61
مكاتيب الأئمّة ج4

الّتي طَلَبتَها ، حَيثُ كانَت مِن أدنى الحَديقَةِ أو أقصاها فَيأتيكَ بِها ؟
قال: نَعَم .
قلتُ : أفَرأيتَ لَو قالَ لَكَ صاحِبُ الحَديقَةِ حَيثُ سَألتَهُ الثَّمَرَةَ : ادخُلِ الحديقَةَ فَخُذ حاجَتَكَ ، فإنّي لا أقدِرُ على ذلِكَ ، هَل كُنتَ تَقدِرُ أن تَنطَلِقَ قاصِداً لا تَأخُدُ يَميناً وَلا شِمالاً حَتّى تَنتَهي إلى الشَّجَرَةِ فَتَجتَني مِنها ؟
قالَ : وَكَيفَ أقدِرُ على ذلِكَ وَلا عِلمَ لي في أيِّ مَواضِعِ الحَديقَةِ هِيَ؟
قلتُ : أفَلَيسَ تَعلَمُ أنَّكَ لَم تَكُن لِتُصيبَها دونَ أن تَهجِمَ عَلَيها بِتَعَسُّفٍ وَجَوَلانٍ في جَميعِ الحَديقَةِ حَتّى تَستَدِلَّ عَلَيها بِبَعضِ حَوَاسّكَ بَعدَ ما تَتَصَفَّحُ فيها مِنَ الشَّجَرَةِ ، شَجَرَةً شَجَرَةً وَثَمَرَةً ثَمَرَةً حَتّى تَسقُطَ عَلى الشَّجَرَةِ الّتي تَطلُبُ بِبَعضِ حَواسِّكَ أن تأتيَها ، وإن لَم تَرَها انصَرَفتَ؟
قالَ : وَكَيفَ أقدِرُ على ذلِكَ وَلَم اُعايِن مَغرِسَها حَيثُ غُرِسَت ، وَلا مَنبِتَها حَيثُ نَبَتَت ، وَلا ثَمَرَتَها حَيثُ طَلَعَت .
قُلتُ : فإنّهُ يَنبَغي لَكَ أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ حَيثُ عَجَزَت حَواسُّكَ عَن إدراكِ ذلِكَ إنَّ الّذي غَرَسَ هذا البُستانَ العظيمَ فيما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَغَرَسَ فيهِ هذهِ الأشجارِ وَالبُقولِ هُوَ الّذي دَلَّ الحَكيمَ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ الطّبَّ على تِلكَ العَقاقيرِ وَمَواضِعِها في المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، وَكذلِكَ يَنبَغي لَكَ أن تَستَدِلَّ بِعَقلِكَ على أنَّهُ هُوَ الّذي سَمّاها وسمّى بلدتها ، وَعَرَفَ مَواضِعَها كَمَعرِفَةِ صاحِبِ الحَديقَةِ الّذي سَألتَهُ الثَّمَرَةَ ، وَكذلِكَ لا يَستَقيم وَلا يَنبَغي أن يكونَ الغارِسُ وَالدالُّ عَلَيها إلاّ الدَالّ على مَنافِعِها وَمَضارِّها وَقَراريطِها وَمَثاقيلِها .
قالَ : إنّ هذا لَكَما تَقولُ .
قُلتُ : أفَرَأيتَ لَو كانَ خالِقُ الجَسَدِ وَما فيهِ مِنَ العَصَبِ وَاللَّحمِ وَالأمعاءِ


مكاتيب الأئمّة ج4
60

قالَ : لَقَد حَمَلتَني على مَطِيَّةٍ صَعبَةٍ ما حُمِلتُ على مِثلِها قَطُّ ، وَلَقَد جِئتَ بِأشياءَ لا أقدِرُ على رَدِّها .
قلتُ : فأخبِرني مِن أينَ عَلِمَ العِبادُ ما وَصَفتَ مِن هذهِ الأدوِيَةِ الّتي فيها المَنافِعُ لَهُم حَتّى خَلَطوها وَتَتَّبعوا عَقاقيرَها في هذهِ البُلدانِ المُتَفَرّقَةِ ، وَعَرَفوا مَواضِعَها وَمَعادِنَها في الأماكِنِ المُتبائِنَةِ ، وما يَصلُحُ مِن عُروقِها وَزِنَتِها مِن مَثاقيلِها وَقَراريطِها ، وَما يَدخُلُها مِنَ الحِجارَةِ ومَرارِ السِّباعِ وَغَيرِ ذلِكَ ؟
قالَ : قَد أعيَيتُ عَن إجابَتِكَ لِغُموضِ مسائِلِكَ وإلجائِكَ إيّايَ إلى أمر لا يُدرَكُ عِلمُهُ بِالحَوَاسّ ، وَلا بِالتّشبيهِ وَالقِياس ، ولابُدَّ أن يَكونَ وَضَعَ هذهِ الأدوِيَةَ واضِعٌ ، لِأنَّها لَم تَضَع هِيَ أنفُسَها ، وَلا اجتَمَعَت حَتّى جَمَعَها غَيرُها بَعدَ مَعرِفَتِهِ إيَّاها ، فَأخبِرني كَيفَ عَلِمَ العِبادُ هذهِ الأدوِيَةَ الّتي فيها المَنافِعُ حَتّى خَلَطوها وَطَلَبوا عَقاقيرَها في هذهِ البُلدانِ المُتَفَرِّقَةِ؟
قلتُ : إنّي ضارِبٌ لَكَ مَثَلاً وَناصِبٌ لَكَ دَليلاً تَعرِفُ بهِ واضِعَ هذهِ الأدوِيَةِ وَالدَّالَ على هذهِ العَقاقيرِ المُختَلِفَةِ ، وَباني الجَسَدِ وَوَاضِعِ العُروقِ الّتي يَأخُذُ فيها الدَّواءُ إلى الدَّاءِ .
قال : فإن قُلتُ ذلِكَ لَم أجِد بُدّاً مِنَ الانقِيادِ إلى ذلِكَ .
قُلتُ : فَأخبِرني عَن رَجُلٍ أنشَأ حَديقَةً عَظيمَةً ، وَبَنى عَلَيها حائِطاً وَثيقاً ، ثُمَّ غَرَسَ فيها الأشجارَ وَالأثمارَ وَالرّياحينَ والبُقولَ ، وَتَعاهَدَ سَقيَها وَتَربِيَتَها ، وَوَقاها ما يَضُرُّها ، حَتّى لا يَخفى عَلَيهِ مَوضِعُ كُلِّ صِنفٍ مِنها فإذا أدرَكَت أشجارُها وَأينَعَت أثمارُها واهتَزَّت بُقولُها دَفَعَت إلَيهِ فَسَألتَهُ أن يُطعِمَكَ لَوناً مِنَ الثّمارِ والبُقولِ سَمّيتَهُ لَهُ ، أتُراهُ كانَ قادِراً على أن يَنطَلِقَ قاصِداً مُستَمِرّاً لا يَرجِعُ ، وَلا يَهوي إلى شَيءٍ يَمُرُّ بِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَالبُقولِ ، حَتّى يأتي الشَّجَرَةَ الّتي سَألتَهُ أن يأتِيَكَ بِثَمَرِها ، وَالبَقلَةَ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113711
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي