يَومٍ هُوَ وَأَعِدَّ لَهُ الجَوابَ ؛ فَإِنَّكَ مَوقوفٌ وَمَسؤولٌ، وَخُذ مَوعِظَتَكَ مِنَ الدَّهرِ وَأهلِهِ ، فَإِنَّ الدَّهرَ طَويلُهُ قَصيرُهُ ، فاعمَل كَأَنَّكَ تَرى ثَوابَ عَمَلِكَ لِتَكونَ أطمَعَ في ذلِكَ ، وَاعقِل عَنِ اللّهِ ، وَانظُر في تَصَرُّفِ الدَّهرِ وَأحوالِهِ ؛ فَإِنَّ ما هُوَ آتٍ مِنَ الدُّنيا كَما وَلّى مِنها ، فَاعتَبِر بِها . وَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : إنَّ جَميعَ ما طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ في مَشارِقِ الأَرضِ وَمَغارِبِها ، بَحرِها وَبَرِّها وَسَهلِها وَجَبَلِها عِندَ وَلِيٍّ مِن أولياءِ اللّهِ وَأهلِ المَعرِفَةِ بِحَقِّ اللّهِ كَفَيءِ الظِّلالِ ، ثمّ قالَ عليه السلام : أَوَلا حُرٌّ يَدَعُ هذهِ اللُّمّاظَةَ لِأَهلِها ۱ ، يَعني الدُّنيا ، فَلَيسَ لِأَنفُسِكُم ثَمَنٌ إلاّ الجَنَّةُ ، فَلا تَبيعوها بِغَيرِها ؛ فَإِنَّهُ مَن رَضِيَ مِنَ اللّهِ بِالدُّنيا فَقَد رَضِيَ بِالخَسيسِ .
يا هِشامُ ؛ إنَّ كُلَّ النّاسِ يُبصِرُ النُّجومَ ، وَلَكِن لا يَهتَدي بِها إلاّ مَن يَعرِفُ مَجاريها ومَنازِلِها ، وَكَذلِكَ أنتُم تَدرُسونَ الحِكمَةَ ، وَلكِن لا يَهتَدي بِها مِنكُم إلاّ مَن عَمِلَ بِها .
يا هِشامُ ، إنَّ المَسيحَ عليه السلام قال للحواريّين : يا عَبيدَ السّوءِ ، يَهولُكُم ۲ طولُ النَّخِلَةِ وَتَذكُرونَ شَوكَها وَمَؤونَةَ مَراقيها ، وَتَنسَونَ طيبَ ثَمَرِها وَمَرافِقَها ۳ كَذلِكَ تَذكُرونَ مَؤونَةَ عَمَلِ الآخِرَةِ فَيَطولُ عَلَيكُم أمَدُهُ ۴ ، وَتَنسَونَ ما تُفضونَ إلَيهِ مِن نَعيمِها وَنَورِها ، وَثَمَرِها ، يا عبيدَ السّوءِ نَقّوا القَمحَ وَطَيِّبوهُ ، وَأدِقّوا طَحنَهُ تَجِدوا طَعمَهُ ، وَيُهنِئُكُم أكلُهُ ، كَذلِكَ فَأَخلِصوا الإيمانَ وَأكمِلوهُ تَجِدوا حَلاوَتَهُ وَيَنفَعُكُم غِبُّهُ ۵ ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : لَو وَجَدتُم سِراجاً يَتَوَقَّدُ بالقَطِرانِ ۶ في لَيلَةٍ مُظلِمَةٍ

1.اللّمّاظة ـ بالضّمّ ـ : بقيّة الطّعام في الفم . وأيضاً بقية الشّيء القليل .

2.يهولكم : أي يفزعكم وعظم عليكم .

3.مؤونة المراقى : شدّة الارتقاء . والمرافق : المنافع ؛ وهي جمع مرفق ـ بالفتح ـ : ما انتفع به .

4.الأمد : الغاية ومنتهى الشّيء ، يقال : طال عليهم الأمد أي الأجل . والنّور ـ بالفتح ـ : الزّهرة .

5.الغِبّ ـ بالكسر ـ : العاقبة . وأيضاً بمعنى البعد .

6.القطران ـ بفتح القاف وسكون الطّاء وكسرها أو بكسر القاف وسكون الطّاء ـ : سيّال دهني شبيه النّفط ، يتّخذ من بعض الأشجار كالصّنوبر والارز فيهنأ به الإبل الجربى ويسرع فيه اشعال النّار .


مكاتيب الأئمّة ج4
490

وَالعَدلِ في الرِّضا وَالغَضَبِ ، وَالاِكتِسابِ في الفَقرِ وَالغِنى وَأن تَصِلوا مَن قَطَعَكُم وَتَعفوا عَمَّن ظَلَمَكُم ، وَتَعطِفوا على مَن حَرَمَكُم ، وَليَكُن نَظَرُكُم عِبَراً وَصَمتُكُم فِكَراً ، وَقولُكُم ذِكراً ، وطَبيعَتُكُمُ السَّخاءُ ؛ فَإِنَّهُ لا يَدخُلِ الجَنَّةَ بَخيلٌ وَلا يَدخُلِ النَّارَ سَخِيٌّ .
يا هشامُ ، رَحِمَ اللّهُ مَن استَحيا مِنَ اللّهِ حَقَّ الحَياءِ ، فَحَفِظَ الرَّأسَ وَما حَوى ۱ وَالبَطنَ وما وَعى ، وَذَكَرَ المَوتَ وَالبِلى ۲ ، وَعَلِمَ أنَّ الجَنَّةَ مَحفوفَةٌ بِالمَكارِهِ ۳ وَالنَّارَ مَحفوفَةٌ بِالشَّهواتِ .
يا هِشامُ ؛ مَن كَفَّ نَفسَهُ عَن أعراضِ النّاسِ أقالَهُ اللّهُ عَثرَتَهُ يَومَ القِيامَةِ ، وَمَن كَفَّ غَضَبَهُ عَنِ النّاسِ ، كَفَّ اللّهُ عَنهُ غَضَبَهُ يَومَ القِيامَةِ .
يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ لا يَكذِبُ ، وَإِن كانَ فيهِ هَواهُ .
يا هِشامُ ؛ وُجِدَ في ذُؤابَةِ ۴ سَيفِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ أعتَى النّاسِ ۵ عَلَى اللّهِ مَن ضَرَبَ غَيرَ ضارِبِهِ وَقَتَلَ غَيرَ قاتِلِهِ ، وَمَن تَوَلّى غَيرَ مَواليهِ فَهُوَ كافِرٌ بِما أنزَلَ اللّهُ على نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَمَن أحدَثَ حَدَثاً أو آوى مُحدِثاً لَم يَقبَلِ اللّهُ مِنهُ يَومَ القِيامَةِ صِرفاً وَلا عَدلاً .
يا هِشامُ ؛ أفضَلُ ما يَتَقَرَّبُ بِهِ العَبدُ إلَى اللّهِ بَعدَ المَعرِفَةِ بِهِ الصَّلاةُ ، وَبِرُّ الوالِدَينِ ، وَتَركُ الحَسَدِ

1.«وما حوى» : أي ما حواه الرّأس من الأوهام والأفكار ، بأن يحفظها ولا يبديها ، ويمكن أن يكون المراد ما حواه الرّأس من العين والأذن وسائر المشاعر بأن يحفظها عمّا يحرم عليه . وما وعى أي ما جمعه من الطّعام والشّراب بأن لا يكونا من حرام .

2.والبلى ـ بالكسر ـ : الاندراس والاضمحلال .

3.المحفوفة : المحيطة . والمكاره : جمع مكرهة ـ بفتح الرّاء وضمّها ـ : ما يكرهه الإنسان ويشقّ عليه . والمراد أنّ الجنّة محفوفة بما يكره النّفس من الأقوال والأفعال فتعمل بها ، فمن عمل بها دخل الجنّة . والنّار محفوفة بلذّات النّفس وشهواتها ، فمن أعطى نفسه لذّتها وشهوتها دخل النّار .

4.الذّؤابة من كلّ شيء : أعلاه . ومن السّيف : علاقته . ومن السّوط : طرفه . ومن الشّعر : ناصيته .

5.عتا يعتو عتوّاً ، وعتى يعتى عتياً : بمعنى واحد أي استكبر وتجاوز الحدّ ، والعتو : الطّغيان والتّجاوز عن الحدود والتّجبّر . وفي بعض النّسخ : «واعنى النّاس» ، من عنّ عليه أي اعترض . وفي بعضها :« وأعق النّاس» ، من عقّه : خالفه وعصاه .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113284
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي