والبَردِ ، عالِمٌ بِكُلِّ عُضوٍ بِما فيهِ ، وَأنّهُ هُوَ الّذي وضَعَ هذه النُّجومَ وَحسابَها وَالعالِم بِها ، وَالدّالَّ على نُحوسِها وَسُعودِها وَما يَكونُ مِنَ المَواليدِ ، وأنّ التّدبيرَ واحِدٌ لَم يَختَلِف مُتَّصِلٌ فيما بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ وَما فيها، فَبَيِّن لي كَيفَ قُلتَ ، هُوَ الأَوّلُ وَالآخَرُ وَهُوَ اللّطيفُ الخبيرُ ، وَأشباهُ ذلِكَ .
قلتُ : هُوَ الأوّلُ بِلا كَيفٍ ، وَهُوَ الآخِرُ بِلا نِهايَةٍ ، لَيسَ لَهُ مَثَلٌ ، خَلَقَ الخَلقَ وَالأشياءَ لامِن شَيءٍ وَلاكَيفٍ، بِلا علاجٍ وَلامُعاناةٍ ولافِكرٍ وَلاكَيفٍ ، كما أنَّهُ لا كَيفَ لَهُ، وإنَّما الكَيفُ بِكَيفيَّةِ المَخلوقِ؛ لِأنَّهُ الأوّلُ لا بِدءَ لَهُ وَلا شِبهَ وَلا مِثلَ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ ، لا يُدرَكُ بِبَصرٍ وَلا يُحَسُّ بِلَمسٍ ، وَلا يُعرَفُ إلاّ بِخَلقِهِ تَبارَكَ وَتَعالى .
قالَ : فَصِف لي قُوَّتَهُ .
قلتُ : إنَّما سُمِّيَ رَبُّنا جَلَّ جَلالُهُ قَوِيّاً لِلخَلقِ العَظيمِ القَويّ الّذي خَلَقَ ، مِثلَ الأرضِ وَما عَلَيها مِن جِبالِها وَبِحارِهَا وَرِمالِها وَأشجارِها وَما عَلَيها مِنَ الخَلقِ المُتَحَرِّكِ مِنَ الإنسِ وَمِنَ الحَيوانِ ، وَتَصريفِ الرّياحِ وَالسَّحابِ المُسَخَّرِ المُثقَلِ بِالماءِ الكَثيرِ ، وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ وَعِظَمِهِما ، وعِظَمِ نُورِهِما الّذي لا تُدرِكُهُ الأبصارُ بُلوغاً ولا مُنتهىً ، وَالنّجومِ الجارِيَةِ ، وَدَوَرانِ الفَلَكِ ، وَغِلَظِ السَّماءِ ، وعِظَمِ الخَلقِ العظيمِ وَالسَّماءِ المُسقَّفَةِ فَوقَنا راكِدَةٌ فِي الهَواءِ ، وَما دونَها مِنَ الأرضِ المبسوطَةِ ، وما عَلَيها مِنَ الخَلقِ الثَّقيلِ ، وَهِيَ راكِدَةٌ لا تَتَحَرّكُ ، غَيرَ أنّهُ رُبَّما حَرَّكَ فيها ناحِيَةً ، والنّاحِيَةُ الاُخرى ثابِتَةٌ ، وَرُبَّما خَسَفَ مِنها ناحِيَةً ، والنّاحِيَةُ الاُخرى قائِمَةٌ ، يُرينا قُدرَتَهُ وَيَدُلُّنا بِفِعلِهِ على مَعرِفَتِهِ ، فَلِهذا سُمِّيَ قَويّاً لا لِقُوَّةِ البَطشِ المَعروفَةِ مِنَ الخَلقِ ، وَلَو كانَت قُوَّتُهُ تُشبِهُ قُوَّةَ الخَلقِ لَوقَعَ عَلَيهِ التَّشبيهُ ، وَكان مُحتَمِلاً لِلزيادَةِ ، وَما احتَمَل الزّيادَةَ كانَ ناقِصاً وَما كانَ ناقِصاً لَم يَكُن تَامّاً، وَما لَم يَكُن تامّاً كانَ عاجِزاً ضَعيفاً ، وَاللّهُ عز و جل لا يُشبَّهُ بِشَيءٍ ، وَإنَّما قُلنا : إنَّهُ قَوِيٌّ لِلخَلقِ القَوِيِّ، وَكذلِكَ قَولُنا : العَظيمُ وَالكبيرُ ، وَلا يُشَبَّهُ بِهذِهِ الأسماءِ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى .