193
العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة

استقصاء دقيق نستنتج أنّ موانع نور العلم والحكمة جميعها تتّصل بجذر أصليّ واحد ، هو غلبة الهوى‏ ، من هنا أوردنا الهوى‏ في صدر موانع المعرفة .
إنّ الهوى‏ عاصفة تثير غباراً يحمل صنوفاً من الأسواء ، وهذا الغبار يُسوّد مرآة القلب ، ويحرم الإنسان من نور العلم والحكمة ، وهكذا يضلّ في الطريق وهو يعلم ! أنّه يضلّ كما قال اللَّه سبحانه وتعالى‏ : (أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى‏ عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى‏ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَى‏ بَصَرِهِ غِشَوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) .۱
من هذا المنطلق ، يصبح قطع دابر الهوى‏ ضروريّاً لمقارعة حُجُب نور العلم والحكمة .۲

المسألة الثالثة : مبادئ الوسوسة

النقطة المهمّة الأُخرى‏ اللّافتة للنّظر في دراسة هذا الفصل هي أنّ موانع نور العلم والحكمة تُعدّ مبادئ لوساوس الشّيطان أيضاً ، وهذه الحُجُب لا تحرم الإنسان من المعارف الحقيقيّة والإلهامات الرّبانية فحسب ، بل تجعله عرضة لهمزات الشّياطين وما ينبثق عنها من أحاسيس وإدراكات كاذبة ، لذا فقد ورد في الرّوايات الّتي مرّت بنا أنّ الهوى‏ والكِبْر كما أنّهما آفتان للعقل كذلك شراكان للشيطان أيضاً۳ . وفي هذا المجال جاء في مناجاة «الشاكين» المنسوبة إلى‏ الإمام زين العابدين عليه السلام :

1.الجاثية : ۲۳ .

2.راجع : ص ۱۶۵ «الفصل الأوّل: حُجب العلم والحكمة» .

3.راجع : ص ۱۶۵ «اتباع الهوى» و ۱۷۹ «الكبر» .


العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
192

الخمر .۱ هذه الحُجُب تحرم الفكر من التّشخيص الصحيح للحقائق العقليّة ، وتمنع القلب من بركات الإلهامات والإرشادات الغيبيّة الإلهيّة .
المجموعة الثّالثة : حُجُب العلم الحقيقيّ‏۲ أو موانع نور العلم والحكمة ، مثل : الظّلم ، والكفر ، والإسراف ، والفِسق ، والذنب عامّةً .۳ هذه الحُجُب تُظلم مرآة القلب ، وتُمرض الرّوح ، وتحرم المرء من جوهر العلم والحكمة وانوارهما وإن كان ذا درجات عالية في العلوم الرّسميّة، وإذا أزمن هذا المرض ، فسد جوهر مرآة القلب ، وخرج الإنسان بالضرورة من مدار الهداية الإلهيّة ، ومُني بالضّياع في وادي الضّلالة الأبديّة . قال تعالى‏ واصفاً هؤلاء : (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى‏ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) .۴وقال سبحانه : (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّايَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّايُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَّايَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَآئِكَ كَالأَْنْعَمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَآئِكَ هُمُ الْغَفِلُونَ) .۵
إنّ القراءة الدقيقة لهذا الفصل تدلّ على‏ أنّ القرآن الكريم والحديث الشّريف قد أكّدا - في مبحث موانع المعرفة - هذه المجموعة من الحُجُب .

المسألة الثّانية: أصل حُجُب نور العلم والحكمة

أشرنا إلى‏ أنّ الظّلم ، والكفر ، والإسراف ، والفِسق ، وبعامّة : كلّ ما عدّه الإسلام ذنباً ، هي موانع نور العلم والحكمة ، والنقطة المهمّة اللافتة للنّظر هي إنّنا إذا توفّرنا على‏

1.راجع : ص ۱۸۰ «العجب» و ۱۸۱ «الغرور» و ۱۸۳ «الغضب» و ۱۸۵ «الاستبداد» و «التعصّب» و۱۸۷ «شرب الخمر» و ۱۸۸ «كثرة الأكل» .

2.راجع : ص ۹ «المدخل» .

3.راجع : ص ۱۷۱ «الذنب» و ۱۷۴ «الظلم» و ۱۷۵ «الكفر» و ۱۷۶ «الفسق» و«الإسراف» .

4.المطفّفين: ۱۴ و ۱۵ .

5.الأعراف : ۱۷۹ .

  • نام منبع :
    العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
عدد المشاهدين : 77270
الصفحه من 563
طباعه  ارسل الي