211
العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة

أمّا أبو جهل فلم يُذعِن للحقّ حتّى‏ عند الموت ، لذا عندما مرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على‏ القتلى‏ بعد معركة بدر ووصل إلى‏ جسد أبي جهل ، قال : «إنَّ هذا أعتى‏ عَلَى اللَّهِ مِن فِرعَونَ ، إنَّ فِرعَونَ لَمّا أيقَنَ بِالهَلاكِ وَحَّدَ اللَّهَ ، وإنَّ هذا لَمّا أيقَنَ بِالهَلاكِ دَعا بِاللّاتِ وَالعُزّى‏»۱ .
إنّ الّذين لا يُفيقون من مواعظ الأنبياء وتحذيرهم ، ولا يؤثّر فيهم سوط البلاء ، بل سوط عذاب الاستئصال أيضاً ، فإنّ سوط الموت يوقظهم ويزيل حُجُب الغفلة وحواجز المعرفة عن بصائرهم ، أجَل «النّاسُ نِيامٌ فَإِذا ماتُوا انتَبَهوا»۲ .
قال تعالى‏ مخاطباً المجرمين المتعصّبين ، الّذين نبّههم سوط الموت ، في عرصات القيامة :
(لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) .۳
اللّهمّ وفّقنا أن نتّعظ بمواعظ الأنبياء وأئمّة الهدى‏ قبل أن يَعِظنا سوط الموت .

1.الأمالي للطوسي : ص ۳۱۰ ح ۶۲۶ ، بحارالأنوار : ج ۱۹ ص ۲۷۳ ح ۱۱ .

2.خصائص الأئمّة : ص ۱۱۲، عوالي اللآلي: ج ۴ ص ۷۳ ح ۴۸ ؛ المناقب للخوارزمي : ص ۳۷۵ ح ۳۹۵ ، عيون الحكم والمواعظ : ص ۳۶۶ ح ۱۶۷۳ .

3.ق : ۲۲ .


العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
210

وليس للموعظة ولسوط البلاء أن يجلوا الصّدأ عن قلوب هؤلاء المرضى‏ المتعصّبين ، بل ليس لإعجاز أيّ نبيٍّ أن يعالج مرضهم . لذا قال عيسى‏ عليه السلام :
داوَيتُ المَرضى‏ فَشَفَيتُهُم بِإِذنِ اللَّهِ ، وأبرَأتُ الأَكمَهَ والأَبرَصَ بِإِذنِ اللَّهِ ، وعالَجتُ المَوتى‏ فَأَحيَيتُهُم بِإِذنِ اللَّهِ . وعالَجتُ الأحمَقَ فَلَم أقدِر عَلى‏ إصلاحِهِ ! فَقيلَ : يا روحَ اللَّهِ ، ومَا الأَحمَقُ ؟ قالَ : المُعجَبُ بِرَأيِهِ ونَفسِهِ ، الَّذي يَرَى الفَضلَ كُلَّهُ لَهُ لا عَلَيهِ ويوجِبُ الحَقَّ كُلَّهُ لِنَفسِهِ ولا يوجِبُ عَلَيها حَقَّاً ، فَذاكَ الأَحمَقُ الَّذي لا حيلَةَ في مُداواتِهِ۱ .
ويمكن أن نقسّم المتعصّبين المعاندين الّذين لا يتسنّى‏ زوال الحُجُب عنهم إلى‏ قسمين :
الأوّل : الّذين يتنبّهون ويعترفون بالحقّ إذا نزل بهم عذاب الاستئصال ، أي البلاء الّذي يعقبه الموت والهلاك .
الثّاني : الّذين لا يتنبّهون ولا يؤثّر فيهم عذاب الاستئصال .
كان فرعون من القسم الأوّل وأبو جهل من القسم الثّاني ، لقد مُني فرعون وأتباعه بالتّعصّب والكِبر واللَّجاجة ، وبعامّة بحجب المعرفة ، بحيث لم تنبّههم مواعظ موسى عليه السلام ، ولا احتجاجاته لإثبات التوحيد ،۲ ولا معجزاته لإثبات نبوّته ، ولا البلايا والمشكلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة۳ الّتي حلّت بهم نتيجة مخالفتهم للحقّ ، بَيْد أنّ سوط «عذاب الاستئصال» أرغم فرعون على‏ الاعتراف بالحقّ : (إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِى ءَامَنَتْ بِهِ بَنُواْ إِسْرَ ءِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)!۴

1.الاختصاص: ص ۲۲۱ عن أبي الربيع الشامي عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحارالأنوار : ج ۱۴ ص ۳۲۳ ح ۳۶ وراجع : ص ۱۸۰ «العُجب» .

2.راجع : النازعات : ۱۸ و ۱۹ و طه : ۴۳ و ۴۴ و ۴۹ و ۵۰ .

3.الإسراء : ۱۰۱ ، الأعراف : ۱۳۰ و ۱۳۳ .

4.يونس: ۹۰ .

  • نام منبع :
    العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
عدد المشاهدين : 117684
الصفحه من 563
طباعه  ارسل الي