497
مكاتيب الأئمّة ج4

وَاستَطال عَلَيهِم ۱ فَقَد ضادَّ اللّهَ ، وَمَن ادَّعى ما لَيسَ لَهُ فَهُوَ أعني لِغَيرِ رُشدِهِ .
يا هِشام ؛ أوحَى اللّهُ تَعالى إلى داوودَ عليه السلام : يا داوودُ حَذِّر وَأَنذِر أصحابَكَ عَن حُبِّ الشَّهواتِ ، فَإِنَّ المُعَلَّقَةَ قُلوبُهُم بِشَهَواتِ الدُّنيا قُلوبُهُم مَحجوبَةٌ عَنِّي .
يا هِشامُ ؛ إيّاكَ وَالكِبرَ على أوليائي وَالاستِطالَةَ بِعلمِكَ فَيَمقُتَكَ اللّهُ ، فَلا تَنفَعُكَ بَعدَ مَقتِهِ دُنياكَ وَلا آخِرَتُكَ ، وَكُن فِي الدُّنيا كَساكِنِ دارٍ لَيَست لَهُ إنَّما يَنتَظِرُ الرَّحيلَ .
يا هِشامُ ؛ مُجالَسَةُ أهلِ الدّينِ شَرَفُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَمُشاوَرَةُ العاقِلِ النّاصِحِ يُمنٌ وبَرَكَةٌ وَرُشدٌ وَتَوفيقٌ مِنَ اللّهِ ، فَإِذا أشارَ عَلَيكَ العاقِلُ النّاصِحُ فَإِيّاكَ وَالخِلافَ ، فَإِنَّ في ذلِكَ العَطَبَ . ۲
يا هِشامُ ؛ إيّاكَ وَمُخالَطَةَ النّاسِ وَالاُنسَ بِهِم ، إلاّ أن تَجِدَ مِنهُم عاقِلاً وَمَأموناً ، فَآنِس بِهِ وَاهرَب مِن سائِرِهِم كَهَرَبِكَ مِن السِّباعِ الضّارِيَةِ ۳ . وَيَنبغي لِلعاقِلِ إذا عَمِلَ عَمَلاً أن يَستَحيي مِنَ اللّهِ ، وَإِذا تَفَرَّدَ لَهُ بِالنِّعَمِ أن يُشارِكَ في عَمَلِهِ أحَداً غَيرَهُ ۴ ، وَإِذا مَرَّ بِكَ ۵ أمرانِ لا تَدري أيُّهُما خَيرٌ وَأَصوَبُ فَانظُر أيَّهما أقرَبَ إلى هواكَ فَخالِفهُ ، فَإِنَّ كَثيرَ الصَّوابِ في مُخاَلَفةِ هَواكَ ، وَإِيَّاكَ أن تَغلِبَ الحِكمَةَ وَتَضَعَها في أهلِ الجَهالَةِ ۶ .
قالَ هِشامُ : فَقُلتُ لَهُ : فَإِن وَجَدتُ رَجُلاً طالِباً لَهُ ، غَيرَ أنَّ عَقلَهُ لا يَتَّسِعُ لِضَبطِ ما اُلِقيَ إلَيهِ ؟ قالَ عليه السلام : فَتَلَطَّفَ لَهُ فِي النَّصيحَةِ ، فَإِن ضاقَ قَلبُهُ فَلا تُعَرِضَنَّ نَفسَكَ لِلفِتنَةِ ، وَاحذَر رَدَّ المُتَكَبِّرينَ ،

1.استطال عليهم : أي تفضّل عليهم .

2.العطب : الهلاك .

3.الضّاري : الحيوان السّبع ، من ضرّا الكلب بالصّيد يضْرو : تعوَّده وأوْلع به . وأيضاً : تطعم بلحمه ودمه .

4.أيإذا اختصّ العاقل بنعمة ينبغي له أن يشارك غيره في هذه النّعمة بأن يعطيه منها. وفيبعض النّسخ:«إذ تفرّد له».

5.في بعض النّسخ : «وإذا خرّ بك أمران » ، وخرّ به أمر : أي نزل به وأهمّه .

6.قال المجلسي رحمه الله : كأنّ فيه حذفاً وإيصالاً أي تغلب على الحكمة أي يأخذها منك قهراً مَن لا يستحقّها بأن يقرأ على صيغة المجهول أو على المعلوم أي تغلب على الحكمة فإنّها تأبى عمّن لا يستحقّها . ويحتمل أن يكون بالفاء والتّاء من الإفلات بمعنى الإطلاق فإنّهم يقولون : انفلت منّي كلام أي صدر بغير رويّة . وفي بعض النّسخ المنقولة من الكتاب : « وإيّاك أن تطلب الحكمة وتضعها في الجهّال » .


مكاتيب الأئمّة ج4
496

العَقلُ ، فَإِذا كانَ العَبدُ عاقِلاً كانَ عالِماً بِرَبِّهِ ، وَإِذا كانَ عالِماً بِرَبِّهِ أبصَرَ دينَهُ ، وَإن كانَ جاهِلاً بِرَبِّهِ لَم يَقُم لَهُ دينٌ ، وَكَما لا يَقومُ الجَسَدُ إلاّ بِالنَّفسِ الحَيَّةِ ، فَكذلِكَ لا يَقومُ الدّينُ إلاّ بِالنِّيَّةِ الصّادِقَةِ وَلا تَثبُتُ النِّيَّةُ الصّادِقَةُ إلاّ بِالعَقلِ .
يا هِشامُ ؛ إنَّ الزَّرعَ يَنبُتُ فِي السَّهلِ وَلا يَنبُتُ فِي الصَّفا ۱ ، فَكَذلِكَ الحِكمَةُ تَعمُرُ في قَلبِ المُتَواضِعِ وَلا تَعمُرُ في قَلبِ المُتَكَبِّرِ الجَبّارِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ جَعَلَ التَّواضُعَ آلَةُ العَقلِ وَجَعَلَ التَّكَبُّرَ مِن آلَةِ الجَهلِ ، ألَم تَعلَم أنَّ مَن شَمَخَ ۲ إلَى السَّقفِ بِرَأسِهِ شَجَّهُ ۳ وَمَن خَفَضَ رَأسَهُ استَظَلَّ تَحتَهُ وأَكَنَّهُ ، وَكَذلِكَ مَن لَم يَتَواضَع للّهِِ خَفَضَهُ اللّهُ ، وَمَن تَواضَعَ للّهِِ رَفَعَهُ .
يا هِشامُ ، ما أقبَحَ الفَقرَ بَعدَ الغِنى ! وَأقَبحَ الخَطيئَةَ بَعدَ النُّسُكِ ! وَأقبَحُ مِن ذلِكَ العابِدُ للّهِِ ثُمَّ يَترُكُ عِبادَتَهُ .
يا هِشامُ ؛ لا خَيرَ فِي العَيشِ إلاّ لِرَجُلَينِ : لِمُستَمِعٍ واعٍ ، وَعالِمٍ ناطِقٍ .
يا هِشامُ ؛ ما قُسِّمَ بَينَ العِبادِ أفضَلُ مِنَ العَقلِ ، نَومُ العاقِلِ أفضَلُ مِن سَهَرِ الجاهِلِ ، وَما بَعَثَ اللّهُ نَبِيّاً إلاّ عاقِلاً ، حَتّى يَكونَ عَقلُهُ أفضَلَ مِن جَميعِ جَهدِ المُجتَهدينَ ، وَما أدَّى العَبدُ فَريضَةً مِن فرائِضِ اللّهِ حَتّى عَقِلَ عَنهُ .
يا هِشامُ ؛ قالِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إذا رَأيتُم المُؤمِنَ صَموتاً فَادنوا مِنهُ ، فَإنَّهُ يُلقي الحِكمَةَ ، وَالمُؤمِنُ قَليلُ الكَلامِ كَثيرُ العَمَلِ ، وَالمُنافِقُ كَثيرُ الكَلامِ قَليلُ العَمَلِ .
يا هِشامُ ، أوحَى اللّهُ تَعالى إلى داوودَ عليه السلام : قُل لِعبادي : لا يَجعلوا بَيني وَبَينَهُم عالِماً مَفتوناً بِالدُّنيا فَيَصُدُّهُم عَن ذِكري ، وَعَن طَريقِ مَحَبَّتي وَمُناجاتي ، اُولئِكَ قُطّاعُ الطَّريقِ مِن عِبادي ، إنّ أدنى ما أَنا صانِعٌ بِهِم أن أنزَعَ حَلاوَةَ مَحَبَّتي وَمُناجاتي مِن قُلوبِهِم .
يا هِشامُ ؛ مَن تَعَظَّمَ في نَفسِهِ لَعَنَتهُ مَلائِكَةُ السَّماءِ وَمَلائِكَةُ الأَرضِ ، وَمَن تَكَبَّرَ على إخوانِهِ

1.الصّفا : الحجر الصّلد الضّخم .

2.شمخ - من باب منع - : علا ورفع .

3.أي كسره وجرحه .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 112830
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي