51
مكاتيب الأئمّة ج4

قالَ : وَهَل أرَيتَني أجَبتُكَ إلى أنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ رَقى إلى السَّماءِ وَقَدَرَ على ذلِكَ حَتّى أقولَ : إنَّهُ دَخَلَ في ظُلُماتِ الأرضينَ وَالبُحورِ .
قلتُ : فَكَيفَ وَقَعَ هذا العِلمُ الّذي زَعَمتَ أنَّ الحُكماءَ مِنَ النّاسِ وَضَعوهُ ، وَأنَّ النّاسَ كُلَّهُم مولَدونَ بِهِ ؟ وكَيفَ عَرَفوا ذلِكَ الحِسابَ وَهُو أقدَمُ مِنهُم ؟ ۱

1.قال المجلسي في بحار الأنوار : في نسخة السّيد ابن طاووس هاهنا زيادة : قال : أرأيت إن قلت لك : إنّ البروج لم تزل ، وهي الّتي خلقت أنفسها على هذا الحساب ، ما الّذي تردّ عليّ ؟ قلت : أسألك كيف يكون بعضها سعداً وبعضها نحساً، وبعضها مضيئاً وبعضها مظلماً، وبعضها صغيراً وبعضها كبيراً؟ قال: كذلك أرادت أن تكون بمنزلة النّاس، فإنّ بعضهم جميل، وبعضهم قبيح، وبعضهم قصير، وبعضهم طويل، وبعضهم أبيض، وبعضهم أسود، وبعضهم صالح، وبعضهم طالح. قلت: فالعجب منك! إنّي أُراودك منذ اليوم على أن تقرّ بصانع فلم تجبني إلى ذلك ، حتّى كان الآن أقررت بأنّ القردة والخنازير خلقن أنفسهنّ ! قال : لقد بهّتني بما لم يسمع النّاس منّي ! قلت : أفمنكر أنت لذلك ؟ قال : أشدّ إنكار . قلت : فمن خلق القردة والخنازير إن كان النّاس والنّجوم خلقن أنفسهنّ ؟ فلابدّ من أن تقول : إنّهنّ من خلق النّاس ، أو خلقن أنفسهن، أفتقول: إنّها من خلق النّاس؟ قال: لا. قلت: فلابدّ من أن يكون لها خالق أو هي خلقت أنفسها، فإن قلتَ: إنّها من خلق النّاس أقررت أنّ لها خالقاً، فإن قلتَ: لابدّ أن يكون لها خالق فقد صدقت ، وما أعرفنا به، ولئِن قُلتَ: إنّهنّ خلقن أنفسهن فقد أعطيتني فوق ما طلبت منك من الإقرار بصانع. ثمّ قلتُ : فأخبرني بَعضُهنّ قبل بعض خلقن أنفسهنّ أم كان ذلك في يوم واحد؟ فإن قُلتَ : بعضُهُنّ قبل بعض فأخبرني ، السّماواتُ وما فيهنّ والنّجومُ قبلَ الأرض والإنسِ والذّرِ خُلِقنَ أم بَعدَ ذلِكَ ؟ فَإن قلتَ : إنّ الأرضَ قَبلُ ، أفلا تَرى قولَكَ : إنّ الأشياءَ لم تَزَل ، قد بطل حيث كانت السّماء بعد الأرض ؟ قال : بلى ، ولكن أقول: مَعاً جميعاً خُلقنَ . قُلتُ : أفَلا تَرى أنَّكَ قَد أقرَرتَ أنّها لَم تَكُن شَيئاً قَبل أن خُلِقنَ ، وَقَد أذهَبتَ حُجّتكَ في الأزليّةِ ؟ قال: إنّي لعلى حَدّ وُقوفٍ ، ما أدري ما اُجيبُكَ فيهِ ؛ لأنّي أعلم أنّ الصّانع إنّما سمي صانعاً لصناعته ، والصّناعة غير الصّانع ، والصّانع غير الصّناعة ؛ لأنّه يقال للرّجل: الباني لصناعته البنّاء ، والبنّاء غير الباني والباني غير البنّاء ، وكذلك الحارثُ غيرُ الحرثِ والحَرثُ غيرُ الحارثِ . قلتُ : فأخبرني عن قولِكَ : إنّ النّاس خَلقوا أنفسهم ، فبكمالهم خلقوها أرواحهم وأجسادهم وصورهم وأنفاسهم ؟ أم خلق بعض ذلك غيرهم؟ قال: بكمالهم لم يخلق ذلك ولا شيئاً منهم غيرهم. قلتُ : فأخبرني ، الحياة أحبّ إليهم أم الموت؟ قال: أو تشكّ أنّه لا شيء أحبّ إليهم من الحياة، ولا أبغض إليهم من الموت . قلتُ : فأخبرني من خلق الموت الّذي يخرج أنفسهم الّتي زعمت أنّهم خلقوها ، فإنّك لا تنكر أنّ الموت غير الحياة، وأنّه هو الّذي يذهب بالحياة . فإن قلتَ : إنّ الّذي خلق الموت غيرهم ، فإنّ الّذي خلق الموت هو الّذي خلق الحياة، ولئن قلت: هم الّذين خلقوا الموت لأنفسهم ، إنّ هذا لمحال من القول! وكيف خلقوا لأنفسهم ما يكرهون ، إن كانوا كما زعمت خلقوا أنفسهم ؟ هذا ما يستنكر من ضلالك أن تزعم أنّ النّاس قدروا على خلق أنفسهم بكمالهم ، وأنّ الحياة أحبّ إليهم من الموت ، وخلقوا ما يكرهون لأنفسهم!. قال: ما أجد واحداً من القولين ينقاد لي ، ولقد قطعته عليّ قبل الغاية الّتي كنت أريدها . قلت : دعني فإنّ من الدّخول في أبواب الجهالات ما لا ينقاد من الكلام، وإنّما أسألك عن معلّم هذا الحساب الّذي علّم أهل الأرض علم هذه النّجوم المعلّقة في السّماء .


مكاتيب الأئمّة ج4
50

مِن أهلِ الأرضِ لا يَراها إذا تَوارَت بِضَوءِ الشَّمسِ ، إلاّ أن تَزعُمَ أنَّ هذا الحكيمَ الّذي وَضَعَ هذا العِلمَ قَد رَقى إلى السَّماءِ ، وَأنا أشهَدُ أنَّ هذا العالَمَ لَم يَقدِر عَلى هذا العِلمِ إلاّ بِمَن فِي السَّماءِ ، لأنَّ هذا لَيسَ مِن عِلمِ أهلِ الأرضِ .
قال: ما بَلَغَني أنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ رَقى إلى السَّماءِ .
قُلتُ : فَلَعَلَّ هذا الحَكيمَ فَعَلَ ذلِكَ وَلَم يَبلُغكَ؟
قال: وَلَو بَلَغَني ما كُنتُ مُصَدِّقاً .
قُلتُ : فَأنا أقولُ قَولَكَ ، هَبهُ رَقى إلى السَّماءِ هَل كانَ لَهُ بُدٌّ مِن أن يَجري مَعَ كُلِّ بُرجٍ من هذهِ البُروجِ ، وَنَجمٍ مِن هذهِ النُّجومِ مِن حَيثُ يَطلُعُ إلى حَيثُ يَغيبُ ، ثُمَّ يَعودُ إلى الآخَرِ حَتّى يَفعلَ مِثلَ ذلِكَ حَتّى يأتي عَلى آخِرِها؟ فإنَّ مِنها ما يَقطَعُ السَّماءَ في ثَلاثينَ سَنَةً ، وَمِنها ما يَقطَعُ دونَ ذلِكَ ، وَهَل كانَ لَهُ بُدٌّ مِن أن يَجولَ في أقطارِ السَّماءِ حَتّى يَعرِفَ مَطالِعَ السُّعودِ مِنها وَالنُّحوسِ ، وَالبَطيءِ وَالسَّريعِ ، حَتّى يُحصي ذلِكَ ؟ أو هَبهُ قَدَرَ على ذلِكَ حَتّى فَرغَ مِمّا في السَّماءِ ، هَل كانَ يَستقيمُ لَهُ حِسابُ ما فِي السَّماءِ حَتّى يُحكِمَ حِسابَ ما فِي الأرضِ وَما تَحتَها ؟ وأن يَعرِفَ ذلِكَ مِثلَ ما قَد عايَنَ فِي السَّماءِ ؛ لِأنَّ مَجاريها تَحتَ الأرضِ عَلى غَيرِ مَجاريها فِي السَّماءِ ، فَلَم يَكُن يَقدِرُ عَلى إحكام حِسابِها وَدَقائِقِها وَساعاتِها إلاّ بِمَعرِفَةِ ما غابَ عَنهُ تَحتَ الأرضِ مِنها ، لِأنَّهُ يَنبغي أن يَعرِفَ أيَّ ساعَةٍ مِنَ اللّيلِ يَطلُعُ طالِعُها ، وَكَم يَمكُثُ تَحتَ الأرضِ ، وَأيَّةُ ساعَةٍ مِنَ النَّهارِ يَغيبُ غائِبُها لِأنَّهُ لا يُعايِنُها ، وَلا ما طلَعَ مِنها وَلا ما غابَ ، وَلابُدَّ مِن أن يَكونَ العالِمُ بِها واحِداً وَإلاّ لَم يَنتَفِع بِالحِسابِ إلاّ تَزعُمُ أنَّ ذلِكَ الحَكيمَ قَد دَخَلَ في ظُلماتِ الأرَضينَ وَالبِحارِ فَسارَ مَعَ النُّجومِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ في مَجاريها عَلى قَدرِ ما سارَ فِي السَّماءِ حَتَّى عَلِمَ الغَيبَ مِنها ، وَعَلِمَ ما تَحتَ الأرضِ عَلى قَدرِ ما عايَنَ مِنها فِي السَّماءِ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113930
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي