يُستَدَلُّ به على ما أقولُ أنّهُ يُقبِلُ بِالأمواجِ أمثالَ الجِبالِ يُشرِفُ عَلى السَّهلِ وَالجَبَلِ ، فَلَو لَم تُقبَض أمواجُهُ وَلَم تُحبَس فِي المَواضِعِ الّتي أُمِرَت بِالاحتباسِ فيها ، لَأطبَقَت عَلى الدُّنيا حَتّى إذا انتَهَت على تِلكَ المَواضِعِ الّتي لَم تَزَل تَنتَهي إليها ، ذَلَّت أمواجُهُ وَخَضَعَ إشرافُهُ .
قال: إنّ ذلِكَ لَكَما وَصَفتَ وَلَقَد عايَنتُ مِنهُ كُلَّ الّذي ذَكَرتَ ، وَلَقَد أتيتَني بِبُرهانٍ وَدِلالاتٍ ما أقدَرُ على إنكارِها ولا جُحودِها لِبَيانِها .
قلتُ : وَغيرَ ذلِكَ سآتيكَ بِهِ مِمّا تَعرِفُ اتّصالَ الخَلقِ بَعضُه بِبَعضٍ ، وَأنّ ذلِكَ مِن مُدَبِّرٍ حَكيمٍ عالِمٍ قَديرٍ.
ألستَ تَعلَمُ أنَّ عامَّةَ الحَديقَةِ لَيسَ شِربُها مِنَ الأنهارِ وَالعُيونِ وَأنَّ أعظَمَ ما يَنبُتُ فيها مِنَ العَقاقيرِ وَالبُقولِ الّتي في الحَديقَةِ ، وَمَعاشَ ما فيها مِنَ الدّوابِّ والوَحشِ وَالطّيرِ مِنَ البَراري الّتي لا عُيونَ لَها وَلا أنهارَ ، إنّما يَسقيهِ السَّحابُ ؟
قال: بلى.
قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ وَما أدرَكتَ بِالحَواسِّ الّتي زَعَمتَ أنّ الأشياءَ لا تُعرَفُ إلاّ بِها ، أنّهُ لَو كانَ السَّحابُ الّذي يَحتَمِلُ مِنَ المِياهِ إلى البُلدانِ وَالمَواضِعِ الّتي لا تَنالُها ماءُ العُيونِ وَالأنهارِ وَفيها العَقاقيرُ وَالبُقولُ وَالشَّجَرُ والأنامُ لِغَيرِ صاحِبِ الحَديقَةِ لَأمسَكَهُ عَنِ الحَديقَةِ إذا شاءَ ، وَلَكانَ خالِقُ الحَديقَةِ مِن بَقاءِ خَليقَتِهِ الّتي ذَرَأ وَبَرَأ على غُرورٍ وَوَجَلٍ ، خائِفاً على خَليقَتِهِ أن يَحبِسَ صاحِبُ المَطَرِ الماءَ الّذي لا حَياةَ لِلخَليقَةِ إلاّ بِهِ .
قالَ : إنَّ الّذي جِئتَ بِهِ لَواضِحٌ مُتَّصِلٌ بَعضُهُ بِبَعضٍ ، وَما يَنبَغي أن يَكونَ الّذي خَلَقَ هذهِ الحَديقَةَ وَهذهِ الأرضَ ، وَجَعَلَ فيها الخَليقَةَ ، وخَلَقَ لَها هذا المَغيضَ ، وَأنبَتَ فيها هذهِ الثّمارَ المُختَلِفَةَ إلاّ خالِقُ السّماءِ وَالسَّحابِ ، يُرسِلُ مِنها ما شاءَ مِنَ الماءِ إذا شاءَ أن يَسقِيَ الحَديقَةَ وَيُحيي ما في الحَديقَةِ مِنَ الخَليقَةِ وَالأشجارِ