67
مكاتيب الأئمّة ج4

بِالهَواءِ وَالهَواءُ مُتَّصِلٌ بالرّيحِ ، وَالرّيحُ مُتَّصِلَةٌ بِالسَّحابِ ، وَالسَّحابُ مُتَّصِلٌ بِالمَطَرِ ، والمَطَرُ مُتَّصِلٌ بِالأزمِنَةِ ، وَالأزمِنَةُ مُتَّصِلَةٌ بِالشَّمسِ وَالقَمَرِ ، وَالشَّمسُ وَالقَمَرُ مُتَّصِلتانِ بِدَوَرانِ الفَلَكِ ، وَالفَلَكُ مُتَّصِلٌ بِما بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ ، صَنعَةٌ ظاهِرَةٌ ، وَحِكمَةٌ بالِغَةٌ ، وَتأليفٌ مُتقَنٌ ، وَتَدبيرٌ مُحكَمٌ ، مُتَّصِلٌ كُلُّ هذا ما بَيَن السَّماءِ وَالأرضِ ، لا يَقومُ بَعضُهُ إلاّ بِبَعضٍ ، ولا يَتَأخَّرُ واحِدٌ مِنهُما عَن وَقتِهِ ، وَلَو تَأخَّرَ عَن وَقتِهِ لَهَلَكَ جَميعُ مَن فِي الأرضِ مِنَ الأنامِ وَالنَّباتاتِ؟
قالَ : إنّ هذهِ لَهِيَ العَلاماتُ البَيِّناتُ ، وَالدّلالاتُ الواضِحاتُ الّتي يَجري مَعَها أثَرُ التّدبيرِ ، بإتقانِ الخَلقِ وَالتّأليفِ مَعَ إتقانِ الصُّنعِ ، لَكنّي لَستُ أدري لَعَلَّ ما تَركتَ غَيرَ مُتَّصِلٍ بِما ذَكرتَ .
قلتُ : وما تَركتُ؟
قالَ : النّاسُ .
قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ هذا كُلَّهُ مُتَّصِلٌ بِالنّاسِ ، سَخَّرَهُ لَها المُدَبِّرُ الّذي أعلَمتُكَ أنّهُ إن تَأخَّرَ شيءٌ مِمّا عَدَدتُ عَلَيكَ هَلَكَتِ الخَليقَةُ ، وَبادَ جَميعُ ما فِي الحَديقَةِ ، وَذَهَبَتِ الإهليلجَةُ الّتي تَزعُمُ أنَّ فيها منافِعَ النّاسِ ؟
قال : فَهَل تَقدِرُ أن تُفَسِّرَ لي هذا البابَ على ما لَخَّصتَ لي غَيرَهُ؟
قُلتُ : نَعَم اُبيّنُ لَكَ ذلِكَ مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ ، حَتّى تَشهَدَ أنّ ذلِكَ كُلَّهُ مُسَخَّرٌ لِبَني آدَمَ .
قال : وَكَيفَ ذلِكَ ؟
قلتُ : خَلَقَ اللّهُ السّماءَ سَقفاً مَرفوعاً ، وَلَولا ذلِكَ اغتَمَّ خَلقُهُ لِقُربِها ، وأحرَقَتهُم الشَّمسُ لِدُنُوِّها ، وَخَلَقَ لَهُم شُهُباً وَنُجوماً يُهتَدى بِها فِي ظُلماتِ البَرِّ وَالبَحرِ لِمَنافِعِ النّاسِ ، وَنُجوماً يُعرَفُ بِها أصلُ الحِسابِ ، فيها الدِّلالاتُ على إبطالِ الحَواسِّ ،


مكاتيب الأئمّة ج4
66

وَالدَّوابِّ والبُقولِ وَغَيرِ ذلِكَ ، إلاّ أنّي أُحِبُّ أن تأتِيَني بِحُجَّةٍ أزدادُ بِها يقيناً ، وَأخرُجُ بِها مِنَ الشَكِّ.
قلتُ : فإنّي آتيك بِها إن شاءَ اللّهُ مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ وَاتّصالِها بالِحَديقَةِ ، وَما فيها مِنَ الأشياءِ المُتَّصِلَةِ بِأسبابِ السَّماءِ ، لِتَعلَمَ أنّ ذلِكَ بِتَدبيرِ عَليمٍ حَكيمٍ.
قال: وَكَيفَ تَأتيني بِما يُذهِبُ عَنّي الشَكَّ مِن قِبَلِ الإهليلجَةِ ؟
قلتُ : فيما اُريكَ فيها مِن إتقانِ الصُّنعِ ، وَأثَرِ التَّركيبِ المُولّفِ ، واتِّصالِ ما بَينَ عُروقِها إلى فُروعِها ، وَاحتِياجِ بَعضِ ذلِكَ إلى بَعضٍ ، حَتّى يَتَّصِلَ بِالسَّماءِ .
قال: إن أرَيتَني ذلِكَ لَم أشُكَّ.
قُلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ الإهليلجَةَ نابِتَةٌ في الأرضِ ، وَأنَّ عُروقَها مُولَّفَةٌ إلى أصلٍ ، وَأنّ الأصلَ مُتَعَلِّقٌ بِساقٍ مُتَّصِلٍ بِالغُصونِ ، وَالغُصونُ مُتَّصِلَةٌ بِالفُروعِ ، وَالفُروعُ مَنظومَةٌ بِالأكمامِ وَالوَرَقِ ، وَمَلبسُ ذلِكَ كُلِّهِ الوَرَقُ ، وَيَتَّصِلُ جَميعُهُ بِظِلٍّ يَقيهِ حَرَّ الزَّمانِ وَبَردِهِ ؟
قالَ : أمّا الإهليلجَةُ فَقَد تَبَيَّنَ لي اتّصالُ لِحائِها وما بَينَ عُروقِها وَبَينَ وَرَقِها وَمَنبَتِها مِنَ الأرضِ ، فَأشهَدُ أنّ خالِقَها واحِدٌ لا يَشرُكُهُ في خَلقِها غَيرُهُ لإتقانِ الصُّنعِ وَاتّصالِ الخَلقِ وَايتِلافِ التَّدبيرِ وإحكامِ التّقديرِ.
قلتُ : إن أريتُكَ التّدبيرَ مُولِفاً بِالحِكمَةِ وَالإتقانِ ، مُعتَدِلاً بِالصَّنعَةِ ، مُحتاجاً بَعضُهُ إلى بَعضٍ ، مُتَّصِلاً بِالأرضِ الّتي خَرَجَت مِنهُ الإهليلجَةُ في الحالاتِ كُلِّها أتُقِرُّ بِخالِقِ ذلِكَ؟
قالَ : إذن ، لا أشُكُّ في الوَحدانِيَّةِ .
قلتُ : فَافهَم وَافقَه ما أصِفُ لَكَ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّ الأرضَ مُتَّصِلَةٌ بِإهليلجَتِكَ ، وَإهليلجَتُكَ مُتّصِلَةٌ بِالتُّرابِ ، وَالتُّرابُ مُتَّصِلٌ بِالحَرّ وَالبَردِ ، وَالحَرُّ وَالبَردُ مُتَّصِلانِ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113347
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي