قال : أشهَدُ أنّ الخالِقَ واحِدٌ مِن غَيرِ شَكٍّ ؛ لأنَّكَ قَد أتَيتَني بِحُجَّةٍ ظَهَرَت لِعَقلي ، وَانقَطَعَت بِها حُجَّتي، وَما أرى يَستقيمُ أَن يُكونَ واضِعُ هذا الحِسابِ وَمُعَلّمُ هذهِ النُّجومِ وَاحِداً مِن أهلِ الأرضِ ؛ لِأنَّها فِي السَّماءِ ، وَلا مَعَ ذلِكَ يَعرِفُ ما تَحتَ الأرضِ مِنها إلاّ مُعَلِّمَ ما فِي السَّماءِ مِنها ، وَلكن ، لَستُ أدري كَيفَ سَقَطَ أهلُ الأرضِ عَلى هذا العِلمِ الّذي هُوَ فِي السَّماءِ حَتّى اتَّفقَ حِسابُهُم عَلى ما رَأيتُ مِنَ الدِّقَةِ وَالصَّوابِ ؟ فإنّي لَو لَم أعرِف مِن هذا الحسابِ ما أعرِفُهُ لَأنكَرتُهُ ، وَلَأخبَرتُكَ أنَّهُ باطِلُ في بِدءِ الأمرِ فَكانَ أهونَ عَلَيَّ .
قلتُ : فَأعطِني مَوثِقاً إن أنا أعطَيتُكَ مِن قِبَلِ هَذهِ الإهليلجَةِ الّتي في يَدِكَ وَما تَدَّعي مِنَ الطّبِّ الّذي هُوَ صَناعَتُكَ وَصَناعَةُ آبائِكَ حَتّى يَتَّصِلَ الإهليلجَةُ وَما يُشبِهُها مِنَ الأدوِيَةِ بِالسَّماءِ لَتُذعِنَنَّ بِالحَقِّ ، وَلَتُنصِفَنَّ مِن نَفسِكَ .
قال: ذلِكَ لَكَ .
قلتُ : هَل كانَ النّاسُ على حالٍ وَهُم لا يَعرِفونَ الطِّبَّ وَمَنافِعَهُ مِن هذهِ الإهليلجَةِ وَأشباهِها؟
قالَ: نَعَم.
قُلتُ : فَمِن أينَ اهتَدَوا لَهُ؟
قال : بِالتَّجرِبَةِ وَطولِ المُقايَسَةِ .
قلت : فَكَيفَ خَطَرَ على أوهامِهِم حَتّى هَمّوا بِتَجرِبَتِهِ ؟ وَكَيفَ ظَنّوا أنَّهُ مَصلَحَةٌ لِلأجسادِ وَهُم لا يَرونَ فيهِ إلاّ المَضَرّةَ؟ أو كَيفَ عَزموا على طَلَبِ ما لا يَعرِفونَ مِمّا لا تَدُلُّهُم عَلَيهِ الحَوَاسُّ؟
قال : بِالتَّجارِبِ .
قلتُ : أخبرني عن واضِعِ هذا الطِّبِ وَواصِفِ هَذهِ العَقاقيرِ المُتَفَرِّقَةِ بَينَ المَشرِقِ