77
مكاتيب الأئمّة ج4

حسير ، فلمّا استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء ، دخل النّاس في دينه أفواجاً ، فقرن اسمه باسم ناموسه ، فصار يهتف به على روس الصّوامع في جميع البلدان والمواضع الّتي انتهت إليها دعوته ، وعلت بها كلمته ، وظهرت فيها حجّته ، برّاً وبحراً وسهلاً وجبلاً في كلّ يوم وليلة خمس مرّات ، مردّداً في الأذان والإقامة ليتجدّد في كلّ ساعه ذكره ، ولئلاّ يخمل أمره.
فقال ابنُ أبي العوجاء : دع ذكر محمّد ـ صلى الله عليه و آله ـ فقد تحيّر فيه عقلي ، وضلّ في أمره فكري ، وحدّثنا في ذكر الأصل الّذي نمشي به ، ثمّ ذكر ابتداء الأشياء ، وزعم ذلك بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير ، ولا صانع ولا مدبّر ، بل الأشياء تتكوّن من ذاتها بلا مدبّر ، وعلى هذا كانت الدّنيا لم تزل ولا تزال!
قال المفضّل : فلم أملك نفسي غضباً وغيظاً وحنقاً.
فقلت: يا عدوّ اللّه ألحدت في دين اللّه ، وأنكرت الباري جلّ قدسه ، الّذي خلقك في أحسن تقويم ، وصوّرك في أتم صوره ، ونقلك في أحوالك حتّى بلغ بك إلى حيث انتهيت . فلو تفكّرت في نفسك وصدقك لطيف حسّك ، لوجدت دلائل الرّبوبيّة وآثار الصّنعة فيك قائمة ، وشواهده جلّ وتقدّس في خلقك واضحة وبراهينه لك لائحة.
فقال: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلّمناك ، فإن ثبتت لك حجّة تبعناك ، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك ، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصّادق فما هكذا يخاطبنا ، ولا بمثل دليلك يجادلنا ، ولقد سمع من كلامنا أكثر ممّا سمعت ، فما أفحش في خطابنا ، ولا تعدّى في جوابنا ، وإنّه للحليم الرّزين ، العاقل الرّصين ، لا يعتريه خرق ۱ ، ولا طيش ولا نزق ۲ ويسمع كلامنا ويصغي إلينا

1.الخرق: ضعف الرأي والحمق .

2.النّزق : هو الطّيش والخِفّة عند الغضب .


مكاتيب الأئمّة ج4
76

لأبي عبد اللّه عليه السلام مُصنَّف غيرَه . ۱

6

محاورة المفضّل مع ابن أبي العوجاء في الحثّ على التّأمل في النّفس والخلق لمعرفة اللّه عز و جل

محمّد بن سنان قال: حدّثني المفضّل بن عمر قال: كنت ذات يوم بعد العصر جالساً في الرّوضة بين القبر والمنبر ، وأنا مفكّر فيما خصّ اللّه به سيّدنا محمّداً صلى الله عليه و آله من الشّرف والفضائل ، وما منحه وأعطاه وشرّفه به وحباه ، ممّا لا يعرفه الجمهور من الأُمّه ، وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته وخطير مرتبته ، فإنّي لكذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء ۲ فجلس بحيث أسمع كلامه فلمّا استقرّ به المجلس ، إذا رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه ، فتكلّم ابن أبي العوجاء فقال :
لقد بلغ صاحب هذا القبر العزّ بكماله وحاز الشّرف بجميع خصاله ، ونال الحظوة في كلّ أحواله ، فقال له صاحبه : إنّه كان فيلسوفاً ادّعى المرتبة العظمى ، والمنزلة الكبرى ، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول ، وضلّت فيها الأحلام ، وغاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر ، فرجعت خاسئات وهي

1.رجال النّجاشي : ج ۱ ص ۲۵۲ الرّقم ۲۵۰ .

2.ابن أبي العوجاء هو عبد الكريم بن أبي العوجاء ، ربيب حمّاد بن سلمة على ما يقول ابن الجوزي ، ومن تلامذة الحسن البصري، وذكر البغدادي إنّه كان مانوياً يون بالتّناسخ ويميل إلى مذهب الرّافضة (!) ويقول بالقدر، ويتّخذ من شرح سيرة ماني وسيلة للدعوة ، وتشكيك النّاس في عقائدهم، ويتّحدث في التّعديل والتّجوير على ما يذكر البيروني. ومن هنا يتبيّن انّ ابن أبي العوجاء هذا كان زنديقاً مشهوراً بذلك. وله مواقف مع الإمام الصّادق عليه السلام ، أفحمه الإمام في كُلّ مرّة منها ، سجنه والي الكوفة محمّد بن سليمان ، ثمّ قتله في أيّام المنصور عام ۱۵۵ ه ، وقيل عام ۱۶۰ ه في أيّام المهدي ، تجد ذكره في تاريخ الطبري : ج۳ ص۳۷۵ ط ليدن، وفهرست ابن النديم : ص۳۳۸، والفَرق بين الفِرَق: ص۲۵۵، والاحتجاج للطبرسي : ص۱۸۲ و۱۸۳.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 95357
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي