65
مكاتيب الأئمّة ج4

يُستَدَلُّ به على ما أقولُ أنّهُ يُقبِلُ بِالأمواجِ أمثالَ الجِبالِ يُشرِفُ عَلى السَّهلِ وَالجَبَلِ ، فَلَو لَم تُقبَض أمواجُهُ وَلَم تُحبَس فِي المَواضِعِ الّتي أُمِرَت بِالاحتباسِ فيها ، لَأطبَقَت عَلى الدُّنيا حَتّى إذا انتَهَت على تِلكَ المَواضِعِ الّتي لَم تَزَل تَنتَهي إليها ، ذَلَّت أمواجُهُ وَخَضَعَ إشرافُهُ .
قال: إنّ ذلِكَ لَكَما وَصَفتَ وَلَقَد عايَنتُ مِنهُ كُلَّ الّذي ذَكَرتَ ، وَلَقَد أتيتَني بِبُرهانٍ وَدِلالاتٍ ما أقدَرُ على إنكارِها ولا جُحودِها لِبَيانِها .
قلتُ : وَغيرَ ذلِكَ سآتيكَ بِهِ مِمّا تَعرِفُ اتّصالَ الخَلقِ بَعضُه بِبَعضٍ ، وَأنّ ذلِكَ مِن مُدَبِّرٍ حَكيمٍ عالِمٍ قَديرٍ.
ألستَ تَعلَمُ أنَّ عامَّةَ الحَديقَةِ لَيسَ شِربُها مِنَ الأنهارِ وَالعُيونِ وَأنَّ أعظَمَ ما يَنبُتُ فيها مِنَ العَقاقيرِ وَالبُقولِ الّتي في الحَديقَةِ ، وَمَعاشَ ما فيها مِنَ الدّوابِّ والوَحشِ وَالطّيرِ مِنَ البَراري الّتي لا عُيونَ لَها وَلا أنهارَ ، إنّما يَسقيهِ السَّحابُ ؟
قال: بلى.
قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ وَما أدرَكتَ بِالحَواسِّ الّتي زَعَمتَ أنّ الأشياءَ لا تُعرَفُ إلاّ بِها ، أنّهُ لَو كانَ السَّحابُ الّذي يَحتَمِلُ مِنَ المِياهِ إلى البُلدانِ وَالمَواضِعِ الّتي لا تَنالُها ماءُ العُيونِ وَالأنهارِ وَفيها العَقاقيرُ وَالبُقولُ وَالشَّجَرُ والأنامُ لِغَيرِ صاحِبِ الحَديقَةِ لَأمسَكَهُ عَنِ الحَديقَةِ إذا شاءَ ، وَلَكانَ خالِقُ الحَديقَةِ مِن بَقاءِ خَليقَتِهِ الّتي ذَرَأ وَبَرَأ على غُرورٍ وَوَجَلٍ ، خائِفاً على خَليقَتِهِ أن يَحبِسَ صاحِبُ المَطَرِ الماءَ الّذي لا حَياةَ لِلخَليقَةِ إلاّ بِهِ .
قالَ : إنَّ الّذي جِئتَ بِهِ لَواضِحٌ مُتَّصِلٌ بَعضُهُ بِبَعضٍ ، وَما يَنبَغي أن يَكونَ الّذي خَلَقَ هذهِ الحَديقَةَ وَهذهِ الأرضَ ، وَجَعَلَ فيها الخَليقَةَ ، وخَلَقَ لَها هذا المَغيضَ ، وَأنبَتَ فيها هذهِ الثّمارَ المُختَلِفَةَ إلاّ خالِقُ السّماءِ وَالسَّحابِ ، يُرسِلُ مِنها ما شاءَ مِنَ الماءِ إذا شاءَ أن يَسقِيَ الحَديقَةَ وَيُحيي ما في الحَديقَةِ مِنَ الخَليقَةِ وَالأشجارِ


مكاتيب الأئمّة ج4
64

قالَ : ما يَنبغي أن يَكونَ خالِقُ هذهِ الحَديقَةِ وذارِئُ هذا الذّرءِ الكَثيرِ ، وَغارِسُ هذهِ الأشجارِ إلاّ المُدَبِّرُ الأوّلُ ، ومَا ينبغي أن يَكونَ ذلِكَ الماءُ لِغَيرِهِ ، وَإنَّ اليَقينَ عِندي لَهُوَ أنَّ الّذي يُجري هذهِ المِياهِ مِن أرضِهِ وَجِبالِهِ لَغارِسُ هذهِ الحَديقَةِ وَما فيها مِنَ الخَليقَةِ ؛ لأنّهُ لَو كانَ الماءُ لِغَيرِ صاحِبِ الحَديقَةِ لَهَلَكَ الحَديقَةُ وَما فيها، وَلكِنَّهُ خالِقُ الماءِ قَبلَ الغَرسِ وَالذَّرءِ ، وَبِهِ استَقامَت الأشياءُ وَصَلُحَت .
قلتُ : أفَرَأيتَ لَو لَم يَكُن لِهذِهِ المِياهِ المُنفَجِرَةِ في الحَديقَةِ مُغيضٌ لِما يَفضُلُ مِن شِربِها يَحبِسُهُ عَنِ الحَديقَةِ أن يَفيضَ عَلَيها ، ألَيسَ كانَ يَهلِكُ ما فيها مِنَ الخَلقِ على حَسبِ ما كانوا يَهلِكونَ لَو لَم يَكُن لَها ماءٌ؟
قال : بلى ، وَلكنِّي لا أدري ، لَعَلّ هذا البَحرَ لَيسَ لَهُ حابِسٌ ، وأنّهُ شَيءٌ لَم يَزَل .
قلتُ : أمّا أنتَ فَقَد أعطَيتَني أنَّهُ لَولا البَحرُ وَمَغيضُ المِياهِ إليه ، لَهَلَكَت الحَديقَةُ .
قال: أجَل .
قلتُ : فَإنّي أُخبِرُك عَن ذلِكَ بِما تَستَيقِنُ بِأنَّ خالِقَ البَحرِ هُوَ خالِقُ الحَديقَةِ وَما فيها من الخليقة ، وَأنَّهُ جَعَلَهُ مَغيضاً لِمِياهِ الحَديقَةِ مَعَ ما جَعَلَ فيهِ مِنَ المَنافِعِ لِلنّاسِ .
قالَ : فاجعَلني من ذلِكَ على يَقينٍ ، كما جَعَلتَني مِن غَيرِهِ.
قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ فُضولَ ماءِ الدُّنيا يَصيرُ في البَحرِ؟
قالَ : بلى.
قلتُ : فَهَل رَأيتَهُ زائِداً قَطُّ في كَثرَةِ الماءِ وَتَتابُعِ الأمطارِ على الحَدِّ الّذي لَم يَزَل عَلَيهِ ؟ أو هَل رَأيتَهُ ناقِصاً في قِلَّةِ المِياهِ وشِدَّةِ الحَرِّ وَشِدَّةِ القَحطِ؟
قال: لا.
قلتُ : أفَلَيس يَنبغي أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ على أنَّ خالِقَهُ وَخالِقَ الحَديقَةِ وما فيها مِنَ الخَليقَةِ واحِدٌ ، وأنّهُ هُوَ الّذي وَضَعَ لَهُ حَدّاً لا يُجاوِزُهُ لِكَثرَةِ الماءِ وَلا لِقِلَّتِهِ ، وَأنَّ مِمّا

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113401
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي