في مَرارِها المَنافِعُ ، مِمّا يَدخُلُ في تِلكَ الأدوِيَةِ ، فَإنَّهُ لَو كانَ غَيرَ خالِقِها لَم يَدرِ ما يُنتَفَعُ بِهِ مِن مَرارِها وما يَضُرُّ وما يَدخُلُ مِنها فِي العَقاقيرِ ، فَلَمّا كانَ الخالِقُ سُبحانَهُ وَتَعالى وَاحِداً دَلَّ على ما فيهِ مِنَ المَنافِعِ مِنها ، فَسَمّاهُ باسمِهِ حَتّى عَرَفَ وَتَرَكَ ما لا مَنفَعَةَ فيهِ مِنها ، فَمِن ثَمَّ عَلِمَ الحَكيمُ أيَّ السِّباعِ وَالدَّوابِّ وَالطَّيرِ فيهِ المنافِعُ ، وأيُّها لا مَنفَعَةَ فيهِ ، وَلَولا أنّ خالِقَ هذهِ الأشياءِ دَلّهُ عَلَيها ما اهتَدى بِها .
قال : إنّ هذا لَكما تَقولُ ، وَقَد بَطُلَتِ الحَوَاسُّ وَالتَّجارِبُ عِندَ هذهِ الصِّفاتِ .
قلتُ : أمّا إذا صَحَّت نَفسُكَ ، فَتَعالَ نَنظُرُ بِعُقولِنا وَنَستَدِلُّ بِحَواسِّنا ، هَل كانَ يَستقيمُ لِخالِقِ هذهِ الحَديقَةِ ، وَغارِسِ هذهِ الأشجارِ ، وخالِقِ هذهِ الدَّوابِّ والطَّيرِ والنّاسِ ، الّذي خَلَقَ هذهِ الأشياءَ لِمَنافِعِهِم أن يَخلُقَ هذا الخَلقَ ، وَيَغرِسَ هذا الغَرسَ في أَرضِ غَيرِهِ ، مِمّا إذا شاءَ مَنعَهُ ذلِكَ ؟
قالَ : ما يَنبغي أن تَكونَ الأرضُ الّتي خُلِقَت فيها الحَديقَةُ العَظيمَةُ وَغُرِسَت فيهِ الأشجارُ ، إلاّ لِخالِقِ هذا الخَلقِ وَملِكَ يَدِهِ .
قلتُ : فَقَد أرى الأرضَ أيضاً لِصاحِبِ الحَديقَةِ لاتِّصالِ هذهِ الأشياءِ بَعضِها بِبَعضٍ .
قالَ : ما في هذا شَكٌّ .
قلتُ : فَأخبرني وَناصِحَ نَفسَكَ ، ألَستَ تَعلَمُ أنّ هذهِ الحَديقَةَ وَما فيها مِنَ الخِلقَةِ العَظيمَةِ مِنَ الإنسِ وَالدَّوابِّ وَالطّيرِ وَالشَّجَرِ وَالعَقاقيرِ وَالثِّمارِ وَغَيرِها ، لا يُصلِحُها إلاّ شِربُها وَرِيُّها مِنَ الماءِ الّذي لا حَياةَ لِشَيءٍ إلاّ بِهِ ؟
قالَ : بلى.
قلتُ : أفَتَرى الحَديقَةَ وَما فيها مِنَ الذّرءِ خالِقُها واحِدٌ ، وخالِقُ الماءِ غَيرُهُ يَحبِسُهُ عَن هذهِ الحَديقَةِ إذا شاءَ وَيُرسِلُهُ إذا شاءَ فَيُفسِدُ على خالِقِ الحَديقَةِ ؟