71
مكاتيب الأئمّة ج4

والبَردِ ، عالِمٌ بِكُلِّ عُضوٍ بِما فيهِ ، وَأنّهُ هُوَ الّذي وضَعَ هذه النُّجومَ وَحسابَها وَالعالِم بِها ، وَالدّالَّ على نُحوسِها وَسُعودِها وَما يَكونُ مِنَ المَواليدِ ، وأنّ التّدبيرَ واحِدٌ لَم يَختَلِف مُتَّصِلٌ فيما بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ وَما فيها، فَبَيِّن لي كَيفَ قُلتَ ، هُوَ الأَوّلُ وَالآخَرُ وَهُوَ اللّطيفُ الخبيرُ ، وَأشباهُ ذلِكَ .
قلتُ : هُوَ الأوّلُ بِلا كَيفٍ ، وَهُوَ الآخِرُ بِلا نِهايَةٍ ، لَيسَ لَهُ مَثَلٌ ، خَلَقَ الخَلقَ وَالأشياءَ لامِن شَيءٍ وَلاكَيفٍ، بِلا علاجٍ وَلامُعاناةٍ ولافِكرٍ وَلاكَيفٍ ، كما أنَّهُ لا كَيفَ لَهُ، وإنَّما الكَيفُ بِكَيفيَّةِ المَخلوقِ؛ لِأنَّهُ الأوّلُ لا بِدءَ لَهُ وَلا شِبهَ وَلا مِثلَ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ ، لا يُدرَكُ بِبَصرٍ وَلا يُحَسُّ بِلَمسٍ ، وَلا يُعرَفُ إلاّ بِخَلقِهِ تَبارَكَ وَتَعالى .
قالَ : فَصِف لي قُوَّتَهُ .
قلتُ : إنَّما سُمِّيَ رَبُّنا جَلَّ جَلالُهُ قَوِيّاً لِلخَلقِ العَظيمِ القَويّ الّذي خَلَقَ ، مِثلَ الأرضِ وَما عَلَيها مِن جِبالِها وَبِحارِهَا وَرِمالِها وَأشجارِها وَما عَلَيها مِنَ الخَلقِ المُتَحَرِّكِ مِنَ الإنسِ وَمِنَ الحَيوانِ ، وَتَصريفِ الرّياحِ وَالسَّحابِ المُسَخَّرِ المُثقَلِ بِالماءِ الكَثيرِ ، وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ وَعِظَمِهِما ، وعِظَمِ نُورِهِما الّذي لا تُدرِكُهُ الأبصارُ بُلوغاً ولا مُنتهىً ، وَالنّجومِ الجارِيَةِ ، وَدَوَرانِ الفَلَكِ ، وَغِلَظِ السَّماءِ ، وعِظَمِ الخَلقِ العظيمِ وَالسَّماءِ المُسقَّفَةِ فَوقَنا راكِدَةٌ فِي الهَواءِ ، وَما دونَها مِنَ الأرضِ المبسوطَةِ ، وما عَلَيها مِنَ الخَلقِ الثَّقيلِ ، وَهِيَ راكِدَةٌ لا تَتَحَرّكُ ، غَيرَ أنّهُ رُبَّما حَرَّكَ فيها ناحِيَةً ، والنّاحِيَةُ الاُخرى ثابِتَةٌ ، وَرُبَّما خَسَفَ مِنها ناحِيَةً ، والنّاحِيَةُ الاُخرى قائِمَةٌ ، يُرينا قُدرَتَهُ وَيَدُلُّنا بِفِعلِهِ على مَعرِفَتِهِ ، فَلِهذا سُمِّيَ قَويّاً لا لِقُوَّةِ البَطشِ المَعروفَةِ مِنَ الخَلقِ ، وَلَو كانَت قُوَّتُهُ تُشبِهُ قُوَّةَ الخَلقِ لَوقَعَ عَلَيهِ التَّشبيهُ ، وَكان مُحتَمِلاً لِلزيادَةِ ، وَما احتَمَل الزّيادَةَ كانَ ناقِصاً وَما كانَ ناقِصاً لَم يَكُن تَامّاً، وَما لَم يَكُن تامّاً كانَ عاجِزاً ضَعيفاً ، وَاللّهُ عز و جل لا يُشبَّهُ بِشَيءٍ ، وَإنَّما قُلنا : إنَّهُ قَوِيٌّ لِلخَلقِ القَوِيِّ، وَكذلِكَ قَولُنا : العَظيمُ وَالكبيرُ ، وَلا يُشَبَّهُ بِهذِهِ الأسماءِ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى .


