55
مكاتيب الأئمّة ج4

قال : أشهَدُ أنّ الخالِقَ واحِدٌ مِن غَيرِ شَكٍّ ؛ لأنَّكَ قَد أتَيتَني بِحُجَّةٍ ظَهَرَت لِعَقلي ، وَانقَطَعَت بِها حُجَّتي، وَما أرى يَستقيمُ أَن يُكونَ واضِعُ هذا الحِسابِ وَمُعَلّمُ هذهِ النُّجومِ وَاحِداً مِن أهلِ الأرضِ ؛ لِأنَّها فِي السَّماءِ ، وَلا مَعَ ذلِكَ يَعرِفُ ما تَحتَ الأرضِ مِنها إلاّ مُعَلِّمَ ما فِي السَّماءِ مِنها ، وَلكن ، لَستُ أدري كَيفَ سَقَطَ أهلُ الأرضِ عَلى هذا العِلمِ الّذي هُوَ فِي السَّماءِ حَتّى اتَّفقَ حِسابُهُم عَلى ما رَأيتُ مِنَ الدِّقَةِ وَالصَّوابِ ؟ فإنّي لَو لَم أعرِف مِن هذا الحسابِ ما أعرِفُهُ لَأنكَرتُهُ ، وَلَأخبَرتُكَ أنَّهُ باطِلُ في بِدءِ الأمرِ فَكانَ أهونَ عَلَيَّ .
قلتُ : فَأعطِني مَوثِقاً إن أنا أعطَيتُكَ مِن قِبَلِ هَذهِ الإهليلجَةِ الّتي في يَدِكَ وَما تَدَّعي مِنَ الطّبِّ الّذي هُوَ صَناعَتُكَ وَصَناعَةُ آبائِكَ حَتّى يَتَّصِلَ الإهليلجَةُ وَما يُشبِهُها مِنَ الأدوِيَةِ بِالسَّماءِ لَتُذعِنَنَّ بِالحَقِّ ، وَلَتُنصِفَنَّ مِن نَفسِكَ .
قال: ذلِكَ لَكَ .
قلتُ : هَل كانَ النّاسُ على حالٍ وَهُم لا يَعرِفونَ الطِّبَّ وَمَنافِعَهُ مِن هذهِ الإهليلجَةِ وَأشباهِها؟
قالَ: نَعَم.
قُلتُ : فَمِن أينَ اهتَدَوا لَهُ؟
قال : بِالتَّجرِبَةِ وَطولِ المُقايَسَةِ .
قلت : فَكَيفَ خَطَرَ على أوهامِهِم حَتّى هَمّوا بِتَجرِبَتِهِ ؟ وَكَيفَ ظَنّوا أنَّهُ مَصلَحَةٌ لِلأجسادِ وَهُم لا يَرونَ فيهِ إلاّ المَضَرّةَ؟ أو كَيفَ عَزموا على طَلَبِ ما لا يَعرِفونَ مِمّا لا تَدُلُّهُم عَلَيهِ الحَوَاسُّ؟
قال : بِالتَّجارِبِ .
قلتُ : أخبرني عن واضِعِ هذا الطِّبِ وَواصِفِ هَذهِ العَقاقيرِ المُتَفَرِّقَةِ بَينَ المَشرِقِ


مكاتيب الأئمّة ج4
54

النّاسُ وَلا غَيرُهُم مِنَ الأنامِ ، وَلا قَدَروا أن يَكونوا فِي الهَواءِ إلاّ أن يكونَ لَهُم أجنِحَةٌ ؟
قالَ : وماذا يُغني عَنهُم الأجنِحَةُ إذا لَم تَكُن لَهُم مَعيشَةٌ ؟
قُلتُ : فَفي شَكٍّ أنتَ مِن أنَّ النّاسَ حَدَثَ بَعدَ الأرضِ وَالبُروجِ ؟
قالَ : لا وَلكن عَلى اليَقينِ مِن ذلِكَ .
قُلتُ : آتيكَ أيضاً بِما تُبصِرُهُ .
قال: ذلِكَ أنفى للشَكِّ عَنّي.
قُلتُ : ألستَ تَعلَمُ أنَّ الّذي تَدورُ عَلَيهِ هذهِ النُّجومُ والشَّمسُ والقَمَرُ هذا الفَلَكُ ؟
قالَ: بلى.
قلتُ: أفَلَيسَ قَد كانَ أساساً لِهذهِ النُّجومِ؟
قَال: بَلى .
قُلتُ : فَما أرَى هذهِ النُّجومَ الّتي زَعَمتَ أنَّها مَواليدُ النّاسِ ، إلاّ وَقَد وَضَعتَ بَعدَ هذا الفَلَكِ ؛ لِأنّهُ بهِ تَدورُ البُروجُ وتَسفُلُ مَرَّةً وَتَصعَدُ اُخرى .
قال: قَد جِئتَ بِأمرٍ واضِحٍ لا يَشكُلُ عَلى ذي عَقلٍ أنَّ الفَلَكَ الّذي تَدورُ بِهِ النُّجومُ هُوَ أساسُها الّذي وُضِعَ لَها لِأَنّها إنَّما جَرَت بِهِ .
قُلتُ : أقرَرتَ أنَّ خالِقَ النُّجومِ الّتي يُولَدُ بِها النّاسُ ، سُعودُهُم وَنُحوسُهُم ، هُوَ خالِقُ الأرضِ ؛ لأنّهُ لَو لَم يَكُن خَلَقَها لَم يَكُن ذَرءٌ.
قالَ : ما أجِدُ بُدّاً من إجابَتِكَ إلى ذلِكَ .
قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي لَكَ أن يُدِلَّكَ عَقلُكَ عَلى أنّهُ لا يَقدِرُ على خَلقِ السَّماءِ إلاّ الّذي خَلَقَ الأرضَ وَالذَّرءَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ ، وأنَّهُ لَولا السَّماءُ وَما فيها لَهَلَكَ ذَرءُ الأرضِ.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113870
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي