281
العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة

قالَ : اُدخُل عَلى‏ بَرَكَةِ اللَّهِ ، فَدَخَلتُ وسَلَّمتُ عَلَيهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ .
وقالَ : اِجلِس غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ، فَجَلَستُ ، فَأَطرَقَ مَلِيًّا ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ .
وقالَ : أبو مَن ؟
قُلتُ : أبو عَبدِاللَّهِ .
قالَ : ثَبَّتَ اللَّهُ كُنيَتَكَ ووَفَّقَكَ لِمَرضاتِهِ .
قُلتُ في نَفسي : لَو لَم يَكُن لي مِن زِيارَتِهِ وَالتَّسليمِ عَلَيهِ غَيرُ هذَا الدُّعاءِ لَكانَ كَثيراً ، ثُمَّ أطرَقَ مَلِيًّا ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ .
فَقالَ : يا أبا عَبدِاللَّهِ ما حاجَتُكَ؟
قُلتُ : سَأَلتُ اللَّهَ أن يَعطِفَ قَلبَكَ عَلَيَّ ويَرزُقَني مِن عِلمِكَ ، وأرجو أنَّ اللَّهَ تَعالى‏ أجابَني فِي الشَّريفِ ما سَأَلتُهُ .
فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللَّهِ ، لَيسَ العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، إنَّما هُوَ نورٌ يَقَعُ في قَلبِ مَن يُريدُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ أن يَهدِيَهُ ، فَإِن أرَدتَ العِلمَ فَاطلُب أوَّلًا مِن نَفسِكَ حَقيقَةَ العُبودِيَّةِ ، وَاطلُبِ العِلمَ بِاستِعمالِهِ ، وَاستَفهِمِ اللَّهَ يُفهِمكَ .
قُلتُ : يا شَريفُ .
فَقالَ : قُل يا أبا عَبدِاللَّهِ .
قُلتُ : يا أبا عَبدِاللَّهِ ، ما حَقيقَةُ العُبودِيَّةِ ؟
قالَ : ثَلاثَةُ أشياءَ : أن لا يَرَى العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللَّهُ إلَيهِ مِلكاً ؛ لِأَنَّ العَبيدَ لا يَكونُ لَهُم مِلكٌ ، يَرَونَ المالَ مالَ اللَّهِ يَضَعونَهُ حَيثُ أمَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى‏ بِهِ ، ولا يُدَبِّرُ العَبدُ لِنَفسِهِ تَدبيراً ، وجُملَةُ اشتِغالِهِ فيما أمَرَهُ اللَّهُ تَعالى‏ بِهِ ونَهاهُ عَنهُ ، فَإِذا لَم يَرَ


العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
280

۱۱۰۸.عنه عليه السلام : شاوِر في أمرِكَ الَّذينَ يَخشَونَ اللَّهَ تَعالى‏ ، وطَلَبُ العِلمِ مِن أعلَى الاُمورِ وأصعَبِها ، فَكانَتِ المُشاوَرَةُ فيهِ أهَمَّ وأوجَبَ.۱

۱۱۰۹.مشكاة الأنوار عن عنوان البصريّ- وكانَ شَيخاً كَبيراً قَد أتى‏ عَلَيهِ أربَعٌ وتِسعونَ سَنَةً -: كُنتُ أختَلِفُ إلى‏ مالِكِ بنِ أنَسٍ سِنينَ ، فَلَمّا حَضَرَ جَعفَرٌ الصّادِقُ عليه السلام المَدينَةَ اختَلَفتُ إلَيهِ وأحبَبتُ أن آخُذَ عَنهُ كَما أخَذتُ مِن ملِكٍ ، فَقالَ لي يَوماً : إنّي رَجُلٌ مَطلوبٌ ومَعَ ذلِكَ لي أورادٌ في كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ فَلا تَشغَلني عَن وِردي فَخُذ عَن مالِكٍ وَاختَلِف إلَيهِ كَما كُنتَ تَختَلِفُ إلَيهِ .
فَاغتَمَمتُ مِن ذلِكَ وخَرَجتُ مِن عِندِهِ وقُلتُ في نَفسي : لَو تَفَرَّسَ فِيَّ خَيراً لَما زَجَرَني عَنِ الاِختِلافِ إلَيهِ وَالأَخذِ عَنهُ ، فَدَخَلتُ مَسجِدَ الرَّسولِ صلى اللَّه عليه وآله وسَلَّمتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ رَجَعتُ مِنَ القَبرِ إلَى الرَّوضَةِ وصَلَّيتُ فيها رَكعَتَينِ وقُلتُ : أسأَلُكَ يا اللَّهُ يا اللَّهُ أن تَعطِفَ عَلَيَّ قَلبَ جَعفَرٍ وتَرزُقَني مِن عِلمِهِ ما أهتَدي بِهِ إلى‏ صِراطِكَ المُستَقيمِ .
ورَجَعتُ إلى‏ داري مُغتَمّاً حَزيناً ولَم أختَلِف إلى‏ مالِكِ بنِ أنَسٍ لِما اُشرِبَ قَلبي مِن حُبِّ جَعفَرٍ ، فَما خَرَجتُ مِن داري إلّا إلَى الصَّلاةِ المَكتوبَةِ حَتّى‏ عيلَ صَبري ، فَلَمّا ضاقَ صَدري تَنَعَّلتُ وتَرَدَّيتُ وقَصَدتُ جَعفَرًا ، وكانَ بَعدَما صَلَّيتُ العَصرَ ، فَلَمّا حَضَرتُ بابَ دارِهِ استَأذَنتُ عَلَيهِ فَخَرَجَ خادِمٌ لَهُ .
فَقالَ : ما حاجَتُكَ ؟
فَقُلتُ : السَّلامُ عَلَى الشَّريفِ .
فَقالَ : هُوَ قائِمٌ في مُصَلّاهُ ، فَجَلَستُ بِحِذاءِ بابِهِ ، فَما لَبِثتُ إلّا يَسيراً إذ خَرَجَ خادِمٌ لَهُ .

1.إحقاق الحقّ : ج ۱۲ ص ۲۶۹ نقلاً عن كتاب تعليم المتعلّم طريق التعلّم للزرنوجي الحنفي .

  • نام منبع :
    العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
عدد المشاهدين : 117709
الصفحه من 563
طباعه  ارسل الي