73
مكاتيب الأئمّة ج4

وَلا الحَديثُ المولودُ مِنَ القديمِ الوالِدِ ، فَلَمّا رَأينا لُطفَ ذلِكَ في صِغَرِهِ وَمَوضِعَ العَقلِ فيهِ وَالشَّهوةِ للّسفادِ ، وَالهَرَبِ مِنَ المَوتِ ، وَالحَدَبِ على نَسلِهِ مِن وُلدِهِ ، وَمَعرِفَةِ بَعضِها بَعضاً ، وَما كانَ مِنها في لُجَجِ البِحارِ ، وَأعنانِ السَّماءِ ، وَالمَفاوِزِ وَالقِفارِ ، ومَا هُوَ مَعَنا في مَنزِلِنا ، وَيَفهَمُ بَعضُهُم بَعضاً مِن مَنطِقِهِم ، وما يَفهَمُ مِن أولادِها ، وَنَقلِها الطّعامَ إلَيها وَالماءَ ، عَلِمنا أنّ خالِقَها لَطيفٌ وَأنَّهُ لَطيفٌ بِخَلقِ اللَّطيفِ ، كَما سَمَّيناهُ قَوِيّاً بِخَلقِ القَوِيّ.
قالَ : إنَّ الّذي جِئتَ بهِ لَواضِحٌ ، فَكَيفَ جازَ لِلخَلقِ أن يَتَسمَّوا بِأسماءِ اللّهِ تَعالى ؟ قلتُ : إنَّ اللّهَ جَلَّ ثَناوهُ وَتَقدَّسَت أسماوهُ أباحَ لِلّناسِ الأسماءَ وَوَهَبَها لَهُم ، وَقَد قَالَ القائِلُ مِنَ النّاسِ للواحِدِ : واحِدٌ ، وَيَقولُ للّه : واحِدٌ ، وَيَقولُ : قَوِيٌّ ، وَاللّهُ تَعالى قَوِيٌّ ، وَيَقولُ : صانِعٌ ، وَاللّهُ صانِعٌ ، ويَقولُ : رازِقٌ واللّهُ رازِقٌ ، وَيَقولُ : سَميعٌ بَصيرٌ ، واللّهُ سَميعٌ بَصيرٌ ، وما أشبَهَ ذلِكَ ، فَمَن قالَ للإنسانِ : واحِدٌ فَهذا لَهُ اسمٌ وَلَهُ شَبيهٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ وَهُوَ لَهُ اسمُ ولا شيءَ لَهُ شَبيهٌ وَلَيس المَعنى وَاحِداً .
وَأمَّا الأسماءُ فهِيَ دِلالَتُنا عَلى المُسمَّى لِأنّا قد نَرى الإنسانَ وَاحِداً وَإنَّما نُخبِرُ واحِداً إذا كانَ مُفرَداً فَعَلِمَ أنَّ الإنسانَ في نَفسِهِ لَيسَ بِواحِدٍ في المَعنى لأنَّ أعضاءَهُ مُختَلِفَةٌ وَأجزاءَهُ لَيسَت سَواءاً ، وَلَحمَهُ غَيرَ دَمِهِ ، وَعَظمَهُ غَيرَ عَصَبِهِ ، وَشَعرَهُ غَيرَ ظُفرِهِ ، وسَوادَهُ غَيرَ بَياضِهِ ، وَكذلِكَ سائِرُ الخَلقِ وَالإنسانِ واحِدٌ في الاسمِ ، وَلَيسَ بِواحِدٍ في الاسمِ وَالمَعنى وَالخَلقِ ، فإذا قيلَ للّهِِ فَهُو الواحِدُ الّذي لا واحِدَ غَيرَهُ ؛ لأنّهُ لا اختِلافَ فيهِ ، وَهُوَ تَبارَكَ وَتَعالى سَميعٌ وَبَصيرٌ وَقَوِيٌّ وَعَزيزٌ وَحَكيمٌ وَعَليمٌ فتَعالى اللّهُ أحسَنُ الخالِقينَ .
قال : فأخبِرني عَن قولِهِ : رَوفٌ رَحيمٌ ، وَعَن رِضاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ .
قلتُ : إنَّ الرّحمَةَ وَما يَحدُثُ لَنا ، مِنها شَفَقَةٌ ومِنها جُود ، وإنّ رَحمَةَ اللّهِ ثَوابُهُ لِخَلقِهِ ، وَالرَّحمَةَ مِنَ العِبادِ شَيئانِ : أحَدُهُما يُحدِثُ فِي القَلبِ الرَّأَفَةَ وَالرِّقَةَ لِما يَرى


مكاتيب الأئمّة ج4
72

قال : أفرَأيتَ قَولَهُ : سَميعٌ بَصيرٌ عالِمٌ ؟
قلتُ : إنَّما يُسَمَّى تبارَكَ وَتَعالى بِهذهِ الأسماءِ ؛ لِأنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ مِمَّا لا تُدرِكُهُ الأبصارُ مِن شَخصٍ صَغيرٍ أو كبيرٍ ، أو دَقيقٍ أو جَليلٍ ، وَلا نِصفَهُ بَصيراً بِلَحظِ عَينٍ كالمَخلوقِ ، وإنّما سُمِّيَ سَميعاً ؛ لِأنَّهُ ما يَكونُ مِن نَجوى ثلاثَةٍ إلاّ هُوَ رابِعُهُم ، وَلا خَمسَةٍ إلاّ هُوَ سادِسُهُم ، وَلا أدنى مِن ذلِكَ وَلا أكثَرَ إلاّ هُوَ مَعَهُم أينَما كانوا ، يَسمَعُ النَّجوى ، وَدَبيبَ النَّملِ على الصَّفا ، وَخَفَقانَ الطّيرِ في الهَواءِ ، لا تَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ وَلا شَيءٌ مِمّا أدركَتهُ الأسماعُ وَالأبصارُ ، وَما لا تُدرِكُهُ الأسماعَ وَالأبصارُ ، ما جَلَّ مِن ذلِكَ وَما دَقَّ ، وما صَغُرَ وَما كَبُرَ ، وَلَم نَقُل : سَميعاً بَصيراً ، كالسَّمعِ المَعقولِ مِنَ الخَلقِ ، وَكذلِكَ إنّما سُمِّيَ عَليماً لأنّهُ لا يَجهَلُ شيئاً مِنَ الأشياءِ ، لا تَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ في الأرضِ وَلا في السَّماءِ ، عَلِمَ ما يَكونُ وَما لا يَكونُ ، وَما لَو كانَ كَيفَ يَكونُ ، وَلم نَصِف عَليماً بِمَعنى غَريزَةٍ يَعلَمُ بِها ، كما أنّ لِلخَلقِ غَريزَةٌ يَعلَمونَ بِها ، فَهذا ما أرادَ مِن قَولِهِ : عَليمٌ ، فَعَزَّ مَن جَلّ عَن الصِّفاتِ ، وَمَن نَزَّهَ نَفسَهُ عَن أفعالِ خَلقِهِ فَهذا هُوَ المَعنى ، وَلَولا ذلِكَ ما فَصَلَ بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ ؛ فَسُبحانَهُ وَتَقَدَّسَت أسماو .
قالَ : إنّ هذا لَكَما تَقولُ ، وَلَقَد عَلِمتَ إنّما غَرَضي أن أسألَ عَن رَدِّ الجَوابِ فيهِ عِندَ مصرف يسنح عنّي، فَأخبِرني ، لَعَلِّي اُحكِمُهُ فَيَكونُ الحُجَّةُ قَد انشَرَحَت لِلمُتَعَنِّتِ المُخالِفِ ، أوِ السّائِلِ المُرتابِ ، أو الطّالِبِ المُرتادِ ، مَعَ ما فيهِ لِأهلِ المُوافَقَةِ مِنَ الازدِيادِ . فَأخبرني عَن قولِهِ : لَطيفٌ ، وَقَد عَرَفتُ أنّهُ لِلفِعلِ ، وَلكِن قَد رَجَوتُ أن تَشرَحَ لي ذلِكَ بِوَصفِكَ .
قُلتُ : إنَّما سَمَّيناهُ لَطيفاً لِلخَلقِ اللَّطيفِ ، وَلِعِلمِهِ بِالشَّيءِ اللَّطيفِ مِمَّا خَلَقَ مِنَ البَعوضِ وَالذَّرَّةِ ، وَمِمّا هُوَ أصغَرُ مِنهُما لا يَكادُ تُدرِكُهُ الأبصارُ وَالعُقولُ ، لِصِغَرِ خَلقِهِ ، مِن عَينهِ وَسَمعِهِ وَصورَتِهِ ، لا يُعرَفُ مِن ذلِكَ ـ لِصِغَرِهِ ـ الذّكَرُ مِنَ الأُنثى ،

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 113150
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي