بِالهَواءِ وَالهَواءُ مُتَّصِلٌ بالرّيحِ ، وَالرّيحُ مُتَّصِلَةٌ بِالسَّحابِ ، وَالسَّحابُ مُتَّصِلٌ بِالمَطَرِ ، والمَطَرُ مُتَّصِلٌ بِالأزمِنَةِ ، وَالأزمِنَةُ مُتَّصِلَةٌ بِالشَّمسِ وَالقَمَرِ ، وَالشَّمسُ وَالقَمَرُ مُتَّصِلتانِ بِدَوَرانِ الفَلَكِ ، وَالفَلَكُ مُتَّصِلٌ بِما بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ ، صَنعَةٌ ظاهِرَةٌ ، وَحِكمَةٌ بالِغَةٌ ، وَتأليفٌ مُتقَنٌ ، وَتَدبيرٌ مُحكَمٌ ، مُتَّصِلٌ كُلُّ هذا ما بَيَن السَّماءِ وَالأرضِ ، لا يَقومُ بَعضُهُ إلاّ بِبَعضٍ ، ولا يَتَأخَّرُ واحِدٌ مِنهُما عَن وَقتِهِ ، وَلَو تَأخَّرَ عَن وَقتِهِ لَهَلَكَ جَميعُ مَن فِي الأرضِ مِنَ الأنامِ وَالنَّباتاتِ؟ 
 قالَ : إنّ هذهِ لَهِيَ العَلاماتُ البَيِّناتُ ، وَالدّلالاتُ الواضِحاتُ الّتي يَجري مَعَها أثَرُ التّدبيرِ ، بإتقانِ الخَلقِ وَالتّأليفِ مَعَ إتقانِ الصُّنعِ ، لَكنّي لَستُ أدري لَعَلَّ ما تَركتَ غَيرَ مُتَّصِلٍ بِما ذَكرتَ . 
 قلتُ : وما تَركتُ؟ 
 قالَ : النّاسُ . 
 قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ هذا كُلَّهُ مُتَّصِلٌ بِالنّاسِ ، سَخَّرَهُ لَها المُدَبِّرُ الّذي أعلَمتُكَ أنّهُ إن تَأخَّرَ شيءٌ مِمّا عَدَدتُ عَلَيكَ هَلَكَتِ الخَليقَةُ ، وَبادَ جَميعُ ما فِي الحَديقَةِ ، وَذَهَبَتِ الإهليلجَةُ الّتي تَزعُمُ أنَّ فيها منافِعَ النّاسِ ؟ 
 قال : فَهَل تَقدِرُ أن تُفَسِّرَ لي هذا البابَ على ما لَخَّصتَ لي غَيرَهُ؟ 
 قُلتُ : نَعَم اُبيّنُ لَكَ ذلِكَ مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ ، حَتّى تَشهَدَ أنّ ذلِكَ كُلَّهُ مُسَخَّرٌ لِبَني آدَمَ . 
 قال : وَكَيفَ ذلِكَ ؟ 
 قلتُ : خَلَقَ اللّهُ السّماءَ سَقفاً مَرفوعاً ، وَلَولا ذلِكَ اغتَمَّ خَلقُهُ لِقُربِها ، وأحرَقَتهُم الشَّمسُ لِدُنُوِّها ، وَخَلَقَ لَهُم شُهُباً وَنُجوماً يُهتَدى بِها فِي ظُلماتِ البَرِّ وَالبَحرِ لِمَنافِعِ النّاسِ ، وَنُجوماً يُعرَفُ بِها أصلُ الحِسابِ ، فيها الدِّلالاتُ على إبطالِ الحَواسِّ ،