۰. يابُنَيَّ ، إنّ النّاسَ قد جَمَعوا قَبلَكَ لأولادِهِم فلَم يَبقَ ما جَمَعوا ولَم يَبقَ مَن جَمَعوا لَهُ ، وإنّما أنتَ عَبدٌ مُستَأجَرٌ قد اُمِرتَ بعَمَلٍ ووُعِدتَ علَيهِ أجراً ، فأوفِ عَمَلَكَ واستَوفِ أجرَكَ ، ولا تَكُنْ في هذهِ الدُّنيا بمَنزِلَةِ شاةٍ وَقَعَت في زَرعٍ أخضَرَ فأكَلَت حتّى سَمِنَت فكانَ حَتفُها۱ عِند سِمنِها ، ولكنِ اجعَلِ الدُّنيا بمَنزِلَةِ قَنطَرَةٍ على نَهرٍ جُزتَ علَيها ، وتَركتَها ولَم تَرجِعْ إلَيها آخِرَ الدَّهرِ ، أخرِبْها ولا تُعَمِّرْها فإنّكَ لَم تُؤمَرْ بعِمارَتِها.
واعلَمْ أ نّكَ سَتُسألُ غَداً إذا وَقَفتَ بينَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّوجلَّ عن أربَعٍ : شَبابِكَ فيما أبلَيتَهُ ، وعُمرِكَ فيما أفنَيتَهُ ، ومالِكَ مِمّا اكتَسَبتَهُ ، وفيما أنفَقتَهُ ، فتَأهَّبْ لِذلكَ وأعِدَّ لَهُ جَواباً . ولا تأسَ على ما فاتَكَ مِن الدُّنيا ؛ فإنّ قَليلَ الدُّنيا لا يَدومُ بَقاؤهُ ، وكثيرَها لا يُؤمَنُ بَلاؤهُ ، فخُذْ حِذرَكَ ، وجِدَّ في أمرِكَ ، واكشِفِ الغِطاءَ عن وَجهِكَ ، وتَعرَّضْ لمَعروفِ ربِّكَ ، وجَدِّدِ التَّوبَةَ في قَلبِكَ ، واكمَشْ۲ في فِراقِكَ۳ قبلَ أن يُقصَدَ قَصدُكَ ، ويُقضى قَضاؤكَ ، ويُحالَ بَينَكَ وبينَ ماتُريدُ .۴
۰. يا بُنَيَّ ، إيّاكَ والضَّجَرَ وسُوءَ الخُلقِ وقِلّةَ الصَّبرِ ؛ فلا يَستَقيمُ على هذهِ الخِصالِ صاحِبٌ ، وألزِمْ *نَفسَكَ التُّؤدَةَ۵ في اُمورِكَ ، وصَبِّرْ على مَؤوناتِ الإخوانِ نَفسَكَ ، وحَسِّنْ مَع جَميعِ النّاسِ خُلقَكَ .
يابُنَيَّ ، إن عَدِمَكَ ما تَصِلُ بهِ قَرابَتَكَ وتَتَفَضَّلُ بهِ على إخوَتِكَ فلا يَعدِمَنَّكَ حُسنُ الخُلقِ وبَسطُ البِشرِ ؛ فإنّ مَن أحسَنَ خُلقَهُ أحَبَّهُ الأخيارُ وجانَبَهُ الفُجّارُ . واقنَعْ بقِسمِ اللَّهِ لكَ يَصْفُ عَيشُكَ ، فإن أرَدتَ أن تَجمَعَ عِزَّ الدُّنيا فاقطَعْ طَمَعَكَ مِمّا في أيدي النّاسِ ، فإنّما بَلَغَ الأنبياءُ والصِّدِّيقونَ ما بَلَغوا بِقَطعِ طَمَعِهِم .۶
1.الحتف : الموت . (مجمع البحرين : ۱/۳۵۸) .
2.الكَمْشُ : الرجل السريع الماضي ، وانكَمَشَ وتركمّش : أسرع (الصحاح : ۳/۱۰۱۸) .
3.في الكافي : ۲/۱۳۴/۲۰ «في فَراغِكَ» ولعلّه الأنسب .
4.بحار الأنوار : ۱۳/۴۲۵/۱۹ .
5.التُؤْدَة - ساكنة وتفتح - : التأنّي والتمهّل والرزانة. (لسانالعرب :۳/۴۴۳).
6.قصص الأنبياء : ۱۹۵/۲۴۴ .