مكاتيب الأئمّة ج4
70

مِنها الجُذامُ وَالبَرَصُ وَالسِّلالُ وَالماءُ الأصفَرُ ، وَغَيرُ ذلِكَ مِنَ الأوجاعِ ؟
قال : هُوَ كذلِكَ .
قُلتُ : أمّا هذا البابُ فَقَدِ انكَسَرَ عَلَيكَ .
قال : أجَل .
قلتُ : هَل تَعرِفُ شَيئاً مِنَ النَّبتِ لَيسَ فيهِ مَنفَعَةٌ ؟
قالَ : نَعَم.
قلتُ : ألَيسَ يَدخُلُ في الأدوِيَةِ الّتي يُدفَعُ بِها الأوجاعُ مِنَ الجُذامِ وَالبَرَصِ وَالسِّلالِ وَغَيرِ ذلِكَ ، وَيَدفَعُ الدّاءَ وَيُذهِبُ السُّقمَ مِمّا أنتَ أعلَمُ بهِ لِطولُ مُعالَجَتِكَ.
قال : إنّهُ كذلِكَ .
قُلتُ : فَأخبرني ، أيُّ الأدوِيَةِ عِندَكُم أعظَمُ في السَّمائِم القاتِلَةِ ، ألَيسَ التِّرياقُ ؟
قال : نَعَم ، هُوَ رَأسُها وَأوّلُ ما يُفزَعُ إلَيهِ عِندَ نَهشِ الحَيَّاتِ وَلَسعِ الهَوامِّ وَشُربِ السَّمائِمِ .
قلتُ : ألَيسَ تَعلَمُ أنّهُ لابُدَّ لِلأدوِيَةِ المُرتَفِعَةِ وَالأدوِيَةِ المُحرِقَةِ فِي أخلاطِ التِّرياقِ إلاّ أن تُطبَخَ بِالأفاعي القاتِلَةِ ؟
قال : نَعَم ، هُوَ كذلِكَ ، ولا يَكونُ التِّرياقُ المُنتَفَعُ بِهِ ، الدّافِعُ للسّمائِم القاتِلَةِ إلاّ بذلِكَ ، وَلَقَد انكَسَرَ عَلَيّ هذا البابُ ، فَأنا أشهَدُ أن لا إلَه إلاّ اللّهُ ، وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وأنّهُ خالِقُ السَّمائِمِ القاتِلَةِ وَالهَوامِّ العادِيَةِ ، وَجميعِ النَّبتِ وَالأشجارِ ، وَغارِسِها ومُنبِتِها ، وَبارِئ الأجسادِ ، وسائِقِ الرّياحِ ، وَمُسَخِّرِ السَّحابِ ، وأنّهُ خالِقُ الأدواءِ الّتي تَهيجُ بالإنسانِ كالسّمائِمِ القاتِلَةِ الّتي تَجري في أعضائِهِ وَعظامِهِ ، وَمُستَقَرِّ الأدواءِ وما يُصلِحُها مِنَ الدّواءِ ، العارِفِ بالرِّوحِ وَمَجرى الدَّمِ وأقسامِهِ في العُروقِ واتِّصالِهِ بِالعَصَبِ وَالأعضاءِ وَالعَصَبِ والجَسَدِ ، وأنّهُ عارِفٌ بِما يُصلِحُهُ مِنَ الحَرِّ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113241
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي