وَلا الحَديثُ المولودُ مِنَ القديمِ الوالِدِ ، فَلَمّا رَأينا لُطفَ ذلِكَ في صِغَرِهِ وَمَوضِعَ العَقلِ فيهِ وَالشَّهوةِ للّسفادِ ، وَالهَرَبِ مِنَ المَوتِ ، وَالحَدَبِ على نَسلِهِ مِن وُلدِهِ ، وَمَعرِفَةِ بَعضِها بَعضاً ، وَما كانَ مِنها في لُجَجِ البِحارِ ، وَأعنانِ السَّماءِ ، وَالمَفاوِزِ وَالقِفارِ ، ومَا هُوَ مَعَنا في مَنزِلِنا ، وَيَفهَمُ بَعضُهُم بَعضاً مِن مَنطِقِهِم ، وما يَفهَمُ مِن أولادِها ، وَنَقلِها الطّعامَ إلَيها وَالماءَ ، عَلِمنا أنّ خالِقَها لَطيفٌ وَأنَّهُ لَطيفٌ بِخَلقِ اللَّطيفِ ، كَما سَمَّيناهُ قَوِيّاً بِخَلقِ القَوِيّ.
قالَ : إنَّ الّذي جِئتَ بهِ لَواضِحٌ ، فَكَيفَ جازَ لِلخَلقِ أن يَتَسمَّوا بِأسماءِ اللّهِ تَعالى ؟ قلتُ : إنَّ اللّهَ جَلَّ ثَناوهُ وَتَقدَّسَت أسماوهُ أباحَ لِلّناسِ الأسماءَ وَوَهَبَها لَهُم ، وَقَد قَالَ القائِلُ مِنَ النّاسِ للواحِدِ : واحِدٌ ، وَيَقولُ للّه : واحِدٌ ، وَيَقولُ : قَوِيٌّ ، وَاللّهُ تَعالى قَوِيٌّ ، وَيَقولُ : صانِعٌ ، وَاللّهُ صانِعٌ ، ويَقولُ : رازِقٌ واللّهُ رازِقٌ ، وَيَقولُ : سَميعٌ بَصيرٌ ، واللّهُ سَميعٌ بَصيرٌ ، وما أشبَهَ ذلِكَ ، فَمَن قالَ للإنسانِ : واحِدٌ فَهذا لَهُ اسمٌ وَلَهُ شَبيهٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ وَهُوَ لَهُ اسمُ ولا شيءَ لَهُ شَبيهٌ وَلَيس المَعنى وَاحِداً .
وَأمَّا الأسماءُ فهِيَ دِلالَتُنا عَلى المُسمَّى لِأنّا قد نَرى الإنسانَ وَاحِداً وَإنَّما نُخبِرُ واحِداً إذا كانَ مُفرَداً فَعَلِمَ أنَّ الإنسانَ في نَفسِهِ لَيسَ بِواحِدٍ في المَعنى لأنَّ أعضاءَهُ مُختَلِفَةٌ وَأجزاءَهُ لَيسَت سَواءاً ، وَلَحمَهُ غَيرَ دَمِهِ ، وَعَظمَهُ غَيرَ عَصَبِهِ ، وَشَعرَهُ غَيرَ ظُفرِهِ ، وسَوادَهُ غَيرَ بَياضِهِ ، وَكذلِكَ سائِرُ الخَلقِ وَالإنسانِ واحِدٌ في الاسمِ ، وَلَيسَ بِواحِدٍ في الاسمِ وَالمَعنى وَالخَلقِ ، فإذا قيلَ للّهِِ فَهُو الواحِدُ الّذي لا واحِدَ غَيرَهُ ؛ لأنّهُ لا اختِلافَ فيهِ ، وَهُوَ تَبارَكَ وَتَعالى سَميعٌ وَبَصيرٌ وَقَوِيٌّ وَعَزيزٌ وَحَكيمٌ وَعَليمٌ فتَعالى اللّهُ أحسَنُ الخالِقينَ .
قال : فأخبِرني عَن قولِهِ : رَوفٌ رَحيمٌ ، وَعَن رِضاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ .
قلتُ : إنَّ الرّحمَةَ وَما يَحدُثُ لَنا ، مِنها شَفَقَةٌ ومِنها جُود ، وإنّ رَحمَةَ اللّهِ ثَوابُهُ لِخَلقِهِ ، وَالرَّحمَةَ مِنَ العِبادِ شَيئانِ : أحَدُهُما يُحدِثُ فِي القَلبِ الرَّأَفَةَ وَالرِّقَةَ لِما يَرى