493
مكاتيب الأئمّة ج4

الحِكمَةَ مِن أفواهِكُم وَيَبقى الغِلُّ في صُدورِكُم .
يا عَبيدَ الدُّنيا ، إنَّما مَثَلُكُم مَثَلُ السِّراجِ ، يُضيءُ لِلنّاسِ وَيُحرِقُ نَفسَهُ ، يا بَني إسرائيلَ زاحِموا العُلماءَ في مَجالِسِهِم ، وَلَو جَثوا عَلَى الرُّكَبِ ۱ ، فَإِنَّ اللّهَ يُحيي القُلوبَ المَيِّتَةَ بِنورِ الحِكمَةِ كَما يُحيي الأَرضَ المَيِّتَةَ بِوابِلِ المَطَرِ ۲ .
يا هِشامُ ؛ مَكتوبٌ فِي الإِنجيلِ : طوبى لِلمُتَراحِمينَ ، اُولئِكَ هُمُ المَرحومونَ يَومَ القِيامَةِ ، طوبى للمُصلِحينَ بَينَ النّاسِ ، اُولئِكَ هُمُ المُقَرَّبونَ يَومَ القِيامَةِ . طوبى لِلمُطَهَّرَةِ قُلوبُهُم اُولئِكَ هُمُ المُتَّقونَ يَومَ القِيامَةِ . طوبى لِلمُتَواضِعينَ فِي الدُّنيا ، اُولئِكَ يَرتَقون مَنابِرَ المُلكِ يَومَ القِيامَةِ .
يا هِشامُ ؛ قِلَّةُ المَنطِقِ حُكمٌ عَظيمٌ ، فَعَلَيكُم بِالصَّمتِ ، فَإِنَّهُ دَعَةٌ حَسَنَةٌ ، وَقِلَّةُ وِزر وَخِفَّةٌ مِنَ الذُّنوبِ ، فَحَصِّنوا بابَ الحِلمِ فَإِنَّ بابَهُ الصَّبرُ وَإِنَّ اللّهَ عز و جل يُبغِضُ الضَّحّاكَ مِن غَيرِ عَجَبٍ وَالمَشّاءَ ۳ إلى غَيرِ أرَبٍ ۴ وَيَجِبُ عَلَى الوالي أن يَكونَ كَالرّاعي ، لا يَغفُلُ عَن رَعِيَّتِهِ وَلا يَتَكَبَّرُ عَلَيهِم فَاستَحيوا مِنَ اللّهِ في سَرائِرِكُم كَما تَستَحيونَ مِنَ النّاسِ في عَلانِيَتِكُم ، وَاعلَموا أنَّ الكَلِمَةَ مِنَ الحِكمَةِ ضَالَّةُ المُؤمِنِ فَعَلَيكُم بِالعِلمِ قَبلَ أن يُرفَعَ ، وَرَفعُهُ غَيبَةُ عالِمِكُم بَينَ أظهُرِكُم .
يا هِشامُ ؛ تَعَلَّم مِنَ العِلمِ ما جَهِلتَ ، وَعَلِّمِ الجاهِلَ مِمّا عَلِمتَ ، عَظِّمِ العالِمَ لِعِلمِهِ ، وَدَع مُنازَعَتَهُ ، وَصَغِّرِ الجاهِلَ لِجَهلِهِ وَلا تَطرُدهُ ، وَلكِن قَرِّبهُ وَعَلِّمهُ .
يا هِشامُ ، إنَّ كُلَّ نِعمَةٍ عَجَزتَ عَن شُكرِها بِمَنزِلَةِ سَيِّئَةٍ تُؤاخَذُ بِها . وَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : إنّ للّهِِ عِباداً كَسَرَت قُلوبَهُم خَشيَتُهُ فَأَسكَتَتهُم عَنِ المَنطِقِ ، وَإنَّهُم لفُصَحاءُ عُقَلاءُ ، يَستَبِقونَ إلَى اللّهِ بِالأَعمالِ الزَّكِيَّةِ ، لا يَستَكثِرونَ لَهُ الكَثيرَ وَلا يَرضَونَ لَهُم مِن أنفُسهِم بِالقَليلِ ، يَرَونَ في أنفُسِهِم

1.جثا يجثو . وجثى يجثى : جلس على ركبتيه أو قام على أطراف الأصابع . وفي بعض النّسخ : «حبواً» أي زحفاً على الرّكب من حبا يحبو وحبى يحبى : إذا مشى على أربع .

2.الوابل : المطر الشّديد الضّخم القطر .

3.المشّاء : الكثير المشي .

4.الأرب ـ بفتحتين ـ : الحاجة .


مكاتيب الأئمّة ج4
492

لاستَضَأتُم بِهِ ولَم يَمنَعكُم مِنهُ ريحُ نَتنِهِ ۱ ، كذلِكَ يَنبَغي لَكُم أن تَأخُذوا الحِكمَةَ مِمَّن وَجَدتُموها مَعَهُ وَلا يَمنَعكُم مِنهُ سوءُ رَغَبتِهِ فيها . يا عَبيدَ الدُّنيا ؛ بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : لا تُدرِكونَ شَرَفَ الآخِرَةِ إلاّ بِتَركِ ما تُحِبّونَ فَلا تَنظُروا بِالتَّوبَةِ غَداً ؛ فَإِنَّ دونَ غَدٍ يَوماً وَلَيلَةً ، وَقَضاء اللّهِ فيهِما يَغدو وَيَروحُ بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ مَن لَيسَ عَلَيهِ دَينٌ مِنَ النّاسِ أروَحُ وَأَقَلُّ هَمّاً مِمَّن عَلَيهِ الدَّينُ ، وَإِن أحسَنَ القَضاءَ ، وَكَذلِكَ مَن لَم يَعمَل الخَطيئَةَ أروَحُ هَمّاً مِمَّن عَمِلَ الخَطيئَةَ ، وَإن أخلَصَ التَّوبَةَ وَأنابَ وَإنَّ صِغارَ الذُّنوبِ وَمُحَقَّراتِها مِن مكائِدِ إبليسَ ، يُحَقِّرُها لَكُم وَيُصَغِّرُها في أعيُنِكُم فَتَجتَمِعُ وَتَكثُرُ فَتُحيطُ بِكُم ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ النّاسَ في الحِكمَةِ رَجُلانِ : فَرَجُلٌ أتقَنَها بِقَولِهِ وَصَدَّقَها بِفِعلِهِ ، وَرَجُلٌ أتقَنَها بِقَولِهِ وَضَيَّعَها بِسوءِ فِعلِهِ ، فَشَتّانَ بَينَهُما .
فَطوبى لِلعُلماءِ بِالفِعلِ ، وَوَيلٌ لِلعُلَماءِ بِالقَولِ ، يا عَبيدَ السّوءِ اتَّخِذوا مساجِدَ رَبِّكُم سُجوناً لِأَجسادِكُم وَجباهِكُم ، وَاجعَلوا قُلوبَكُم بُيوتاً لِلتّقوى ، وَلا تَجعَلوا قُلوبَكُم مَأوى لِلشّهَواتِ ، إنّ أجزَعَكُم عِندَ البَلاءِ لَأَشَدَّكُم حُبّاً لِلدُّنيا وَإنَّ أصبَرَكُم عَلَى البَلاءِ لَأَزهَدَكُم فِي الدُّنيا ، يا عَبيدَ السّوءِ ؛ لا تَكونوا شَبيهاً بِالحِداءِ الخاطِفَةِ ۲ ، وَلا بِالثَّعالِبِ الخادِعَةِ ، وَلا بِالذِّئابِ الغادِرَةِ ۳ ، وَلا بِالاُسدِ العاتِيَةِ ۴ ، كَما تَفعَلُ بِالفَرائِسِ ، كَذلِكَ تَفعَلونَ بِالنّاسِ فَريقاً تَخطِفونَ وَفَريقاً تَخدَعونَ ، وَفَريقاً تَغدُرونَ بِهِم ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : لا يُغني عَنِ الجَسَدِ أن يَكونَ ظاهِرُهُ صَحيحاً وَباطِنُهُ فاسِداً ، كَذلِكَ لا تُغني أجسادُكُم الّتي قَد أعجَبَتكُم ، وَقَد فَسَدَت قُلوبُكُم ، وَما يُغني عَنكُم أن تُنَقّوا جُلودَكُم وَقُلوبَكُم دَنِسَةٌ . لا تَكونوا كالمُنخُلِ ۵ يَخرُجُ مِنهُ الدّقيقُ الطَّيِّبُ وَيُمسِكُ النُّخالَةَ ، كَذلِكَ أنتُم تُخرِجونَ

1.نتنه : أي خبث رائحته .

2.الحداء ـ بالكسر ـ : جمع حدأة ـ كعنبة ـ : طائر من الجوارح وهو نوع من الغُراب يخطف الأشياء والخاطفة من خطف الشّيء يخطف كعلم يعلم ـ : استلبه بسرعة .

3.الغادرة : الخائنة .

4.والعاتى : الجبّار .

5.المنخل ـ بضمّ الميم والخاء أو بفتح الخاء ـ : ماينخل به . والنخالة ـ بالضّمّ ـ : ما بقى في المنخل من القشر ونحوه .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113239
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي