59
مكاتيب الأئمّة ج4

فَوقَ ذلِكَ وَدونَهُ حَتّى يجيء بِقَدَرٍ واحِدٍ مَعلومٍ إذا سَقَيتَ مِنهُ صاحِبَ البِطنَةِ بِمِقدارِ عَقدِ بَطنِهِ ، وإن سَقَيتَ صاحِبَ القُولَنجِ أكثَرَ مِن ذلِكَ استَطلَقَ بَطنُهُ وَألانَ ، فَكَيفَ أدرَكَت حَواسُّهُ على هذا؟ أم كَيفَ عَرَفَت حَواسُّهُ أنّ الّذي يُسقى لِوَجَعِ الرأسِ لا يَنحَدِرُ إلى الرّجلَينِ ، وَالانحدارُ أهوَنُ عَلَيهِ مِنَ الصُّعودِ ؟ وَالّذي يُسقى لِوَجَعِ القَدَمَينِ لا يَصعَدُ إلى الرَّأسِ ، وَهُوَ إلى الرّأسِ عِندَ السُّلوكِ أقرَبُ مِنهُ ؟ وكذلِكَ كُلُّ دَواءٍ يُسقى صاحِبُهُ لِكُلِّ عُضوٍ لا يَأخُذُ إلاّ طريقَهُ في العُروقِ الّتي تُسقَى لَهُ ، وَكُلُّ ذلِكَ يَصيرُ إلى المَعِدَةِ وَمِنها يَتَفَرَّقُ ؟ أم كَيفَ لا يَسفُلُ مِنهُ ما صعِدَ ولا يَصعَدُ مِنهُ ما انحَدَرَ ؟ أم كَيفَ عَرَفَتِ الحَواسُّ هذا حَتّى عَلِمَ أنّ الّذي يَنبَغي للأُذُنِ لا يَنفَعُ العَينَ وَما يَنتَفِعُ بِهِ العَينُ لا يُغني مِن وَجَعِ الأُذُنِ ، وَكذلِكَ جَميعُ الأعضاءِ يَصيرُ كُلُّ داءٍ مِنها إلى ذلِكَ الدَّواءِ الّذي يَنبَغي لَهُ بِعَينِهِ فَكَيفَ أدرَكَتِ العُقولُ والحِكمَةُ والحَواسُّ هذا وَهُوَ غائِبٌ فِي الجَوفِ ، وَالعُروقُ في اللّحمِ ، وَفَوقَهُ الجِلدُ لا يُدرِكُ بِسَمعٍ ولا بِبَصَرٍ وَلا بِشَمٍّ ولا بِلَمسٍ وَلا بِذَوقٍ ؟
قالَ : لَقَد جِئتَ بِما أعرِفُهُ إلاّ أنَّنا نَقولُ : إنَّ الحَكيمَ الّذي وَضَعَ هذهِ الأدوِيَةَ وَأخلاطَها كان إذا سَقى أحَداً شيئاً مِن هذهِ الأدوِيَةِ فَماتَ ، شَقَّ بَطنَهُ وَتَتَّبعُ عُروقَهُ وَنَظَرَ مَجارِيَ تِلكَ الأدوِيَةِ وَأتى المَواضِعَ الّتي تِلكَ الأدوِيَةُ فيها .
قلتُ : فَأخبِرني ألَستَ تَعلَمُ أنَّ الدَّواءَ كُلَّهُ إذا وَقَعَ فِي العُروقِ اختَلَطَ بِالدَّمِ فَصارَ شَيئاً واحِداً؟
قالَ : بَلى .
قلتُ : أما تَعلَمُ أنَّ الإنسانَ إذا خَرَجَت نَفسُهُ بَرَدَ دَمُهُ وَجَمَدَ؟
قالَ : بَلى .
قلتُ : فَكَيفَ عَرَف ذلِكَ الحَكيمُ دَواءَهُ الّذي سَقاهُ لِلمَريضِ بَعدَما صارَ غَليظاً عَبيطاً ، لَيسَ بِأمشاجٍ يُستَدَلُّ عَلَيهِ بِلَونٍ فيهِ غَيرُ لَونِ الدَّمِ ؟


مكاتيب الأئمّة ج4
58

كَيفَ قَوِيَ على خَلطِها ، وَعَرَفَ قَدرَها وَوَزنَها وَأخَذَ مَثاقيلَها وَقَرّطَ قَراريطَها؟ وَهَبهُ تَتَّبعَ هذا كُلَّهُ ، وَأكثَرُهُ سُمٌّ قاتِلٌ ، إن زيدَ على قَدرِها قُتِلَ ، وإن نَقَصَ عَن قَدرِها بَطُلَ ، وَهَبهُ تَتَّبَعَ هذا كُلَّهُ وَجالَ مشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها ، وَطالَ عُمرُهُ فيها تَتَّبعَهُ شَجَرَةً شَجَرَةً ، وَبُقعَةً بُقعَةً ، كَيفَ كانَ لَهُ تَتَّبعُ ما لَم يَدخُل في ذلِكَ مِن مَرارَةِ الطّيرِ والسِّباعِ وَدَوابِّ البَحرِ ؟ هَل كانَ بُدٌّ حَيثُ زَعَمتَ أنّ ذلِكَ الحَكيمَ تَتَّبعَ عَقاقيرَ الدُّنيا شَجَرَةً شَجَرَةً وَثَمَرَةً ثَمَرَةً ، حَتّى جَمَعَها كُلَّها فَمِنها ما لا يَصلُحُ وَلا يَكونُ دَواءاً إلاّ بالمَرارِ ؟ هَل كانَ بُدٌّ مِن أن يَتَّبِعَ جَميعَ طَيرِ الدُّنيا وَسِباعِها وَدَوابّها دابَّةً دابَّةً وطائِراً طائِراً يَقتُلُها وَيُجَرّبُ مَرارَتَها ، كَما بَحَثَ عَن تِلكَ العَقاقيرِ عَلى ما زَعَمتَ بِالتَّجارِبِ ؟ وَلَو كانَ ذلِكَ فَكَيفَ بَقِيَتِ الدَّوابُّ وَتَناسَلَت ، وَلَيسَت بِمَنزِلَةِ الشَّجَرَةِ إذا قُطِعَت شَجَرَةٌ نَبَتَت اُخرى ؟ وَهَبهُ أتى عَلى طَيرِ الدُّنيا ، كيفَ يَصنَعُ بِما فِي البَحرِ مِنَ الدَّوابِّ الّتي كانَ يَنبَغي أن يَتَّبِعَها بَحراً بَحراً وَدَابَّةً دَابَّةً حَتّى أحاطَ بِهِ كَما أحاطَ بِجَميعِ عَقاقيرِ الدُّنيا الّتي بَحَثَ عَنها حَتّى عَرَفَها وَطَلَبَ ذلِكَ في غَمَراتِ الماءِ ؟ فَإنَّكَ مَهما جَهِلتَ شَيئاً مِن هذا فَإنَّكَ لا تَجهَلُ أنَّ دَوابّ البَحرِ كُلَّها تَحتَ الماءِ ، فَهَل يَدُلُّ العَقلُ وَالحَوَاسُّ عَلى أنَّ هذا يُدرَكُ بِالبَحثِ وَالتَّجارِبِ؟
قالَ : لَقَد ضَيَّقتَ عَلَيَّ المَذاهِبَ ، فمَا أدري ما اُجيبُكَ بِهِ !
قُلتُ : فإنّي آتيكَ بِغَيرِ ذلِكَ مِمّا هُوَ أوضَحُ وَأبيَنُ مِمّا اقتَصَصتُ عَلَيكَ . ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هذهِ العَقاقيرِ الّتي مِنها الأَدوِيَةُ وَالمَرارُ مِنَ الطّيرِ والسِّباعِ لا يَكونُ دَواءاً إلاّ بَعدَ الاجتِماعِ؟
قال: هُوَ كذلِكَ .
قُلتُ : فَأخبِرني كَيفَ حَوَاسُّ هذا الحَكيمِ وَضَعَت هذهِ الأدوِيَةَ مَثاقيلَها وَقراريطَها ؟ فَإنَّكُ مِن أعلَمِ النّاسِ بِذلِكَ لِأنَّ صناعَتَكَ الطّبُ ، وَأنتَ تَدخُلُ في الدَّواءِ الواحِدِ مِنَ اللَّونِ الواحِدِ زِنَةَ أربَعِمئَةِ مِثقالٍ ، وَمِنَ الآخَرِ مَثاقيلُ وَقَراريطُ فَما

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113782
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي